أمل إفريقيا خلال جائحة “كوفيد – 19” | مركز سمت للدراسات

أمل إفريقيا خلال جائحة “كوفيد – 19”

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 2 يونيو 2020

إريك إيكوبور- أكاه موتشيا

 

رغم آثار جائحة “كوفيد – 19” السلبية على الاقتصاد، فإنها تتضمن إلهامًا للاعتماد على الذات والابتكار في قارة إفريقيا، لا سيَّما فيما يخص إنتاج الغذاء.فقد وقعت أقوى الدول ضحية لـ”كوفيد – 19″، بينما يتنبأ الكثير بمشاكل للدول الأقل نموًا. ومع ذلك، قد تفاجئ إفريقيا العالم في إدارة هذا الوباء عندما لا يستطيع المجتمع الدولي أن يقدم لها المساعدة.

وكما تقول “ميليندا غيتس”، الناشطة في مجال العمل الخيري، فإن هناك تحديات وأمورًا مجهولة فيما يخص التنافس من أجل تطوير لقاحات لهذا المرض، إذ تشير إلى صعوبة الحصول على المياه لغسل اليدين، وعدم القدرة على ممارسة التباعد الاجتماعي في المدن الكثيفة السكان والأحياء الفقيرة، وصعوبات الإغلاق المفروض، وحاجة الناس للعمل وجمع الطعام بشكل يومي. وقد تمَّ الإعلان عن أكثر من 100 ألف حالة إصابة، مع وجود أكثر من 3 آلاف حالة وفاة. ومن بين 54 دولة، أبلغت 12 دولة عن أكثر من ألفي حالة، بما في ذلك جنوب إفريقيا ومصر والجزائر. وتشير “غيتس” إلى أن أعداد الحالات المنخفضة ترتبط بانخفاض معدلات الاختبار. ويتساءل الباحثون عما إذا كان المرض أقل نشاطًا في الأماكن ذات درجات الحرارة الأكثر دفئًا. وفي إفريقيا، سجلت بعض الدول الأكثر تضررًا درجات حرارة منخفضة نسبيًا. ويعدُّ معدل وفيات بسبب “كوفيد – 19” أعلى بين كبار السن، في حين أن السائد بين الأفارقة يتركز على من هم دون العشرين عاما.

ومع ذلك، قد تكون إفريقيا على درجة أعلى من المرونة حيث تكشف حالة غانا عن توجهات تفيد بأن إفريقيا لا يمكنها أن تعتني بنفسها خلال هذه الأوقات العصيبة. فقد سجلت غانا أكثر من ستة آلاف وأربعمئة حالة، وحوالي 30 حالة وفاة، و200 ألف اختبار تمَّ إجراؤها حتى الآن. وتستخدم العيادات الريفية الطائرات بدون طيار، وتحمل عينات إلى مراكز الاختبار الحضرية، مما يقلل وقت التسليم إلى حوالي 30 دقيقة بدلاً من الساعات المطلوبة بالسيارة. فأسطول “زيب لاين” Ziplineفي غانا لديه القدرة على نقل 15 ألف اختبار من 300 رحلة طيران في اليوم. وتكشف تقارير صحيفة “التايم”، أن تكنولوجيا الطائرات بدون طيار تسهم في تسريع التعرف على المصابين وتتبع الاتصال، وتساعد أيضًا في توصيل الإمدادات الطبية.

كما أغلقت غانا حدودها الدولية حتى منتصف مارس. ووضع مطار “كوتوكا” الدولي المواطنين العائدين والمقيمين تحت حجر صحي صارم لمدة أسبوعين للمراقبة والاختبار. كما فرضت المدينتان الرئيسيتان في البلاد إغلاقًا جزئيًا لمدة ثلاثة أسابيع لضمان تتبع واختبار الاتصال المكثف؛ وهو ما قوبل بإشادة منظمة الصحة العالمية.

لقد اتخذت دول إفريقية أخرى خطوات مماثلة، وفرضت عمليات إغلاق كاملة أو جزئية، بالإضافة إلى تتبع الاتصال والمخالطة. وتشير التقارير إلى أن عمليات الإغلاق أدت إلى زيادة التفاعلات الاجتماعية بين أفراد الأسرة وتحسين الحياة اليومية. وقد اتبعت بعض البلدان الإفريقية البلدان المتقدمة في إغلاق حدودها إلى أجل غير مسمى. إذ زادت من الاختبارات، وقامت بفرض التباعد الاجتماعي.

كما عززت التعاون مع رواندا، على سبيل المثال، وتمَّ الإعلان عن توفير الإمدادات الطبية وأجهزة التهوية، وكان بعضها وافدًا من الصين، إذ يحتاج الكثير من الدول لمثل هذه المعدات المهمة. كما أبلغت جنوب إفريقيا ورواندا والسنغال وغانا عن إمدادات كافية من مجموعات الاختبار، ومرة أخرى قدمتها الصين والمراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها.

ويمكن أن يكون “كوفيد – 19” أكثر ضررًا بالنسبة للاقتصاد الإفريقي، بسبب تعرقل التدفقات التجارية والمالية، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض النمو العالمي بنسبة 3% على الأقل هذا العام. وبالنسبة لإفريقيا جنوب الصحراء، يتوقع البنك الدولي نموًا اقتصاديًا يتراوح بين -2.1 و -5.1% في عام 2020، اعتمادًا على نجاح تدابير التخفيف من الجائحة. وتعتمد الاقتصادات بشكل كبير على صادرات السلع ذات الانخفاضات الحادة في الأسعار، مثل النفط، بما في ذلك نيجيريا وأنغولا، والتي يمكن أن تكون هي الأكثر معاناة. وبالمثل، البلدان التي تعتمد على السياحة، بما في ذلك مصر والمغرب وجنوب إفريقيا، حيث يتوقع انخفاض الإيرادات.

ويمكن أن يزيد “كوفيد – 19” من ضعف الدين العام. فقد تدهورت نسبة إجمالي الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى منذ عام 2012 من 37% إلى 59%، ويمكن أن يكون هناك مزيد من التدهور مع انخفاض مستويات الإنتاج المحلي والأنشطة الاقتصادية. هذا إلى جانب العجز المالي المتزايد من خلال الإنفاق الضخم لاحتواء المرض وتعويض الخسائر التي قد تجعل مدفوعات الديون في وضع صعب.

وتقدم الحكومات الإفريقية حزم تحفيز، إذ تقدم جنوب إفريقيا وغانا وغيرها مجموعة من القروض الميسرة، والتأجيلات الضريبية، والمساعدة الضريبية والإعفاءات للشركات للاحتفاظ بالموظفين ذوي الدخل المنخفض. كما عرضت غانا دعم العملاء من القطاعين الخاص والتجاري لدفع فواتير الخدمات. وتقوم كينيا وغانا وغيرهما بتوفير المواد الغذائية للسكان المعرضين للخطر. وفي غانا على سبيل المثال، انضمت العديد من الشركات والمؤسسات في تصنيع مطهرات اليد والأدوية المحلية التي تعزز جهاز المناعة، ومعدات الوقاية الشخصية. وتعتمد الأقنعة المصنوعة في غانا على المنسوجات المحلية الملونة، وتزيد الطلب وتحافظ على الوظائف في صناعة النسيج.

تتخذ الدول الإفريقية إجراءات، وتساعد مواطنيها قبل تقديم المساعدة إلى بقية العالم. وقد أعلنت العديد من البلدان بالفعل عن خطط لتقييد صادرات المنتجات الطبية والأغذية الأساسية. فعلى سبيل المثال، فرضت روسيا وكازاخستان حصصًا على صادرات القمح والسكر وبذور دوار الشمس وبعض الخضار الغذائية مثل البطاطس. وبالمثل، خفضت فيتنام والهند وكمبوديا صادرات الأرز، أو حظرتها لضمان الأمن الغذائي المحلي. وكان الأرز والقمح ثالث أكبر الواردات لغانا ونيجيريا في عام 2018. وتعدُّ إفريقيا جنوب الصحراء هي أكبر منطقة في العالم لواردات الأرز، وفقًا للبنك الدولي.

ويتوقع بنك التنمية الإفريقي أن فاتورة استيراد الغذاء السنوية للقارة البالغة 35 مليار دولار سترتفع إلى 110 مليارات دولار بحلول عام 2025، وهو ما قد يضعف الاقتصادات الإفريقية، وتحديدًا وظائف الزراعة والتصدير. ويمكن أن يتسبب “كوفيد – 19” في تفاقم الأمور، ولكن يمكن لإفريقيا السيطرة على المسار. إذ يمكن للأزمة أن تعوض الأذواق والتفضيلات المتغيرة للأطعمة الأجنبية وتحد من تفضيل الحبوب المستوردة مثل القمح والأرز، فتقوم إفريقيا بدلاً من ذلك بتطوير وتسويق المحاصيل المحلية. فمعظم الأطعمة المنتجة محليًا، بما في ذلك البطاطا، والموز، والكسافا، والطماطم، والبرتقال، والبطيخ، وغيرها تُترك حتى تصاب بالتعفن مع القليل من الحفظ أو المعالجة ذات القيمة المضافة.

فإذا غير الأفارقة مسارهم في هذا المجال، فربَّما يكون هناك عرض واضح لمعظم الأطعمة البديلة عن الاستيراد والطلب على العرض لمعالجة القيمة المضافة، مما يؤدي إلى زيادة مستويات إنتاج المحاصيل إلى مستويات مستدامة، وتقليل الاعتماد على الواردات مع زيادة الأمن الغذائي. لذلك ينبغي أن يكون هناك عقلية مستقلة جديدة وإرادة لزيادة القدرات الإنتاجية من جميع عوامل الإنتاج، وخاصة العمالة.ويمكن للمحاصيل مثل الذرة والأرز، التي تشكل نسبة كبيرة من الطعام الذي يأكله ويزرعه الأفارقة، أن تساعد في الأمن الغذائي والاستدامة، حيث جرب المزارعون على مر السنين البذور كثيفة الإنتاج ومقاومة الجفاف والآفات والأمراض.

لذلك يجب أن تركز الدول حاليًا على المؤسسات المالية وشركات تصنيع المواد الغذائية الأصغر ذات القيمة، إذ إن العديد منها تبدو منهارة في جميع أنحاء القارة. وهو ما يعود لأسباب عديدة مثل انخفاض الطلب من المذاق غير المرن للمنتجات الأجنبية، والمنافسة القوية من العلامات التجارية الأجنبية، وأهم من ذلك الافتقار إلى الأجندات الوطنية. وفي كثير من الأحيان، تهمل الأحزاب السياسية، عندما تصل إلى السلطة، المشاريع التي يقوم بها خصومها للمساعدة في حفظ وتخزين المواد الغذائية الزائدة المنتجة في إفريقيا. ومن شأن هذا الإنتاج المحلي أن يؤدي إلى وظائف التصنيع والدخل المستدام، مما يشجع الطلب على المنتجات المحلية.

إن إفريقيا، مع التفكير الذاتي والتقدير، يمكن أن ترتفع فوق المساعدة وتصبح معتمدة على ذاتها بعد “كوفيد – 19”. وقبل بضعة أشهر فقط، كان العالم يعتقد أن الفيروس الذي ظهر في الصين يمثل تحديًا بعيدًا. ومنذ ذلك الحين، تفشت هذه الجائحة في كل أنحاء العالم تقريبًا. والآن، فإن كل دولة لديها الفرصة لتولي مصيرها، والتعامل مع المشكلة كما تراه مناسبًا. وإذا كان المجتمع الدولي يميل إلى المساعدة في تغيير حظوظ الأفارقة في الوقت المناسب، فإن ذلك يجب أن يتم من خلال تخفيف عبء الديون. ومع ذلك، فإن أزمة الأمن الغذائي التي يقبل عليها العالم، تحتم على الأفارقة وغيرهم أن يرتقوا ويتحملوا المسؤولية بأنفسهم.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: جلوبال ييل أونلاين

 

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر