سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سيدارت أنيل ناير
ساعدت جائحة “كوفيد – 19” على وقف إطلاق النار في عدد من مناطق الصراعات حول العالم. لكن هذا الأمر ليس – بالضرورة – صحيحًا بالنسبة لجنوب شرق آسيا، التي شهدت تصاعدًا عامًا في عمليات الإرهاب وجهود مكافحته.
يعتمد شكل هذا التصاعد على تأثير الوباء في ديناميكيات الإرهاب ومكافحته. ففي المجمل، ترك الوباء الجماعات الإرهابية مبعثرة، وتراجع تمويلها، مع ظهور هيمنة سلطات الدولة. هنا يمكننا النظر إلى الوضع في كل من إندونيسيا والفلبين وميانمار، إذ شهدت هذه البلدان مجموعة من الأنشطة الإرهابية التي جعلتها ذات الكثافة الأبرز في منطقة جنوب شرق آسيا.
العمليات الإرهابية في عام 2020
على الرغم من انخفاض عدد الحوادث ذات الصلة بالإرهاب هذا العام مقارنة بالسنوات السابقة، فإن الملاحظ هو وجود عدد من العمليات التي تعرف بكونها “منخفضة الكثافة”(LIO) في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا، وذلك بدءًا من قطع الرأس، إلى الهجمات المتفرقة على أفراد الشرطة والجيش.
لقد بدأت الجماعات الإرهابية، المحصورة الآن في بعض المناطق، والتي تعيقها عمليات الإغلاق على مستوى الدولة والمراقبة النشطة، والتي تكون في غالبية الأحيان غير قادرة على إجراء عمليات التدريب بسبب غياب الأماكن المناسبة، في زيادة استخدام الفضاء عبر الإنترنت. ذلك أن عودة مقاتلي تنظيم “داعش” الإرهابي في كل من سوريا والعراق، إلى جانب تبني هذا التنظيم الإرهابي وجهة نظر مفادها أن “هذا الفيروس الوبائي إنما هو عقاب الله ضد الطواغيت وعبدة الأوثان والكفار”، كل ذلك حفَّزَ التنظيمات الصغيرة التابعة له، مثل “جماعة مجاهدي شرق إندونيسيا”، لإصدار فتاوى ضد الحكومة.
فقد زادت هذه الجماعات من حملات الدعاية والتجنيد من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومنصاتها على الإنترنت من أجل دعم أفكار هجمات “الذئاب المنفردة” والترويج لمهارات صنع القنابل والتعريف بها عبر الإنترنت. ولا تزال هذه التجربة في ميانمار في وضع فريد، مع المواجهات المتكررة وواسعة النطاق بين الـ”تاتماداو” والجماعات المتمردة، لا سيما تلك التي ينتمي إليها تحالف الإخوان.
لقد أصبحت الهجمات التي يتعرض لها مراكز الشرطة مثل ما حدث في جنوب “كاليمانتان” بإندونيسيا، أو إطلاق النار الذي وقع ضد إحدى السيارات المسرعة، والذي أودى بحياة شرطيين في مقاطعة “سولو” الفلبينية، كل ذلك يمثل مخاطر منخفضة، ولكنها طرق مفيدة للحفاظ على وضعيتها ودرجة الاهتمام بها لدى السلطات والمدنيين. وبجانب العمليات “منخفضة الكثافة”، تحولت بعض المجموعات وأبرزها “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا”، إلى تنظيم الاهتمام بالحركات الاجتماعية وبرامج التوعية التي تنشر الإمدادات على المحتاجين والفقراء. وقد كانت الاحتجاجات والاعتصامات ضد الحكومة أو الأعداء الأجانب المفترضين، مثل الصين والشركات التابعة لها، التي تنظمها الجماعات الإرهابية، بمثابة حدث شائع في بداية عام 2020.
وردًا على انخفاض نسبة التمويل العالمي للإرهاب، لجأت الجماعات الإرهابية إلى غارات على القرى وسفن الشحن وقوافل الأسلحة العسكرية. كما استهدفت آخرين في العديد من المؤسسات المدنية مثل البنوك المحلية والمؤسسات المالية الأخرى. وواصلت الميليشيات الصغيرة متابعة مصدر دخلها الرئيسي بتكتيكات الخطف والفدية.
في هذا السياق، تبرز قضية ميانمار مرة أخرى، حيث كشفت التحقيقات الأخيرة التي أجريت في ولاية “شان” الشمالية، الحد الأدنى من تأثير الوباء على إنتاج المخدرات وعمليات التهريب.
عمليات مكافحة الإرهاب في عام 2020
تنظر معظم دول جنوب شرق آسيا إلى الوباء بكونه قضية أمنية في المقام الأول، ثم بكونه يمثل حالة طوارئ صحية. وبالتالي، لا توجد عوائق كثيرة أمام تنفيذ استراتيجيات مكافحة الإرهاب على مستوى العالم وليس الإقليم فقط، مما أدى إلى مستوى أعلى من العسكرة.
وبعد الجهود التي بذلتها قيادة غرب “مينداناو” في الفلبين، بالإضافة إلى ما تقوم به قيادة أمن “صباح الشرقية”(ESSCOM) ، فقد استسلم عدد من مقاتلي “جماعة أبو سياف”(ASG) في البلاد أو اغتيلوا.
وبالمثل، قامت الوكالة الوطنية لمكافحة الإرهاببإندونيسيا (BNPT)، جنبًا إلى جنب مع الشرطة المحلية، بتكثيف عمليات المداهمة والاعتقال في جميع المقاطعات الإندونيسية. وفي الوقت نفسه قامت بإنشاء آليات أكبر لتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الدول المجاورة. وقد أسفر ذلك عن مصادرة كميات قياسية من الأسلحة والذخيرة والمتفجرات محلية الصنع. وأخيرًا، واصلت “تاتماداو” عمليات القصف المكثف والغارات الجوية ضد جماعات أخرى مثل “جيش أراكان”.
وقد خضعت تشريعات مكافحة الإرهاب عبر الدول – بما في ذلك أنظمة الجرائم المالية والمراقبة عبر الإنترنت – لتغييرات أيضًا. ففي الفلبين، تمَّ استبدال قانون الأمن الإنساني لعام 2007 بقانون مكافحة الإرهاب لعام 2020، الذي يزيل عددًا من الضوابط والضمانات ضد قواعد الاشتباك غير القانونية وانتهاكات حقوق الإنسان. وفي إندونيسيا، مدد مرسوم رئاسي عمليات مكافحة الإرهاب لتشمل القوات المسلحة الإندونيسية. كما قامت الجمعية الاستشارية الشعبية بتعديل أنظمة الجرائم المالية للوفاء بالمعايير الدولية. وبالمثل، في ميانمار، وباستثناء الاعتماد على العمليات الميدانية، فقد حدثت تغييرات في أنظمة مكافحة غسل الأموال. وهنا نشير إلى أن التغيير في جميع المجالات إنما يعكس زيادة في استخدام قوانين تنظيم الإنترنت والجرائم المالية الحالية المنصوص عليها في تشريعات مكافحة الإرهاب.
خاتمة
من وجهة نظر الدولة، سيظل توظيف جماعات حقوق الإنسان الذي تقوم به الجماعات الإرهابية يمثل تحديًا رئيسيًا، نظرًا للحد الأدنى من التخطيط والمعدات المطلوبة لتنفيذها. بينما يكمن التحدي الآخر في إعادة توجيه البنية التحتية للشرطة والاستجابة لحالات الطوارئ نحو إدارة الوباء.
أخيرًا، إن الجماعات الإرهابية لديها الآن فرصة للتعافي وإعادة دمج قدراتها لعمليات أكبر في المستقبل. وعلى ذلك، فمع زيادة الضوابط السكانية والمراقبة النشطة نتيجة الوباء، فإن الدول التي تسعى إلى تفكيك مثل هذه الجماعات، لديها الفرصة للقيام بذلك بشكل عملي، سواء من خلال عمليات الاستخبارات، أو تشديد التشريعات.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: معهد دراسات السلام والصراعات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر