جنوب إفريقيا.. نظام أبارتايد أم النظام الديمقراطي؟ | مركز سمت للدراسات

جنوب إفريقيا.. نظام أبارتايد أم النظام الديمقراطي؟

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 30 يونيو 2020

فؤاد العسيري

 

كلمة “Apartheid” أصلها هولندي، وهم المستعمرون الأوائل، وتعني الفصل التام. كان نظام أبارتايد آخر نظام عنصري رسمي في العالم؛ وهو نظام يحافظ على الهيمنة الاقتصادية والسياسية للأقلية ذات الأصول الأوروبية في جنوب إفريقيا، ويقسم الأفراد إلى أربع فئات؛ بيض وآسيويين وملونين وسود. انتهى هذا النظام رسمياً في 1990 على يد رئيس جنوب إفريقيا فريدريك دي كلارك، الذي كنت أشاهده في معظم نشرات الأخبار في تلك الفترة، وتختلط عليَّ مواقفه؛ فهو أبيض من حكومة عنصرية، ولكنه أعلن أن نظام أبارتايد فشل فشلاً كاملاً، ثم ألغى جميع القوانين العنصرية في البلاد، وأطلق سراح نيلسون مانديلا، بعد 27 عاماً من السجن، وفي1994  فاز حزب الكونجرس الوطني الإفريقي في الانتخابات، وصار مانديلا رئيساً، وبعدها سنَّ قانون الحقيقة والمصالحة؛ لرد حقوق السود بطريقة قانونية، منعاً لعمليات الانتقام ضد البيض، ومن هنا بدأ عصر جديد لجنوب إفريقيا مع كثيرٍ من الطموحات والتطلعات لشعب عانى كثيراً العنصرية, فهل تحقق له ذلك؟

سواء أكان الأبيض الأوروبي أم الأسود الإفريقي، هو مَن يحكم جنوب إفريقيا؛ فالأمر لا يجب أن يشكل فرقاً ما دامت مصالح الشعب بشتى أطيافه تحققت. ولكي نتأكد من ذلك دعونا نتفحص بعض المعدلات والأرقام التي قد تعطي لمحة عن ذلك؛ لنأخذ مثلاً معدل جرائم القتل الذي وصل عام1995  إلى 87 جريمة قتل لكل 100,000 شخص، حسب إدارة التنمية الاجتماعية في جنوب إفريقيا، وبالمقارنة كان معدل جرائم القتل في1980  أقل من 25 جريمة قتل لكل 100,000 شخص. ربما كانت الإحصاءات غير دقيقة حينها أو أنها كانت عالية بين أوساط السود المعزولين، ولم تكن تسجل رسمياً ولا تقيدها حكومة أبارتايد قبل سقوطها. لنأخذ مقارنة أخرى؛ مثل متوسط العمر المتوقع عند الولادة الذي كان قبل 1994 نحو 62 عاماً؛ ولكنه انخفض حتى وصل إلى 52 في 2005، بينما ارتفع المتوسط العالمي من66  إلى 77 لنفس الفترة. السبب المباشر هو إهمال الحكومة الذي أدى إلى ارتفاع معدل جرائم القتل، وكذلك إهمالها محاربة انتشار فيروس نقص المناعة البشرية الإيدز. معدل وفيات حديثي الولادة أيضاً معيار مهم؛ ففي1994  كان المعدل 47 وفاة لكل 1,000 حالة ولادة، وبسبب إهمال الرعاية الصحية بعد 1994 ارتفع المعدل إلى55  وفاة لكل 1,000 حالة ولادة، وهو الآن أعلى من المعدل العالمي بـ6%، بينما كان أقل منه بـ29% في 1994، وهذا يدل بشكل واضح على أن الحكومة الديمقراطية لم تستطع إدارة الكثير من الملفات في البلد.

أخبار فضائح الفساد المالي لم تنقطع عن قادة وزعماء حزب الكونجرس الوطني الإفريقي الذي فاز في 1994 وصار مانديلا رئيسًا للبلاد؛ خصوصاً الرئيس السابق جاكوب زومبا، الذي وصل إلى الرئاسة في 2009. جذور الفساد في الحزب تعود إلى زمن النضال، فحسب مايكل جوهانسون وأرنولد هايدنهايمر، اللذين رجحا السبب في كتابهما “Political Corruption: Concepts and Contexts”، بأن الحزب كان يستقبل تبرعات من جهات خارجية عديدة؛ ولكن لم تكن تخضع تلك التبرعات للشفافية ونظام محاسبي دقيق، حيث كانت تلك التبرعات عرضة لسوء الاستخدام والاختلاس، واستمر ذلك حتى وقت قريب.

ويضيف المؤلفان أن ترتيب جنوب إفريقيا في مؤشر الشفافية العالمي انخفض من7.35  في عام1985  وقت حكومة أبارتايد إلى5  في عام 1999، وقت الحكم الديمقراطي. هذا لا يعني أن نظام أبارتايد كان خالياً من حالات الفساد؛ خصوصاً في آخر أيامه، حيث شعر الكثير من المسؤولين والوزراء بالنهاية القريبة للنظام، فقرروا أن يستفيدوا من مواقعهم قدر الإمكان؛ أي أن الفساد كان محصوراً في أوساط ذات مناصب رسمية عالية، ولكن هذا السلوك استمر وزاد وانتشر في معظم الأوساط الحكومية بعد 1994. دليل آخر، في 1997 صرحت “ديليويت توتش”، وهي رابع أكبر شركة تقييم ومراجعة محاسبية ومالية في العالم، بأن حجم الفساد والاحتيال وسوء استخدام المال العام في جنوب إفريقيا قد يتجاوز 10 مليارات راند. وزير العدل في حكومة مانديلا، صرح في 1998 بأن الفساد قد زاد منذ 1994 بشكل كبير. يعود أحد الأسباب الرئيسية إلى أن النظام الديمقراطي الذي خلف أبارتايد، جلب معه سلوكاً وأعرافاً تسمح بسوء استخدام أموال التبرعات والدعم قبل الوصول إلى السلطة وسط تهاون حكومي في الحد من تلك السلوكيات، وكذلك لأن الحزب الحاكم ورث جهازاً حكومياً مركزياً بيروقراطياً متضخماً، في حين أن الإدارات المحلية للمناطق كانت بلا أية صلاحيات؛ ولهذا كان معظم حالات الفساد في الجهاز المركزي.

مهما يكن فقد تكون جنوب إفريقيا اليوم أفضل من دول إفريقية أخرى كثيراً في معدلات التنمية؛ ولكن بالرجوع إلى مقارنة معدلات التنمية بين نظام أبارتايد والنظام الديمقراطي الحالي، ربما نتوصل إلى نتيجة تقول في المجمل إن هناك معدلات كانت أفضل بكثير من الآن كما ناقشنا سابقاً، ولكن في الجهة المقابلة يجب أن نطرح تساؤلاً: هل كان نظام أبارتايد شفافاً في الإحصائيات التي تعود لفترة حكمه؛ وهو النظام العنصري الذي قسم الشعب إلى فئات لا تحظى بنفس الفرص والحقوق؟ وهل يمكننا الاعتماد على تلك الإحصاءات بشكل كلي أم أنه يجب البحث أكثر؛ لكي تكون المقارنة أكثر موضوعية؟

ربما يمكننا رسم مقارنة لكل قضية على حدة؛ مثل الفساد والاحتيال بين النظامَين السابق والحالي، أو معدلات الرعاية الصحية بدلاً من أن تكون مقارنتنا شاملة.

 

المصدر: qposts

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر