يواجه سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أزمة خطيرة على الأبواب تتمثل في ندرة الموارد المائية، والتي من المتوقع أن تؤدي لأزمة مائية حادة، يعقبها مباشرة أزمة غذائية تضرب شعوب المنطقة، مما سيخلف مجاعات واسعة النطاق تأتي على الأخضر واليابس. علاوة على ذلك، من المرجح أن يزيد هذا الضغط الإضافي على أكثر الفئات ضعفاً في المنطقة فضلًا عن فوضى عارمة في شتى مجالات الحياة، ربما يتبعها صراعات وأعمال عنف واسعة النطاق تؤدى إلى تفاقم أزمة اللاجئين الحالية.
ويعيش نحو 60% من سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مناطق شديدة الإجهاد المائي، فإذا استمرت المعدلات الحالية لتدهور الأراضي الزراعية سيضيع 8.3 مليون هكتار آخر من الأراضي الزراعية بحلول عام 2020، وقد بلغ متوسط وفرة المياه في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 1200 متر مكعب سنويًا فقط.
وعلى الرغم من اختلاف الظروف بين دول المنطقة، فإن معظم السكان يواجهون خطر وجودي يتمثل في ندرة المياه. كما تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أكثر مناطق العالم التي تشهد إجهاد مائي، ففي اليمن مثلا ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة يبلغ متوسط نصيب الفرد بها من المياه النقية 198 متر مكعب . وقد تفاقمت أزمة المياه في المنطقة خلال السنوات الأخيرة حتى شهدت هبوط متوسط في نسبة توفير المياه بمقدار 25%، ومن المحتمل أن يتخطى متوسط نصيب الفرد في المياه بالكاد فوق 500 متر مكعب بحلول عام 2025. ومع تضاؤل الموارد، مرة أخرى، ربما تكون الحالة الأكثر وضوحًا هي اليمن، حيث قام المزارعون اليمنيون بزيادة عمق الآبار التي يعيشون عليها بحوال 50 مترًا خلال الاثني عشر عامًا الماضية، بينما انخفضت كمية المياه التي يحصلون عليها بمقدار الثلثين، مما تسبب بصراعات عنيفة بينهم للحصول على المياه.
وفي نفس السياق بلغ معدل الإجهاد المائي في العراق 3.7 من 5 وفق مؤشر الإجهاد المائي، لتصبح واحدة من البلدان المُصنفة بأن لديها “خطورة عالية” في ما يتعلق بندرة المياه، حيث يتوقع المؤشر العالمي أنه بحلول عام 2040 سيجف نهرا دجلة والفرات تمامًا، وبالتالي ستعاني العراق من الجفاف والعطش.
مؤخرًا حذر المعهد الدولي لإدارة المياه من أن التغيرات المناخية في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ستتسبب في مزيد من الإجهاد المائي لتلك المنطقة. لذلك، وفي حين أن ندرة المياه ليست قضية جديدة، يجب أن يولى المجتمع الدولي المزيد من الاهتمام بها حيث تشير العديد من الهيئات الدولية إلى أن هذه الأزمة من المرجح أن تسوء، خاصة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات سريعة لتحسين الوضع.
يؤكد البنك الدولي أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعتبر من أكثر المناطق في العالم توترًا، في ما يخص الاستخدام غير المستدام للمياه، فحوالي 82% من المياه بتلك المنطقة لا يُستفاد منها بالشكل الفعال المؤثر، بالرغم من زيادة الطلب على المياه وضعف العرض. كما ستشهد المنطقة أكبر خسائر اقتصادية متوقعة من ندرة المياه المرتبط بالمناخ، والتي تقدر بـحوالي 6–14% من إجمالي الناتج المحلي بحلول 2050، ولا تساوي إنتاجية المياه الإجمالية في المنطقة إلا نحو نصف المتوسط العالمي، كما يهدد المنطقة أزمات الفيضانات والجفاف بشكل ملحوظ خاصة مناطق الشمال الإفريقي لندرة موارد المياه بها.
وفي مؤشر على ضرورة التعاون بين تلك الدول لمواجهة تلك الأزمة الخطيرة، هو أن بلدان المنطقة تشترك في مكمن مياه جوفية واحد على الأقل، مما يبرز أهمية الإدارة التعاونية لموارد المياه المشتركة، وهوما يشير أيضا إلى أن الصراعات والنزاعات المحتمل أن تشهدها المنطقة خلال المستقبل القريب سيكون السبب الرئيسي لقيامها هو السيطرة على الموارد المائية والحصول على المياه.
يعتبر إهدار المياه وسوء استخدامها من أكبر المسببات لندرة المياه بالمنطقة، فثقافة ترشيد استهلاك المياه قد تغيب عند بعض المواطنين، ومن ثم، وفى محاولة لتخفيف آزمة المياه في المستقبل، تقوم بعض الدول مثل مصر التي يبلغ عدد سكانها ما يزيد عن مائة مليون نسمة بإطلاق حملات توعوية واسعة الناطق لترشيد استخدام المياه وتوفير صنابير مياه موفره. كما فرضت الحكومة المصرية عقوبات على المتسببين بتلويث مياه النيل من خلال إلقاء المخلفات فيه، أو رش المياه في الشوارع والطرقات وذلك في محاولة لتخفيف حدة الحرارة في أوقات الصيف. يعتبر إهدار المياه وسوء استخدامها من أكبر المسببات لندرة المياه بالمنطقة، فثقافة ترشيد استهلاك المياه قد تغيب عند بعض المواطنين، ومن ثم، وفى محاولة لتخفيف آزمة المياه في المستقبل، تقوم بعض الدول مثل مصر التي يبلغ عدد سكانها ما يزيد عن مائة مليون نسمة بإطلاق حملات توعوية واسعة الناطق لترشيد استخدام المياه وتوفير صنابير مياه موفره. كما فرضت الحكومة المصرية عقوبات على المتسببين بتلويث مياه النيل من خلال إلقاء المخلفات فيه، أو رش المياه في الشوارع والطرقات وذلك في محاولة لتخفيف حدة الحرارة في أوقات الصيف.
لسوء الحظ، وبالتوازي مع الزيادة الهائلة في عدد السكان خلال نفس الفترة، تشير مواقف الحكومات الإقليمية الحالية تجاه القضية إلى احتمال زيادة اندلاع “حروب المياه” في المنطقة في المستقبل القريب. ويتجلى ذلك في الأزمة المستمرة بين مصر والسودان من جانب وأثيوبيا من جانب آخر بسبب بناء الأخيرة لسد النهضة، وعدم الوصول لتسوية مع طرفي النزاع بشأن قواعد ملء السد.
أما في ليبيا فقد انخفض مخزون المياه الصالحة للشرب من حوالي 149 إلي 101 قناة توزيع مياه نتيجة تعرضها للتدمير بفعل التوترات الأمنية، مما جعل الأمم المتحدة تحذر من استخدام المياه كسلاح للصراع بين الأطراف المتقاتلة هناك.
تعتبر المياه من أكثر الاحتياجات الإنسانية الأساسية، وقد يؤدى ندرتها الممنهجة إلى عواقب اجتماعية واقتصادية وسياسية وخيمة، فضلاً عن تداعيات أمنية خطيرة للغاية. علاوة على ذلك، صرحت العديد من المؤسسات من أن السبب الرئيسي وراء موجات الهجرة في المنطقة يعود بشكل مباشر أو غير مباشر لندرة المياه، حيث أن الفقر والصراع يمثلان المحرك الأساسي وراء الهجرة. أما منظمة “الفاو” فقد نوهت إلى أن ندرة المياه سيتسبب بخسائر اقتصادية تقدر بـ 6 إلى 14 % من الناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة خلال عام 2050، وهي أعلى المعدلات حول العالم.
وفى حين يؤكد المراقبون الدوليون بوضوح على تلك الأزمة الوشيكة، فمن الضروري بمكان أن نتعرف مردود تلك الأزمة وأثرها على العديد من مناطق العالم الأخرى. لعلنا لا ننسى انه توجد هناك علاقة قوية بين ندرة المياه وعدم الاستقرار الغذائي والصناعي والمعيشي والهجرة، وأيضا الصراعات والنزاعات، لذلك فأن إدارة المياه بطريقة أكثر كفاءة يمكنها أن تحد من الهجرة والصراعات الإقليمية التي ربما يتولد عنها أعمال عنف.
يعتبر استقرار المنطقة وعدم حدوث موجات جديدة من اللاجئين والنازحين بسبب أزمة المياه التي من المحتمل أن تكون أشد وضراوة من الأزمات الأمنية بالمنطقة لأنها ستطال أغلب السكان وتؤثر على جميع أمور حياتهم بصفة شبه كاملة، من مقتضيات المصلحة الأمريكية، فبدون المياه ستتوقف الحياة ويضطر المواطنين للبحث عن مناطق آخري للعيش فيها، وهو ما سيزيد من أعداد اللاجئين بالمنطقة والتي وصلت إلى أكثر من 10 مليون لاجئ.
كما ستزداد الأزمات والصراعات وأعمال العنف التي ستؤثر على المصالح الأمريكية في المنطقة خاصة في الدول النفطية التي ستهدد تلك الأزمة استمرار تدفق النفط منها، وربما تتسبب في ارتفاع أسعاره لمعدلات قياسية، ويمكن أن يستغل البعض أزمة المياه لإشعال مزيد من التوتر ببعض دول المنطقة -التي هي في الأساس مليئة بالنزاعات – لذلك فالتحرك الدبلوماسي الأمريكي الذي يعمل على الوصول لتسوية سلمية تحفظ حقوق المواطنين في الحصول على حقهم الأساسي في الحصول على مياه الشرب الصحية، كما أن المساهمة في ابتكار وسائل للحفاظ على المصادر المائية الحالية وترشيد استهلاكها وتنميتها، سيكون له آثر إيجابي على المصالح الأمريكية، وأيضا سيوفر مردود واضح في تنمية العلاقات مع شعوب المنطقة لان قضية المياه تمثل أحد أبرز المؤثرات على حياة المواطنين وتوجهاتهم الحالية والمستقبلية.
وبالتحديد يمكن أن توظف الإدارة الأمريكية العديد من الأدوات التي قد تساهم في تسوية النزاعات المتعلقة بالمياه في المنطقة. ففي حين أن الولايات المتحدة قد تدخلت بالفعل في بعض النزاعات على المياه – أي النزاع حول سد النهضة – يمكن للإدارة الامريكية أيضا استخدام نفوذها الإقليمي للعب دور أكثر نشاطًا في تشجيع إمداد الدول المُقبلة على التفاوض والوصول لاتفاقيات تحمي حقوق جميع الأطراف في حصولهم على المياه الصحية باستثمارات واتفاقيات تجارية وكذلك مساعدات اقتصادية متنوعة. كما يمكن للولايات المتحدة أن تعمل على إنشاء ألية مستحدثة أو كيان جديد بلوائح وقوانين تسمح بتخطي العقبات الروتينية في التفاوض الجماعي وتسوية النزاعات بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
ومن الضروري أيضا أن تقوم الولايات المتحدة بتوفير مساعدات متخصصة لتزويد الدول المتأثرة بندرة المياه، بالتكنولوجيا الحديثة المخصصة لاستخراج المياه الجوفية، وأيضا الاستفادة من مياه الصرف الصحي ومساعدتهم في تحلية مياه البحر، ووضع برامج للاستهلاك الأمثل للمياه المستخدمة في الزراعة والصناعة –وذلك كونهما أكثر المجالات استهلاكا للمياه- مع وضع برامج تشجيعية. وبالفعل قامت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على وجه الخصوص بتطوير العديد من المشروعات، والتي يجب أن تستمر وان يتم توسيع نطاقها. وتتضمن تلك المروعات إيفاد بعثات تدريبية وتعليمية من الدول التي تعاني من أزمات مياه بالمنطقة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة أحدث الطرق لتنمية الموارد المائية. وعلى مستوى القوة الناعمة، يمكن أن تلعب الدبلوماسية الشعبية، وخاصة الفنية والثقافية، دورا كبيرا في تثقيف الجمهور حول قضايا استهلاك المياه.
تمثل أزمة ندرة المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أحد أبرز التحديات التي تواجهها دولها، وبالتأكيد سيساهم التحرك الأمريكي في مواجهاتها بالطرق الدبلوماسية وأيضا الاقتصادية نقطة مضيئة في تاريخ العلاقات مع شعوبها، وستكون بمثابة خطوة إيجابية تساهم في الحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة. كما يجب تنمية هذه العلاقات بما يخدم جميع الأطراف، ويُجنب العالم موجات جديدة لا تحصى من اللاجئين والنازحين، والتي بدورها ستسفر عن أزمات متعاقبة خطيرة تهدد الاستقرار العالمي.