التحديات الاقتصادية لإفريقيا في حربها ضد “كوفيد – 19” | مركز سمت للدراسات

التحديات الاقتصادية لإفريقيا في حربها ضد “كوفيد – 19”

التاريخ والوقت : الإثنين, 15 يونيو 2020

كريشنا ناج

 

يوجد في إفريقيا الآن أكثر من 100 ألف حالة مؤكدة من الإصابة بفيروس “كوفيد – 19”. وفي حين أن معدل الوفيات يبدو أقل مما هو عليه في الولايات المتحدة وأوروبا، فإن منظمة الصحة العالمية(WHO) تحذِّر من أن القارة قد تواجه ما يصل إلى 190 ألف حالة وفاة في السنة الأولى ما لم تنجح تدابير الاحتواء في التعامل مع هذه الجائحة. لكن مع اجتياح هذا الوباء للدول الأوروبية مسبقًا، يتعين على إفريقيا الاعتماد على الدول الأخرى للمساعدة في هذه الأزمة.

فعلى المدى القصير، تحتاج دول وسط وجنوب إفريقيا بشكل عاجل إلى معدات الحماية الشخصية، وكذلك المواد الكيميائية المستخدمة في الاختبار، وكلاهما يعاني نقصًا في المعروض على المستوى الدولي.

وقد تدخلت الصين وأرسلت معدات وفرقًا طبية إلى إفريقيا في محاولة لإصلاح صورتها الدولية بعد أن فشلت في البداية في أن تكون شفافة بشأن مدى انتشار المرض وتأثيره.وبحسب وزير الخارجية “وانغ يي”، فقد عقدت الفرق الطبية الصينية المتمركزة في 45 دولة إفريقية حوالي 400 دورة تدريبية لعشرات الآلاف من العاملين الطبيين الأفارقة. في بلدان مثل إثيوبيا وبوركينا فاسو، يساعد الأطباء الصينيون بالعمل كمستشارين طبيين.

كما أرسل الملياردير الصيني “جاك ما” ومؤسسته إمدادات طبية إلى 54 دولة في إفريقيا، بما في ذلك رواندا والكاميرون. وفي نهاية مارس، تلقت كل دولة في القارة 1000 بدلة واقية، و20 ألف مجموعة اختبار، و100 ألف قناع.

وهناك حاجة ماسة لجهود الإغاثة الصينية. وقال “ستيفن تشان”، أستاذ السياسة والعلاقات الدولية في مدرسة لندن للدراسات الشرقية والإفريقية، إنهم يقدمون الأقنعة وأجهزة التهوية ومعدات الاختبار، التي تفتقر إليها إفريقيا كلها. لكن كان هناك استقبال متباين للمساعدات الصينية. عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل “تويتر”، أعرب الأفارقة عن قلقهم بشأن جودة المنتجات الطبية الصينية. كما أثار الأطباء الصينيون الذين تمَّ إرسالهم إلى نيجيريا رد فعل عنيفًا جدًا.

كما أن مزاعم العنصرية ضد الزوار الأفارقة في المدن الصينية لم تختفِ أيضًا. وقد خضع الأفارقة الذين يعيشون في “قوانغتشو” لاختبار إلزامي لفيروسات التاجية والحجر الإلزامي لمدة 14 يومًا. وفي الصين، غالبًا ما يُنظر إلى الأجانب على أنهم حاملون محتملون للفيروس التاجي، وقد مُنع الأفارقة من الوصول إلى محلات السوبر ماركت، أو حتى تمَّ إنهاء عقود الإيجار. وقد شرعت السلطات المحلية في “قوانغتشو” في حملات لمكافحة العنصرية لمعالجة هذه القضية.ونتيجة لهذا الرأي العام الغاضب في وسائل الإعلام الإفريقية، تضررت صورة الصين في القارة.

وقال “كوبوس فان ستادن” من معهد جنوب إفريقيا للشؤون الدولية في جوهانسبرج، إنه “كانت هناك ردود فعل غاضبة عديدة بعد الأعمال العدائية ضد الأفارقة في “قوانغتشو”، حيث نشهد الآن ضغوطًا من المجتمع المدني الإفريقي الذي يطالب الحكومات بتقديم إجابات على أسئلتهم. وأشار “فان ستادن” إلى أنه رغم ذلك، فليس لدى الحكومات الإفريقية الكثير من الخيارات. فمع تفاقم الأثر الاقتصادي وتراجع قوة الغرب، يجبر الوباء القارة على طلب مساعدات صينية أكثر من أي وقت مضى.

وبشكل عام، سارعت البلدان الإفريقية إلى فرض عمليات الإغلاق والتباعد الاجتماعي، وهو ما أثر بدوره على اقتصاداتها. ومع ذلك، فقد ساعدت هذه الإجراءات، إلى جانب تتبع الاتصال والعزل، في إبطاء انتشار الفيروس حتى الآن.لكن إفريقيا تضررت بشدة من التداعيات الاقتصادية الأوسع نطاقًا الناجمة عن الاضطرابات التجارية العالمية وهبوط أسعار النفط والسلع.

وفي العادة يكون هذا هو المكان الذي تأتي فيه البلدان المتقدمة الغنية لمساعدة إفريقيا. لكن الولايات المتحدة وأوروبا تفشلان في إفريقيا، مع تقديم تعهدات بالدعم المالي وتخفيف عبء الديون عن تلبية احتياجات القارة. ووفقًا لرؤساء كينيا وساحل العاج وسيراليون والسنغال والنيجر، فإن الاقتصادات المتقدمة وجَّهَت تريليونات الدولارات إلى المبادرات الصحية والمحفزات الاقتصادية في الداخل، لكن لم يتم إرسال سوى القليل جدًا لمساعدة البلدان النامية.وخلال مائدة مستديرة افتراضية نظمها معهد “فكر منتدى نيويورك”، قال الرئيس السنغالي “ماكي سال”: “لسنا في وضع يسمح لنا بحماية الشركات والحفاظ على الوظائف”، مضيفًا “أن هناك ظلمًا تمَّ الكشف عنه مرة أخرى خلال أزمة كوفيد – 19”.

إن إفريقيا بحاجة إلى كل المساعدة التي يمكنها الحصول عليها في هذا الوقت الحاسم. إذ يمكن لدول في أوروبا الشرقية مثل بيلاروسيا، التي تربطها العديد من الدول الإفريقية علاقات متنامية، أن تكون مصدرًا للاستثمار والتكنولوجيا لدفع اقتصاداتها إلى التقدم مرة أخرى.

ومنذ عام 2017، وقَّعت الدول الإفريقية عدة اتفاقيات مع الشركات البيلاروسية، المهتمة بخبرتها في الزراعة، وآلات التعدين، وبناء الطرق، وكذلك نقل الركاب والشحن.

وفي الفترة من يناير إلى يوليو 2019، ارتفعت المبادلات الصناعية بين بيلاروسيا وإفريقيا 1.4 مرة مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2018. وتمَّ شحن دفعات تجريبية من المنتجات إلى دول إفريقية لم تصدرها بيلاروسيا في العام السابق، بما في ذلك بنين وتوغو وأوغندا.

وتتمتع الشركات البيلاروسية بميزة مهمة، إذ توفر للمشترين الأجانب تمويل المشاريع بشروط مواتية من بنك التنمية في بيلاروسيا، وبنك الاستيراد والتصدير الإفريقي(Afreximbank)، وبنك التجارة والتنمية في شرق وجنوب إفريقيا.(TDB) وسيكون هذا مفيدًا خلال الأزمة الحالية حيث تراجع التمويل العادي بشكل كبير.

وتعمل بيلاروسيا في الوقت الحالي على بناء علاقة طويلة الأمد مع شركائها الأفارقة خارج نطاق التجارة والأعمال التجارية. ففي أبريل 2019، قدَّمت البلاد مساعدات إنسانية إلى زيمبابوي وموزمبيق بعد الدمار الذي سببه إعصار “إيداي”، بجانب إمدادات لدعم الناجين من الكارثة الطبيعية.

إن البلدان الإفريقية وروسيا البيضاء لديها الكثير لتقدمه لبعضها البعض، كما يقول “ألكسندر زينغمان”، القنصل الفخري لزمبابوي لدى بيلاروسيا. وفي الوقت الذي تغلق فيه بقية العالم أبوابها، تقف بيلاروسيا إلى جانب شركائها الأفارقة وهي مستعدة للمساعدة في إعادة بناء اقتصاداتها. وأشار إلى أن الدعم والتعاون أكثر قيمة في الأوقات الصعبة.

أخيرًا، فإن المهم خلال الأزمة العالمية الراهنة هو الإرادة السياسية للمساعدة. فبينما يكافح الاتحاد الأوروبي لإعادة نفسه إلى المسار الصحيح، وتتخذ أميركا موقفًا انعزاليًا، فإن الأمر متروك لبقية العالم، بما في ذلك دول مثل الصين وبيلاروسيا، لمساعدة إفريقيا على الوقوف على قدميها.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: جيوبوليتيكال مونيتور

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر