سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سامي مبيض
يشهد العالمُ بيانات تضامن غير مسبوقة ضد فيروس كورونا المستجد أو ما يُعرف باسم كوفيد-19، الذي أصبح وباء عالميًا، عبر الحدود وأصاب كلا الجانبين من القوى العالمية المتنافسة من زمن بعيد. في كثيرٍ من الحالات تجاوز التضامن مجرد الدعم الشفهي، بل امتد ليكون تضامنًا فعليًّا. لكن لا يمكن إغفال أنه في البداية ظهرت نوبات جديدة من الكراهية، العرقية والقومية، ضد الشعب الصيني كون أن الفيروس بدأ في الصين، وظلتِ المصلحةُ الذاتية الضيقة تتسيد اعتبارات كثير من الدول، رغم خطابها العام المتضامن. ولم يُظهر سوى عدد قليل من الدول الروح التعاونية اللازمة للانتصار على الفيروس، مع استثناءاتٍ قليلة قدَّمت مثالًا مهما على الكيفية التي يمكن بها للمجتمع الدولي أن يتكاتف لمعالجة هذه الأزمة والخروج بالبشرية إلى بر الأمان.
النموذج الصيني
في منتصف مارس 2020، هبط طاقم طبي صيني في إيطاليا، ليمد يدَ العون للدولة الأوروبية التي يفتك بها الوباء. وأرسلتِ الصين لإيطاليا أقنعة الوجه، والسترات الواقية، وأجهزة التنفس الصناعي، ومستلزمات الاختبار بعد أن ارتفع عدد المتوفين فيها إلى 5,476، ما جعلها الأشد تضررًا حتى الآن في أوروبا. كما أرسلتِ المساعدةَ الطبية ومستلزمات الوقاية إلى إسبانيا، التي يوجد بها قرابة 30,000 مصاب، و1,813 حالة وفاة. وفي 21 مارس، أرسلتِ الصين مساعداتٍ طبية إلى الفلبين، التي بلغت حالات الإصابة المؤكدة لديها 19 حالة حتى الآن، و18 حالة وفاة، ما دفع وزير خارجيتها تيودورو لوكسين إلى القول بأن: “الصين نموذج لما ينبغي أن يفعله بقية العالم. بدلًا من لوم بعضنا البعض على ما يحدث، يجب علينا جميعًا أن نبدأ العمل معًا”. وفى اليومِ نفسه، أعلنت بكين أنها سترسل مساعداتٍ مماثلة إلى صربيا. وهكذا، حظيت الحكومة الصينية بإشادةٍ كبيرة لتقديمها الدعم الثنائي لبعض الدول الأكثر تضررًا.
النموذج السعودي
حتى في الوقت الذي تتدفق فيه المساعدات من الصين إلى دولٍ مثل إيطاليا، أصبح تقديم المساعدة إلى الصين مشحونًا بالسياسة، في الوقت الذي تتصارع فيه الدول لإلقاء اللوم عليها في تفجير هذه الأزمة. وفي حين قالت الولايات المتحدة إنها سترسل مساعدات إلى بكين، قال الصينيون إن أيًّا من هذه المساعدات لم يصل إلى مستشفياتهم بعد. وقالتِ المتحدثةُ باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون يينج: “نشكر الشعب الأمريكي على مساعدته الطيبة لكن في الواقع لم نتلق دولارًا من الحكومة الأمريكية”. ولا تزال الحكومة الصينية غاضبة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإصراره على تسمية كوفيد-19 “الفيروس الصيني”؛ لأنه ظهر لأول مرة في مدينة ووهان.
من جانبها، ارتقتِ المملكةُ العربية السعودية فوق هذه المشاحنات، وأرسلت أجهزة الكشف بالموجات فوق الصوتية، وأجهزة التنفس الصناعي، وأجهزة مراقبة حالات المرضى، إلى الصين. وبالإضافة إلى هذه المساعدة من دولة إلى دولة، ساهم الملك سلمان في 9 مارس بمبلغ 10 ملايين دولار أمريكي لمنظمة الصحة العالمية لتعزيز الجهود العالمية لمكافحة كوفيد-19.
النموذج الإماراتي
تبنت دولةُ الإمارات العربية المتحدة نموذجًا متوسطًا بين النموذجين الصيني والسعودي، يستهدف تقديمَ المساعدات إلى المناطق الأكثر تضررًا من جانب، والارتقاء فوق الخلافات السياسية من جانبٍ آخر، واستخدام المساعدات لتعزيز الانسجام بصفة عامة.
على غرارِ المملكة العربية السعودية، أرسلت دولةُ الإمارات الإمدادات الطبية اللازمة على المستوى الثنائي إلى الصين، مباشرة إلى ووهان، وقامت بإجلاء 215 شخصًا من جنسيات مختلفة من مقاطعة هوبي الصينية إلى مدينة الإمارات الإنسانية في أبوظبي. وفي أوائل مارس، أرسلتِ الإمارات مساعداتٍ طبية إلى أفغانستان بقيمة 3.5 مليون دولار أمريكي، بعد أن تم التأكد من وجود إصابات هناك. كما أرسلت أبوظبي طواقم طبية محترفة إلى كابول، إضافة إلى 20,000 من وحدات ومعدات الاختبار.
من جانبٍ آخر، وفي توظيفٍ جديد للمساعدة الإنسانية لتعزيز السلام الاستراتيجي، أرسلت دولة الإمارات في 3 مارس شحنة من المساعدات إلى إيران، الدولة التي تهدد منطقة الخليج، تحمل 7.5 طن من الإمدادات الطبية، تلتها طائرتان أخريان في 16 مارس تحملان 32 طنًا متريًّا من الإمدادات، بما في ذلك القفازات والأقنعة، ومعدات الحماية. الجدير بالذكر أن جمهورية إيران الإسلامية من بين أكثر الدول المتضررة من الفيروس، حيث بلغ عدد الوفيات فيها قرابة 1,000 شخص، وما لا يقل عن 16,000 إصابة.
وفي هذ الصدد، علقت وزيرة الدولة للتعاون الدولي في دولة الإمارات، ريم بنت إبراهيم الهاشمي، على المساعدات التي ترسلها بلادها، قائلة إنها “تتفق مع المبادئ الإنسانية التأسيسية لبلادنا”. ويمكن القول إن المساعدات التي تقدمها الإمارات إلى طهران ليست بالأمر الهين، نظرًا للعلاقات المضطربة بين البلدين حول العديد من القضايا السياسية، من اليمن إلى سوريا، إلى جزر أبو موسى، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى.
رمال متحركة؟
رغم أن العالم قد شهد من قبل أوبئة أو أوبئة محتملة -مثل سارس، وإيبولا، وأنفلونزا الخنازير- وكان بعضها أكثر فتكًا من كوفيد-19، ولكن لحسن الحظ تم احتواؤها قبل أن تنتشر على مساحة كبيرة، وإلى الكثير من الناس.
الأوبئة، بطبيعةِ الحال، ليست سوى إحدى الأزمات العالمية التي تتطلب تعاونًا لحلها، فهناك أيضًا الاحترار العالمي، وحرائق الغابات، وتهريب البشر والمخدرات، وتجنيد الأطفال، ومكافحة الإرهاب. علاوة على ذلك، يجب أن تسهم الجهود الدولية في هزيمة أيديولوجيات الكراهية التي تؤجج الكثير من هذه المشكلات. أزمة كوفيد-19 الحالية تطلق العنان لأشكالٍ قديمة وجديدة من التعصب، ما قد يُسبِّب المزيدَ من المشكلات في المستقبل، وقد تحمل أيضًا إمكانية لكبح هذا التعصب إذا استغلت الأزمة بصورة صحيحة، وتم توجيهها إلى إظهار مثالب الكراهية. وحتى الآن، عادة ما يتم معالجة هذه القضايا بشكل حصري تقريبًا من قبل الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة أو إلى مزيج من الاثنين معا. ولكن خلال هذه الأزمة، أظهرت كلٌّ من الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، أوجه قصور شديدة، وربما وفَّر هذا فرصة للدول الأخرى لتولي زمام المبادرة في النظام الدولي بقوة مثالها.
المصدر: .qpost
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر