أزمة كورونا في كوريا الجنوبية | مركز سمت للدراسات

الجانب المظلم من استجابة كوريا الجنوبية لأزمة “كوفيد – 19”

التاريخ والوقت : الجمعة, 24 يوليو 2020

ميسون ريتشي

 

لقد تمَّت الإشادة بموقف كوريا الجنوبية المنطلق من أولوية الحفاظ على الصحة العامة في مواجهة أزمة “كوفيد – 19″، وهو ما ينظر إليه كنموذج ناجح بين الديمقراطيات الأخرى. فقد أصبحت استراتيجية “سيول” للاختبار وتتبع الاتصال والعزل والعلاج معيارًا ذهبيًا يمكن الاقتداء به من أجل تسطيح منحنى الفيروس وتوجيهه نحوالصفر. فقد تمَّ إغلاق المدارس، وحظر التجمعات الكبيرة، وتشجيع العمل عن بُعد، ونشر ارتداء الأقنعة في كل مكان، وتنفيذ استراتيجيات التباعد الاجتماعي. وقد تجنبت كوريا الجنوبية عمليات الإغلاق القاسية التي تمَّ تبنيها في دول أخرى، إذ يعاني اقتصادها من الاضطراب، ولكن ليس بشكل كبير كما هو الحال في الولايات المتحدة وأوروبا.

لكن نجاح استراتيجية كوريا الجنوبية على المدى الطويل لا يبدو مضمونًا. فليس هناك ما يضمن أن يعزز نموذج “سيول” خلال الموجة الثانية. فقد برزت ظاهرة “العنقودية الجديدة” بشكل صحيح، حيث كانت الحالات المؤكدة حديثًا تصل باستمرار إلى الصفر. ويمكن للمرء أيضًا أن يتجادل حول الاختبارات الإجبارية والحجر الصحي للوافدين من الخارج، بالإضافة إلى مشكلات الخصوصية المتعلقة بتتبع الاتصال. ومع ذلك، فهذه تعدُّ قضايا صغيرة ضمن قصة نجاح أكبر.

ولكن، حتى قصص النجاح لها، هي الأخرى، جانب مظلم. ولسوء الحظ، كشفت استجابة لأزمة “كوفيد – 19” عن تمييز خطير في السياسة والمجتمع الكوري الجنوبي.

وقد ظهر هذا أول مرة في تعامل كوريا الجنوبية مع مجموعات توزيع المساعدات التي انبثقت من كنيسة “شينتشونجي”، وهي فرع مسيحي ذات مكانة متميزة بين معظم الكوريين. ذلك أن عقيدة وممارسات “شينتشونجي” – المسيحية الأخروية، والسرية، وعملية التجنيد المضلل واستغلال الأعضاء لا يرضى عنها الجميع. ومع ذلك، فإن عمليات التجنيد العدواني وممارسات القيادة المشبوهة، تبدو سائدة في جميع أنحاء المشهد الديني الكوري الجنوبي. لكن على أي حال، فإن شعور أعضاء “شينتشونجي” بالنبذ ​​والتمييز الاجتماعيين له ما يبرره. فقد واجهوا على نطاق واسع حقدًا على الإنترنت بعد تفشي المرض، وهو ما دفع أكثر من 500 ألف شخص للتوقيع على عريضة موجهة لرئيس الوزراء “تشونج ساي كيون” تطالب بحل الكنيسة.

ويمثل التمييز ضد أعضاء منظمة دينية إشكالية قانونية. ففي سياق أزمة “كوفيد – 19” تتفاقم المشكلة لأنها تجعل تتبع الاتصال صعبًا. وقد كان أعضاء “شينتشونجي” مترددين على الاعتراف الطوعي بالحضور والمشاركة في الخدمات، كما أجبرتهم الحكومة في نهاية المطافعلى الإفصاح عن قائمة عضويتها وضغطت على المصلين لاختبارها، رغم أن هذا النهج يمثل اختراقًا للخصوصية وحرية الدين. لكن قلة من الكوريين الجنوبيين احتجوا على هذه الاستجابة المتشددة.

أمَّا المجال الثاني للتمييز، فيشمل المواطنين الأجانب الذين يعيشون في كوريا الجنوبية. فهي كغيرها من الدول الأخرى، قدمت مدفوعات تحفيزية للأفراد، وذلك من أجل التخفيف من الدخل المفقود ودعم طلب المستهلكين. لكن المشكلة تكمن في أن المواطنين الأجانب مستبعدون من هذا البرنامج. فباستثناء المتزوجين من الكوريين الجنوبيين، يتم استبعاد كافة المواطنين الأجانب، حتى حاملي بطاقات الإقامة من الضرائب والمدفوعات.في حين لم تقدم الحكومة أي تفسير لهذا التمييز، فقد ادعت أنه من الصعب تحديد المواطنين الأجانب المؤهلين. لكن هذا الأمر مشكوك فيه، حيث إن الحكومة ليست لديها مشكلة في تحديد الأجانب الذين يتعين عليهم دفع الضرائب. وأهم من ذلك، هو ما ينطوي عليه من سؤال يرتبط بسبب عدم افتراض أن جميع المهاجرين القانونيين، الذين يدفعون الضرائب، يجب أن يكونوا مؤهلين للحصول على هذه المحفزات. فالمواطنون الأجانب ذوو الدخل المنخفض، من العمال في الخدمة العامة، والعمال الزراعيين، وبعض موظفي المصنع والطلاب الذين يعملون بدوام جزئي، لا يحصلون على حوافز للدعم بسبب جنسيتهم.

كما أدخلت حكومة كوريا الجنوبية، مؤخرًا، لائحة جديدة تهدف إلى منع تفشي حالات “كوفيد – 19” الوافدة من الخارج. فالقاعدة الجديدة من الأجانب الحاصلين على تأشيرة طويلة الأمد تتطلب التقدم بطلب إلى مكتب الهجرة للحصول على إذن قبل مغادرة البلاد، ثم إجراء فحص طبي في الخارج في غضون 48 ساعة من العودة إلى كوريا الجنوبية.

ولا تعتبر هذه السياسة مرهقة فحسب، بل إنها خطيرة لأنها تجبر المسافرين العائدين على الذهاب إلى المرافق الطبية، حيث إن زيادة كثافة أعداد المرضى تعني احتمال أعلى للإصابة بفيروس “كوفيد – 19″، بينما الأسوأ من هذا كله أنها تمييزية. ولا يُطلب من مواطني كوريا الجنوبية اتخاذ هذه الخطوات عند السفر إلى الخارج، ولا من الكوريين الجنوبيين من غير المواطنين الذين يحملون تأشيرة F4.وهو ما يعدُّ عنصرية صارخة في السياسة العامة، إذ إن الانتماء العرقي هو المعيار الوحيد ذو الصلة للتنظيم الجديد.

وأخيرًا، فقد سلطت مجموعة حالات الإصابة بـ”كوفيد – 19″ الأخيرة التي نشأت في النوادي الليلية بعدد من المناطق العامة، الضوء على رهاب المثلية واسع الانتشار في كوريا الجنوبية.فمن بين أكثر من 5 آلاف من الرعاة الذين كتبوا أسماءهم وأرقام هواتفهم على دفاتر دخول النادي، وهو شرط لإعادة فتح الأندية، تمَّ تزوير حوالي ألفي حالة. إذ يخشى الكثيرون من الأفراد من أن الإعلان عن حياتهم الخاصة سيؤدي إلى نبذ الأسرة والتمييز في مكان العمل.

وقد ساهم عدم تحمل مجتمع كوريا الجنوبية للمثلية الجنسية في جعل تتبع الاتصال أبطأ وأقل شمولية وأكثر قسرية. وقد طلبت كوريا الجنوبية بيانات الاتصالات لتحديد الموقع الجغرافي للهواتف المحمولة الموجودة أثناء انتشار الجائحة، لكن من الواضح أن الوقت يبدو ضائعًا في سباق هذا الاحتواء. بشكل غير مفاجئ، تمَّ تشويه صورة الكثير من الأفراد بالمجتمع الكوري الجنوبي في وسائل الإعلام الاجتماعية منذ تفشي المرض. فقرار الحكومة بإجراء اختبار عشوائي للبعض كان أشبه بالمسكنات.

وبوجه عام، فقد كانت استجابة كوريا الجنوبية لجائحة “كوفيد – 19” ناجحة جدًا. لكنها كشفت عن التمييز المتفشي وأبرزته بشكل أكثر وضوحًا. فقد كان يمكن للمرء أن يأمل في أن يكون حاله أفضل؛ لأن الرئيس “مون جاي إن”، وهو بالأساس محامٍ تقدمي وناشط في مجال حقوق الإنسان، ملتزم ولو ظاهريًا بتحقيق قدر أكبر من المساواة.

لا يزال لديه الوقت للتحسين على هذه الجبهة، لكن النافذة تبدو مغلقة حاليًا. فقد قضى “مون” أكثر من ثلاث سنوات في فترة ولاية واحدة مدتها خمس سنوات، كما أن إمكانية عرض ما يمكن القيام به محدودة بسبب انشغاله بالقضايا المتعلقة بكوريا الشمالية، والاقتصاد، والانشغال بديناميات التحالف مع الولايات المتحدة.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: منتدى شرق آسيا

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر