فرديناندو جوليانو
بعد مرور يوم على انهيار جسر «موراندي» في جنوة، في أغسطس عام 2018، ومقتل 43 شخصاً نتيجة لهذا، أعلن رئيس الوزراء الإيطالي «جوزيبي كونتي» أنه سيجرد شركة «أوتوسترادا بير لا إيتاليا» من امتيازاتها في الطرق السريعة. وبعد ذلك بعامين، أثار رئيس وزراء إيطاليا الجلبة نفسها لكنه لم يتخذ قراره بعد. والقضية تُعد مثالاً نموذجياً لعادة «كونتي» الخطيرة في إرجاء القرارات الصعبة لإخفاء الانقسامات داخل حكومة الأغلبية الضعيفة التي يترأسها. وتمثل أيضاً تحذيراً للمستثمرين بشأن عدم اليقين المتعلق بضخ الأموال في نشاط اقتصادي خاضع للوائح في إيطاليا في وقت السياسات المتقلبة. وكان لدى رئيس الوزراء ثلاثة خيارات للتعامل مع عواقب المأساة. فقد كان من الممكن أن يلتزم بالتعاقد القائم ربما بالسعي إلى إعادة التفاوض في نقاط معينة منه مثل مطالبة شركة أوتوسترادا بإنفاق المزيد على الصيانة. وكان بوسعه تأميم الشركة ودفع ثمن عادل لحملة الأسهم والسماح بفرض عقوبات.
وأخيراً كان بوسعه إلغاء الامتياز وفتح معركة قانونية مع الشركة بشأن الأضرار المحتملة.
وأصدر رئيس الوزراء وزملاؤه في الحكومة بدلاً من هذا عدداً من التهديدات دون اتخاذ أي قرار.
وتغيير الحكومة من ائتلاف كان يجمع حركة «خمسة نجوم» الشعبوية وحزب «الرابطة» اليميني إلى ائتلاف بين حركة «خمسة نجوم» والحزب «الديمقراطي» من تيار «يمين الوسط» لم يغير من الأمر شيئاً. لكن «كونتي» لم يضطلع بمسؤولية اختياره تاركاً الشركة وموظفيها والمستثمرين في حالة من عدم اليقين اللانهائي.
ولا شك في أن «أوتوسترادا» عليها أن تقدم الكثير من التفسير لما حدث قبل عامين. فقد ذكرت الشركة أنها نفذت دوماً التزاماتها الواردة في اتفاق الامتياز في أعقاب الخصخصة. لكن على مدار سنوات، استطاعت الشركة تقاضي رسوم عالية نسبياً مما سمح لها بمعدل هائل من العائدات، وهي تقترح الآن تسويات بمليارات اليوروهات لتحافظ على الامتياز. وبوسعها فيما يبدو أنها تنفق أكثر بكثير في الاستثمار عما فعلت.
وما حدث في جنوة مازال أمراً غامضاً، فمازال الانتظار المؤلم لنتائج التحقيقات مستمراً، لكنه من الواضح أنه يتعين على الشركة أن تبين أنها اتبعت الاحتياطات الملائمة لضمان سلامة جسر «موراندي». لكن هذا لا يسوغ الطريقة التي تعاملت بها الحكومتان الإيطاليتان مع شركة «أوتوسترادا» وأكبر مالك لأسهمها وهي شركة «آتلانتيا» القابضة التي تمتلك أسرة بينيتون 30% من أسهمها. وسعى «كونتي» لإظهار أنه يتخذ موقفاً قوياً يدافع فيه عن الضحايا وأسرهم لكنه ظل يساوم «آتلانتيا» بشأن الامتياز وصفقات أخرى بما في ذلك الإنقاذ المحتمل لشركة «آتلانتيا»، الإيطالية للطيران التي تعاني من خسائر مزمنة.
وقدمت شركة «أوتوسترادا» هذا الشهر عرضاً منقحاً من أجل تسوية محتملة. والمقترح يتضمن تقليصاً في الرسوم وتعزيزاً لرأس المال والإنفاق على الصيانة. وتتخلى «أتلانتيا» عن سيطرتها على «أوتوسترادا» إلى صندوق البنية التحتية «إف.3 أي.» وبنك «كاسا دبوستي إ بريستتي» الاستثماري الذي يقرض الدولة مع الاحتفاظ بحصة الأقلية. لكن «كونتي» رفض هذا العرض ووصفه في تصريح لصحيفة «إل فاتو كواتيديانو» بإنه «محير» وأشار إلى أن أسرة «بينيتون» يجب أن تخرج بشكل كامل من شركة «أوتوسترادا». وهذا يبدو كما لو أنه أخذ بثأر أكثر من كونه مسألة مبدأ. والملحمة المؤسفة لن تؤدي إلا إلى انطباع سلبي لدى المستثمرين الأجانب. وفي فبراير الماضي أقرت الحكومة الإيطالية قانوناً يقلص كلفة إلغاء الامتياز. والدرس الذي تتعلمه جهات التمويل من كل هذا أن أي وعود من إيطاليا تظل محل شك. ومحكمة العدل الأوروبية قد تنظر في المستقبل إلى هذا القرار باعتباره انتهاكاً فيما يبدو لحقوق الملكية وحرمة التعاقدات.
ومن الواضح أن الحكومة الإيطالية تواجه خيارات صعبة. فهيكل الملكية القائم لشركة «اوتوسترادا» لا يتمتع بتأييد وتركها دون تغيير سيثير التهكم من الاستعراض السياسي الفارغ السابق. وتأميم النشاط الاقتصادي أو إلغاء الامتياز قد يكون مكلفاً وقد يجبر الدولة الإيطالية على إدارة هذه الأصول في غمرة عدم يقين اقتصادي ووضع قانوني ملتبس. وهذه الوضع لن يصنع سمعة لإيطاليا باعتبارها وجهة استثمار موثوق بها. ويتعين على «كونتي» اتخاذ قرار قريباً وتحمل تبعاته.
المصدر: صحيفة الاتحاد خدمة “واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس”؛