سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إيميلدا دينلا
دفعت أزمة “كوفيد – 19″بالفلبين، إضافة إلى تأثيراتها الصحية، إلى حالة من عدم اليقين الاقتصادي والسياسي. فالحكومة في عهد الرئيس “رودريغو دوتيرتي” تثبت للعالم مرة أخرى أن الممارسة القوية للسلطة، هي أسلوب الحكم المفضل لديها. لكن رغم إجراءات الحجر الصحي المشددة، لا تزال الفلبين تكافح من أجل احتواء انتشار الفيروس.
فالفلبين لديها أعلى معدلات الإصابة في جنوب شرق آسيا؛ إذ يوجد بها 26420 إصابة حتى 15 يونيو. ومع رفع القيود وإعادة فتح الحياة والاقتصاد في 1 يونيو، استيقظت البلاد على 2.6 مليون خسارة في الوظائف، وهو الرقم الذي يمكن أن يصل إلى 10 ملايين بحلول نهاية العام.
وقد تمثَّل رد الحكومة المبدئي في يناير 2020 في استبعاد قوة الفيروس. وبعد تسجيل الحالات الأولى لانتقال المجتمع في الأسبوع الأول من شهر مارس، رد “دوتيرتي” بإصدار قرارات بـ”العزل”، في بعض المناطق عالية المخاطر،بينما تبنت المناطق الأخرى نهجًا أكثر اعتدالاً.
وقد أعقب ذلك حركة إغلاق تام يحظر حركة الأشخاص باستثناء الخدمات والضروريات الأساسية. ثم تمَّ إصدار قانون الطوارئ المؤقتة للسلطة التنفيذية من
خلال قانون التعافي “Bayanihan Heal as”One Actالذي سمح للمسؤولين بتنفيذ تدابير الرعاية الصحية العاجلة وتوفير شبكات الأمان الاجتماعي من أجل الحد من الآثار الاقتصادية للحظر.
بعد ذلك قامت الحكومة بإنشاء فرقة العمل المشتركة بين الوكالات المعنية بالأمراض المعدية الناشئة من أجل تنفيذ القانون. وتتكون هذه الفرقة من أفراد عسكريين من ذوي الخبرة القليلة في التعامل مع الأزمات الصحية.
كما ساهمت أزمة “كوفيد – 19” في زيادة الانقسامات الاجتماعية القائمة وعدم وجود توافق سياسي بين النخب الحاكمة. لكن القيادة السياسية قامت بالقليل لسد هذه الفجوة وتكوين تلك الوحدة الجديدة، إذ تتركز أجندة “دوتيرتي” السياسية على تعزيز قبضته على السلطة؛ وهو ما تمَّ من خلال السيطرة والقيادة ومواجهة كافة أشكال التهديد الذي يواجه السلطة.
كما أتاح هذا الوباء فرصة جيدة للمزيد من تراجع حرية الصحافة واستقلالها في أوقات الإغلاق الأخيرة لشبكتي “إي بي سي”ABS، و”سي بي إن”CBN، وهما أكبر شبكتين تلفزيونيتين في البلاد. وقد أعقب ذلك محاكمة الصحفية “ماريا ريسا”، الناقدة المعروفة لـ”دوتيرتي” وإدانتها.
وقد أثر تنفيذ الإغلاق بشكل غير متناسب على الفقراء والضعفاء. فالملايين من الفلبينيين يكافحون لأجل إطعام أنفسهم وأسرهم، أو غير قادرين على العمل، أو الذين تُرِكُوا عالقين في أماكن منازلهم. ومع تنامي أصوات المعارضة على وسائل التواصل الاجتماعي واحتجاجات الشوارع في “مانيلا”، بدأت الحكومة في اعتقال كل من ينتقد أعمالها عبر الإنترنت، بالإضافة إلى نشطاء البيئة وحقوق الإنسان.
وقد واجه نائب الرئيس “ليني روبريدو” تهديدًا من قِبَل مفوض من اللجنة الرئاسية لمكافحة الجريمة بالتحقيق معه بتهمة “معارضة” استراتيجية استجابة الحكومية للجائحة. وهو ما نفاه الرئيس “دوتيرتي” في وقت لاحق وأقال المفوض.
وتعرضت الحكومات المحلية بالتهديد بإثارة القضايا ضدها، وكذلك فرض العقوبات القانونية عليها إذا لم تجعل أرقام الحالات تحت السيطرة.
لكن المسؤولون يتعرضون أيضًا للتضييق والتهديد بالتحقيقات إذا نفذوا سياسات فعالة كما هو الحال بالنسبة لعمدة مدينة باسيج الشعبية “فيكو سوتو”. لذلك تفتخر الشرطة الوطنية الفلبينية بأن لديها معدلات جريمة منخفضة أثناء الإغلاق وتوقيف أكثر من 17 ألف من مخالفي القانون الأوروبي؛ وهو ما يزيد من تعقيد مشكلة السجون التي تعاني أوضاعًا سيئة، فضلاً عن كونها مكتظة، فأصبحت بؤرة لتفشي الفيروس الوبائي.
كما تكشف أزمة”كوفيد -19″ عن ضعف المؤسسات، وخاصة مؤسسات سيادة القانون؛ وهو ما يعود جزئيًا إلى القيادة المؤسسية غير القادرة على الوقوف في وجه السلطة التنفيذية، التي لا تخضع للمساءلة، كما أنها تقف فوق القانون. ففي حين تمَّ اعتقال الآلاف بسبب مخالفات طفيفة، فُصِل كبار المسؤولين المقربين من الإدارة ممن انتهكوا لوائح الحجر الصحي، لكن تمَّ التعامل معهم بتعاطف.
وبعد خروج الفلبين من هذه الجائحة، ستكون المؤسسات الفعالة ضرورية للتعافي الاقتصادي وثقة الأعمال.
وأمام ذلك، أصدرت ثماني مجموعات تجارية بيانًا مشتركًا يشير إلى عدم وضوح قواعد الإغلاق وإدانة الانتهاكات الفجة من قبل المسؤولين العموميين. ثم أصدرت خمس مجموعات مرة أخرى بيانًا مشتركًا أعربت فيه عن قلقها العميق بشأن الإدانة المفرطة، متسائلة عن الشرعية الدستورية لهذه الإجراءات الخطيرة. كما أشار الفلبينيون إلى عدم الكفاءة في تقديم خدمات النقل وتوزيع حزمة الدعم الاجتماعي؛ ذلك أن لديهم ثقة قليلة في وكالة وزارة الصحة. كما أنهم يشككون في دقة البيانات التي تصدر عنها.
وقد أسفر التحول الاقتصادي في الفلبين خلال مرحلة ما بعد “ماركوس” استقرارًا سياسيًا أكبر، وإصلاحات اقتصادية ليبرالية جديدة تمت صياغتها من خلال ميثاق اجتماعي ديمقراطي. ورغم تحقيق قدر كبير من النمو الاقتصادي، فإن هذه التطورات فشلت في توزيع الثروة بشكل عادل، وتخفيف حدة الفقر. إذ يستخدم “دوتيرتي” نموذجًا غير ليبرالي على أمل أن يتمكن من تقديم نتائج اقتصادية مماثلة أو أفضل.
وتتضمن جائحة”كوفيد -19″ اختبارًا لنظام “دوتيرتي”. فربَّما لا يؤدي عدم الرضا المتزايد بين قاعدة أنصاره ومؤيديه بشأن تعامله مع الأزمة، إلى تآكل شعبيته على المدى القصير. لكن إذا حدث ذلك، فإنه قد يستخدمالمزيد من التدابير الصارمة للسيطرة التامة على الأوضاع والحفاظ على شرعيته. إلا أن ما نلاحظه بوضوح هو أنه لا يوجد قبول قاطع لمعظم البرامج الاقتصادية والسياسية الرئيسية للحكومة التي يتم دفعها لحل القضايا الناتجة عن الوباء، بما في ذلك حزمة الإصلاح الضريبي الثانية، ومشروع قانون مكافحة الإرهاب والتعديل الدستوري.
أخيرًا، أظهرت جائحة “كوفيد -19” أن كلاً من المعارضين الفلبينيين والمجتمع المدني لن يتنازلوا عن حريتهم وحقهم في المطالبة بحكومة تخضع للمساءلة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: منتدى شرق آسيا
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر