الفِتَن الاتصالية “2” الانتشار ضد التأثير | مركز سمت للدراسات

الفِتَن الاتصالية “2”  الانتشار ضد التأثير

التاريخ والوقت : الأربعاء, 1 يوليو 2020

زيد الشكري

 

عندما يتمكن القائم على الاتصال في المنظمة من فهم أهدافه الاستراتيجية جيدًا، فإنه بذلك سينجو من الوقوع في فخ الإغراءات البراقة والمخادعة حول “تكتيكات” الاتصال. الانتشار مقابل التأثير هو أحد هذه الإغراءات التي أسميتها بـ”الفتن الاتصالية”، وبدأت أول مقالات هذه السلسلة في هذه النشرة، الشهر الماضي، وكانت عن “المنطق الطبيعي vs. المنطق الاتصالي”.

الانتشار مقابل التأثير، هو إحدى الظواهر التي يحتفي بها انخداعًا، وأحيانًا عن غير وعي، ممارسو الاتصال؛ وذلك لأن تقديراتهم لا تتجاوز السطح إلى الأعماق لتبحث عن إجابة السؤال الأهم: ما هي غايتي النهائية من هذا النشاط الاتصالي أو ذاك؟

ولو حاولنا تلخيص النتيجة النهائية التي ينشدها ممارسو الاتصال من جملة الأنشطة الاتصالية والتسويقية التي يقومون بها خدمةً لأهداف منظماتهم، فإنها غالبًا لن تخرج عن فكرة “إحداث الأثر”. إذًا، طالما أن إحداث الأثر هو الغاية النهائية التي من أجلها يعمل ممارسو الاتصال، فإن أي نشاط لا يلتزم بذلك، سيكون هدرًا للوقت والموارد والطاقات والجهد.

عنصر الانتشار هو أقرب إلى صميم عمل الصحفي. أمَّا عنصر التأثير، فهو من مكوِّن أصيل وحاسم في عمل ممارس الاتصال؛ لأن الأول تقوده الأخبار والحوادث العاجلة والجديدة، بينما الثاني تقوده الرسائل الاستراتيجية حتى في الإعلان عن الأخبار الجديدة لمنظمته. وعندما يستخدم ممارس الاتصال تكتيك الصحفي في ظهور منظمته، فإنه بذلك قد يتسبّب في أضرار وأعطاب لصورة هذه المنظمة. القدرة على الجمع بين الانتشار والتأثير، هو الغاية المثلى، لكن التفريط بالتأثير على حساب مطاردة ما يضمن انتشارًا أوسع، هذا هو الفخ.

وهنا، فلنضرب مثالاً على الانتشار مقابل التأثير، وهو مجرد مثال افتراضي. لنأخذ الفنانة العظيمة فيروز، مقابل الفنان الشعبي المحبوب شعبان عبدالرحيم، هل يمكن أن نقارن التأثير الذي تركته فيروز على الذائقة العربية مقارنة بما تركه شعبان عبدالرحيم؟ الإجابة لا، لا أحد يتخيل أن هناك أصلاً من سيجادل حول أسبقية وريادة فيروز في ذهنية الجمهور العربي، ولن ينازع عبدالرحيم الصورة شبه المقدسة لفيروز في أوساط الجمهور العربي. الآن، لك أن تعرف الحقيقة الاتصالية المؤلمة، وهي أنه ربَّما لو وزع كل منهما ألبومًا، لتفوق شعبان عبدالرحيم في أعداد التوزيع ووصل الملايين، بينما في المقابل فيروز قد لا توزع أكثر من 100 ألف نسخة! وهذا بالضبط هو ما يلخص مفهوم الانتشار (شعبان عبدالرحيم) مقابل التأثير (فيروز) في الأنشطة الاتصالية والتسويقية للمنظمات، فكن فيروزيًا مع التأثير لا شعبانيًا مع الانتشار، إن صح الاشتقاق.

البعض قد يحتفي بتغريدة حققت 2000 أو 3 آلاف تفاعل، غير أنك عندما تمعن النظر وتتأمل المحتوى الذي حظي بالانتشار، ستجد أنه إمَّا محتوى متدني الأثر، أو ربَّما سلبي. انتشار خبر قيام منظمتك بعقد ألف ورشة عمل في شهر، ليس بالضرورة انتشارًا إيجابيًا. الأهم لصورة منظمتك أن تكشف الرسالة عن الجانب الأكثر عمقًا واستراتيجية من القصة، وهو – في هذا المثال – أثر هذه الورش. الاحتفاء بالعدد بلا قيمة، ويمكن أن يُؤول تأويلات سلبية أخرى، كأن توصف هذه المنظمة بأنها “فاضية” بلا عمل، حتى تحولت مع هذا العدد الهائل من الورش إلى ما يشبه متعهد الفعاليات.

ختامًا، تذكَّر أنه ليس من أهداف المنظمات منافسة وسائل الإعلام في البحث عن الانتشار، بل هدفها الوحيد هو “إحداث التأثير” على طريق بناء صورتها الذهنية، وبما يحقق أهدافها الاستراتيجية.

 

متخصص في الاتصال والصحافة

@alshakri

 

المصدر: نشرة elleven – العدد السابع

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر