سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بيتون جوزين
إن السبب الرئيس وراء امتلاك الاشتراكيين قوة البقاء التي استعصت، لحسن الحظ، على النازيين، هو الحجة القائلة بأن هذه الأنظمة الاشتراكية المزعومة ذاتيًا “لم تكن اشتراكية حقيقية”. ذلك أن أحد المثقفين المؤثرين المسؤولين عن تعميم هذه الحجة هو الفيلسوف “نعوم تشومسكي”، الذي افترض أن الأنظمة الاشتراكية، وعلى وجه التحديد الاتحاد السوفييتي، تظاهرت فقط بأنها اشتراكية لتقدم لنفسها أسبابًا “مشروعة” لممارسة الاستبداد ضد شعبها. وانتشرت الحجة منذ ذلك الحين كالنار في الهشيم من خلال الاشتراكيين عبر مرشحي الرئاسة، مثل “بيرني ساندرز” الذي قال إن وصف الأنظمة الاشتراكية السابقة بأنها “ليست اشتراكية حقيقية” يسمح للاشتراكيين بتجنب الحجة التي طرحها المعادون للمجتمع على مر التاريخ، أو هكذا يعتقدون. إن مشكلة وصف هذه الأنظمة على أنها ليست اشتراكية، ليست جهلاً لتاريخها فقط، بل لأنها لا تسمح للاشتراكيين بالهروب من مشكلة الحساب الاقتصادي والانحدار النهائي إلى واقع أنظمة استبدادية.
لهذا، وفي المقام الأول، حتى يمكن تحديد ما إذا كانت الأنظمة “الاشتراكية” في الماضي كانت اشتراكية حقيقية، يجب علينا أولاً وضع تعريف للاشتراكية. هنا يعطينا قاموس “ميريام وبستر” ثلاثة تعريفات مختلفة للعمل من خلالها؛ إذ يقول أول هذه التعريفات إنها “أي من النظريات الاقتصادية والسياسية المختلفة التي تدعو إلى الملكية الجماعية أو الحكومية وإدارة وسائل إنتاج وتوزيع السلع.” بينما يقول الثاني إنها “نظام مجتمع أو مجموعة تعيش لا يوجد فيها ملكية خاصة”، أو “نظام أو حالة مجتمع تمتلك فيه الدولة وسائل الإنتاج وتسيطر عليها”. وأخيرًا، يقول الثالث إنها “مرحلة المجتمع في النظرية الماركسية التي تعني التحول بين الرأسمالية والشيوعية وتتميز بالتوزيع غير المتكافئ للسلع والأجور وفقًا للعمل المنجز”. إن جميع التعريفات الثلاثة تختلف فيما بينها في التعريف الأول، مع إضافة تفاصيل المنشأ والسياسة والجهات الفاعلة. ومن بين هذه التعريفات نجد أن الدولة والحكومة والجماعية كعنصر فاعل يتحكم في وسائل الإنتاج والملكية. هنا يمكن الإشارة إلى أن 17٪ من سكان أميركا يعترفون بهذا التعريف للاشتراكية، مقارنة بـ34٪ في عام 1949. كما أن 23٪ من الأميركيين اليوم يعرّفون الاشتراكية كشكل من أشكال المساواة، بينما 23٪ آخرون لا يملكون أي رأي. وأخيرًا، يعرّفها 10% على أنها خدمات مثل شبكات الأمان الاجتماعي مثل الضمان الاجتماعي أو الرعاية الطبية. بينما الآخرون لديهم آراء غامضة وغير محددة، أو آراء سلبية عن الاشتراكية.
إن ما يمكن أن نخلص إليه من هذا هو أن الأميركيين يجهلون إلى حد بعيد التعريف الفعلية للاشتراكية. ومن المحتمل أن يشمل هذا العديد من مؤيديه. ورغم جهل مؤيدي الاشتراكية المعاصرين، فإن مؤسسيها الروحيين، مثل “ماركس”، اعترفوا بهذا التعريف وتبنوه. ومع ذلك، فقد حددوها على أنها استجابة للرأسمالية التي يجب أن تكون لها خصائص ديمقراطية. إنهم ينظرون إلى “العمال”، أو الجماعات، على أنهم هم الذين يجب أن يسيطروا على وسائل الإنتاج لأي نظام حتى تتحقق الاشتراكية الحقيقية. ورغم أن بعض الاشتراكيين يحاولون تعريفها بشكل أكثر تحديدًا وفصلها عن الدولة، فإنه لا يمكن تجاهل حقيقة أن الدولة هي مظهر من مظاهر الوعي الجماعي للمجتمع. وهو ما يصدق بشكلٍ خاصٍ في الديمقراطيات، بموجب نظريات العقد الاجتماعي التي يشترك فيها الاشتراكيون ويستخدمونها كأساس “للالتزامات” التي تقع على عاتق الدولة تجاه المجتمع. ويجب أن يكون هذا المنطق الواضح وحده كافيًا لتحديد أنظمة مثل اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، حيث سيطرت الدولة على وسائل الإنتاج كالاشتراكية. لكن هناك المزيد من الأدلة على هذه الحقيقة لاستكشافها.
وعندما يتم دعمهم في زاوية، سيبدأ الاشتراكيون في الجدال حول حقائق النظام السوفييتي. وسيحددون النظام على أنه “رأسمالية الدولة” بدلاً من اشتراكيتها. ويبدو أنه بالنسبة للاشتراكيين، فإن مجرد وجود المؤسسات يحدد النظام على أنه رأسمالي. إذ تعادل المؤسسة بطريقة أو بأخرى الملكية الخاصة لرأس المال والممتلكات. لكن مع التعريفات الراسخة للاشتراكية، فإن الملاحظة الأساسية للنظام السوفييتي تكفي لرفض هذا التأكيد. ومن خلال قبول أنصار الاتحاد السوفييتي ونقاده الغربيين في ثلاثينيات القرن الماضي، كان قوة لا يستهان بها على الرغم من الإصلاحات الهائلة للصناعات التي تسيطر عليها الدولة. وقد وصف الكاتب الأميركي “جوزيف فريمان” ذلك على النحو التالي: “لأول مرة رأيت أعظم الأحلام البشرية تأخذ شكل الواقع. فقد كان الرجال والنساء والأطفال يوحدون جهودهم في تيار ضخم من الطاقة موجه نحو خلق ما هو صحي وجيد للجميع”. حتى الاقتصادي الإنجليزي “سيدني ويب” أثنى عليها، مشيرًا إليها باعتبارها “العمل من خلال أوسع مشاركة ممكنة لجميع السكان البالغين في الأعمال العامة، التي تتضمن السيطرة المخططة على البيئة الاجتماعية كلها. وتنبع السلطة بالفعل من الناس، كما أصر لينين”. إن كل هذه الاقتباسات تمثل كلمات لمؤيدي اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية و”ستالين”، كتبوها أثناء أو بعد المجاعات المذكورة سابقًا. وهو ما يُظهِر تناقضًا في حجج الاشتراكيين بمرور الوقت. ولم يظهر الموقف الحاد تجاه الاتحاد السوفييتي حتى الخمسينيات، بعد وفاة “ستالين”، عندما بدأ المثقفون الاشتراكيون في التهدئة بشأن الأسئلة المتعلقة بالاتحاد السوفييتي، حولوا تركيزهم على فرض إشادة مماثلة للأنظمة الاشتراكية الأخرى في القرن العشرين. وبالتالي، فإذا كان الادعاء بأن الاتحاد السوفييتي لم يكن اشتراكيًا أصلاً في البداية، هو أمر صحيح. لكن السؤال هو: لماذا هو أمر صحيح؟ إذ لم تتطور الحجة حتى عودة شعبية الاشتراكية. لماذا لا يزال الاشتراكيون في ذلك الوقت يدافعون عن أنظمتهم خلال بعض أسوأ كوارث القرن؟
فحتى إذا كنت قادرًا على شرح التغيير في الموقف كما حدث بعد إعادة النظر بعد سنوات عديدة والمواقف المتطورة، فإن البيانات الاقتصادية لا تصمد بشكل أفضل بالنسبة للاشتراكيين. إن التحليل المتعمق للنظام السوفييتي يظهر أن معظم الثروة الشخصية، إن لم يكن كلها، تمت مصادرتها وإعادة توزيعها من قبل الدولة. إذ تسيطر الدولة بالكامل على أنظمة تحديد الأسعار ووسائل الإنتاج. وهذا يعني، كما أوضح النقاد والمؤيدون على حد سواء، أن الاتحاد السوفييتي لا يقع فقط في فخ حساب الاقتصادي الشهير “لودفيج فون ميزس”، في كتابه (الاشتراكية)، ولكن من خلال التعريف باشتراكية الدولة. ويسمح لنا هذا بتصنيف الاتحاد السوفييتي بشكل جيد، مثل جميع الدول الاشتراكية الأخرى في القرن العشرين، على أنه اشتراكي بالتأكيد. والأمثلة الحديثة للأنظمة الاشتراكية ترتبط أيضًا بمشاكل هذه الأنظمة السابقة. ففنزويلا، التي امتدحت ذات مرة من قبل أكثر الاشتراكيين شهرة في أميركا وهو “بيرني ساندرز”، تتصدى لمشكلة الحساب الاقتصادي. وبسبب تأميمها واحتكار الدولة لكافة الصناعات منذ انتخاب “هوغو تشافيز” ولاحقًا “نيكولاس مادورو”، تواجه البلاد الوضع الدقيق الذي يصفه “ميزس” نتيجة عدم وجود حساب اقتصادي. فقبل أن يتولى “تشافيز” السلطة بالوسائل الديمقراطية، كانت فنزويلا تحتل المرتبة الأولى في قائمة أغنى خمس دول في أميركا الجنوبية كلها، حتى إنها احتلت الصدارة في معظم الثمانينيات. بعد ذلك، وبعد إصلاحات “تشافيز” ولاحقًا “مادورو”، انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بشكلٍ كبيرٍ وأصبحت فنزويلا واحدة من أفقر الدول في أميركا الجنوبية. وقد شهدت عملية انتقالية بالمقارنة مع تشيلي، في نفس الفترة من إحدى أفقر الدول إلى واحدة من أغنى الدول بأميركا الجنوبية من خلال تنفيذ سياسات ذات طبيعة معاكسة تمامًا لسياسات السوق الحرة مثل إلغاء القيود وإصلاح الضرائب.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مؤسسة مايزس للأبحاث
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر