الدور المصري في تعزيز أمن الساحل الإفريقي | مركز سمت للدراسات

الدور المصري في تعزيز أمن الساحل الإفريقي

التاريخ والوقت : الأحد, 28 يونيو 2020

استضافت مصر اجتماع رؤساء أركان حرب القوات المسلحة لدول تجمع الساحل الإفريقي الخمس G5 (مالي، وتشاد، والنيجر، وبوركينافاسو، وموريتانيا) خلال الفترة من التاسع إلى الحادي عشر من فبراير 2020، بحضور ممثلي الدول الأوروبية المانحة، التي وُجّهت لها الدعوة لحضور الاجتماع في ظل اعتماد قوات مجموعة الدول الخمس على الدعم الخارجي بصورة أساسية في تمويل نشاطها.

وخلال الاجتماع، تم التباحث حول الوضع الأمني في منطقة الساحل، وسُبل تعزيز التعاون العسكري والتنسيق المستمر في القضايا محل الاهتمام المشترك. كما تم عرض الرؤية المصرية لدعم قدرات دول الساحل الإفريقي الخمس، ومناقشة مقترح تدريب كوادر من تلك الدول بمصر في مجال مُكافحة الإرهاب، وتعزيز العلاقات الأمنية والعسكرية بين الجانب المصري ودول الساحل الإفريقي الخمس، فضلًا عن مناقشة عددٍ من القضايا ذات الأولوية الكبرى للقارة الإفريقية، وفي مقدمتها: الأزمة الليبية، واستعداد مصر لاستضافة قمة خاصة للتباحث حول إنشاء قوة إفريقية موحدة لمكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل الإفريقي. كما شهد الاجتماع تأكيد الفريق “محمد فريد” (رئيس أركان حرب القوات المسلحة) على ضرورة التدريب والتأهيل المستمر لقوات دول الساحل الإفريقي الخمس لمواجهة التهديدات الأمنية العابرة للحدود، موضحًا ضرورة تشجيع المبادرات التنموية بالمناطق المهمشة في دول الساحل الخمس لدعم استقرار المنطقة، ومنع الجماعات الإرهابية من تجنيد عناصر جديدة.

ويأتي هذا الاجتماع مؤكدًا للتوجه المصري المتعلق بدعم مكافحة الإرهاب في القارة الإفريقية عمومًا، وفي إقليم الساحل الإفريقي على وجه الخصوص. فقد شهدت المشاركة المصرية في أعمال القمة الإفريقية العادية رقم 33 تأكيد الرئيس “عبدالفتاح السيسي” استعداد مصر لاستضافة قمة إفريقية تهدف لإنشاء قوة إفريقية مشتركة لمكافحة الإرهاب، داعيًا مجلس السلم والأمن الإفريقي للتشاور المستفيض حول تلك القمة والقوة المقترحة لعرض مخرجات هذا التشاور على القمة الإفريقية المقبلة.

تطورات الوضع الأمني في الساحل الإفريقي

يأتي عقد الاجتماع المشترك على مستوى رؤساء الأركان لمصر ودول الساحل الإفريقي في الوقت الذي تواجه فيه منطقة الساحل الإفريقي تطورات أمنية عديدة في عددٍ من الاتجاهات، تمثلت فيما يلي:

1- تمدد النشاط الإرهابي جنوبًا في عمق بوركينافاسو: فمنذ أشهر تشهد دولة بوركينافاسو تصاعدًا في أعمال العنف في مناطقها الوسطى والشمالية والشرقية على الحدود مع دولتي مالي والنيجر، ويتدهور الوضع بها بشكل أسرع من أي مكان آخر في الساحل، حيث تتعرض بوركينافاسو لهجمات إرهابية متكررة، خاصة مع تحرك المقاتلين التابعين لمختلف الجماعات المسلحة من دولة مالي المجاورة.

2- تأجيج الجماعات الإرهابية للصراعات المحلية: وذلك في ظل تنامي نشاط عدد كبير من الجماعات الإرهابية، كتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وحركة التوحيد والجهاد، وجماعة أنصار الدين، وجماعة بوكو حرام، وتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى. وتستغل كل هذه الجماعات النزاعات المحلية في الساحل الإفريقي من خلال التجنيد وتعزيز قدراتها بسهولة، وتفاقم الصراعات القديمة بين المكونات المحلية باختراقها المجتمعات وإحداث خلل في توازن القوى بين مختلف الجماعات، حيث تستغل هذه الجماعات الانقسامات الموجودة داخل المجتمعات المحلية.

3- تمدد دوائر الصراع: حيث تسود حالة من التخوف بشأن انتقال الصراع من ليبيا إلى البلدان المجاورة، وتحديدًا منطقة الساحل الإفريقي ونطاق بحيرة تشاد، حيث دخل المقاتلون الإقليميون في النزاع عبر الحدود الجنوبية لليبيا مع تشاد. علاوة على ذلك، اتسعت شبكات تهريب البشر والأسلحة والبضائع والسلع، واستخدمت التنظيمات المسلحة في إقليم الساحل هذا النشاط كمصدر للتمويل. كما استغلت الحركات المسلحة الصراع الدائر في ليبيا لتحول مناطقها الجنوبية إلى ملاذ آمن لتجميع القوات والانطلاق لدول الساحل.

جهود مصر في دعم دول الساحل الخمس في مكافحة الإرهاب

تُجري مصر تنسيقًا أمنيًّا مع دول الساحل الخمس من خلال تقديم المساعدات الإنسانية واللوجستية، وإجراء الاجتماعات الدورية والتدريبات المشتركة، وتقديم منح دراسية لطلاب دول الساحل الإفريقي بالكليات العسكرية، إضافةً إلى مساعدة تلك الدول في مجابهة خطر الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، والمساهمة في بناء القدرات الأمنية والدفاعية. ووفقًا لما سبق؛ تعمل مصر على دعم قدرات دول الساحل الإفريقي بطرق عدة:

1- دعم بناء قدرات قوات مكافحة الإرهاب في الساحل: فمن بين أولويات السياسة المصرية في منطقة الساحل يأتي دعم الجيوش الوطنية نظرًا لضعف قدرة هذه الدول على التغلب على الجماعات الإرهابية، وذلك من خلال نقل الخبرة المصرية في المجال العسكري والأمني، والعمل على تعزيز تنفيذ مبادرة “إسكات البنادق”. وخلال مشاركته في أعمال المؤتمر رفيع المستوى لدول الساحل الذي عقد في بروكسل في فبراير عام 2018، أعلن وزير الخارجية المصري “سامح شكري” تعهد مصر بدعم القوة الإقليمية المشتركة لمنطقة الساحل G5 من خلال توفير 250 دورة تدريبية لعناصر هذه القوات، وتقديم 110 مركبات مدرعة لدعم بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي.

2- تقديم المنح والدورات التدريبية: حيث تنظم مصر العديد من الدورات التدريبية والتأهيلية داخل المنشآت والمعاهد التعليمية بالقوات المسلحة المصرية للدول الإفريقية من خلال توفير الإمكانات لإعداد وتأهيل الدارسين الوافدين، ونقل وتبادل الخبرات في التخصصات المختلفة بما يعزز من آفاق العلاقات العسكرية مع الدول الإفريقية. ويتم التدريب على الموضوعات التخصصية نظريًّا وعمليًّا داخل المنشآت التعليمية بالقوات المسلحة. وعلاوة على ذلك، يتم تقديم الدعم الفني لهذه الدول لبناء قدراتها في المجالات المُتعلقة بمُكافحة الإرهاب. كما يلعب مركز القاهرة لتسوية النزاعات وحفظ السلام في إفريقيا دورًا مهمًّا في توفير التأهيل المعرفي اللازم لقطاعات عديدة مشاركة في عمليات تسوية النزاعات القائمة في الساحل الإفريقي، ودعم جهود حفظ السلام.

3- المركز الإقليمي لمُكافحة الإرهاب لتجمع الساحل والصحراء: قامت مصر في يونيو 2018 بافتتاح مركز قيادة عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء بغرض صياغة استراتيجيات مكافحة الإرهاب. كما استضافت مصر عددًا من التدريبات لقوات هذا التجمع، والذي استضاف فاعليات متعددة لتنسيق الجهود وتعزيز قدرات الجيوش الإفريقية على مواجهة تحدي الإرهاب.

4- دور الأزهر الشريف: يلعب الأزهر دورًا كبيرًا من خلال البرنامج التثقيفي والتوعوي الذي يقدمه مرصد الأزهر لمكافحة التطرف للطلاب الوافدين من القارة الإفريقية، وإقامة العديد من الندوات، ومنها دور الأزهر الشريف في دعم ثقافة السلام ومُكافحة التطرف في إفريقيا، فضلًا عن إعداد دراسات متعمقة في هذا المجال من بينها دراسة “صناعة التطرف في إفريقيا”، والتي عالجت دور العوامل الاجتماعية كعامل مساهم في دفع الشباب للانضمام إلى الجماعات الإرهابية، والقيام بالأعمال المتطرفة في دول الساحل الإفريقي.ختامًا، تعمل مصر جاهدةً على تعزيز التعاون بين قوات دول الساحل الإفريقي، والسعي لتوحيد الرؤية الإفريقية المشتركة ضد التطرف والإرهاب، وضرورة تفعيل مبدأ “الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية”، وهو المسار الوحيد الذي يمكن من خلاله التصدي بصورة فعالة لتحدي الإرهاب في إقليم الساحل الإفريقي.

 

المصدر: المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر