سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ماجد الجريوي
في عام 2015، أنتج “وو جينغ” – وهو فنان قتال صيني ونجم سينمائي ومخرج – فيلمWolf Warrior I”الذئاب المحاربة – الجزء الأول”، ثم فيلم Wolf Warrior II”الذئاب المحاربة – الجزء الثاني” الناجح بشكل مذهل، الذي تمَّ صنعه في عام 2017، إذ أطلق عليه أحد النقاد لقب “رامبو ذي الخصائص الصينية”. ثم انتقلت القصة إلى الخارج، إلى إفريقيا وأوروبا تحديدًا. فلعب على موضوع القومية الصينية العدوانية، وأصبح الفيلم الأعلى ربحًا في الصين. وكان الفيلم الأعلى ربحًا غير الإنجليزية في جميع أنحاء العالم.
في عام 2020، شاهدنا نسخة ثالثة من “الذئاب المحاربة”، ولكن هذه المرة ليست كفيلم، وإنما كنوع جديد من الدبلوماسية الصينية الوطنية، ونسخة عدوانية ومستعدة للمواجهة وجهًا لوجه مع أي شخص للدفاع عن البلاد.
صعود الدبلوماسية الصينية “الذئاب المحاربة”
كانت التوجهات السابقة من الدبلوماسيين الصينيين معروفة عادةً بنهجهم المحافظ البطيء، انسجامًا مع استراتيجية “دنغ شياو بينغ” السياسي والقائد الصيني السابق، المكونة من 24 شخصية، “إخفاء قدرتها واستغلال وقتها” لاستكمال عملية التحديث والسيطرة السياسية الداخلية.
وفي هذا الصدد، كتب “هنري كيسنجر”، وزير الخارجية الأميركي السابق، في دراسته الرئيسية الدبلوماسية “أن دبلوماسية بكين كانت خفية وغير مباشرة، لدرجة أنها تجاوزت إلى حد كبير رؤوسنا في واشنطن”. واستخدمت الحكومات في الغرب علماء من مختلف المجالات لتفسير الإشارات الغامضة الصادرة عن المكتب السياسي للصين.
ولكن، أجبرت التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، أخيرًا، وفقًا لصحيفة “جلوبال تايمز”، الصين على استخدام دبلوماسية أسلوب “الذئاب المحاربة” بدفع من سلالة جديدة من الدبلوماسيين الصينيين “الذين أصبحوا أكثر تشددًا ونضالاً”. وتقول الصحيفة المملوكة للحزب الشيوعي الصيني، إن ذلك يمثل نهاية عصر “يمكن فيه وضع الصين في موقف خنوع”.
كما أكدت افتتاحية صحيفة “جلوبال تايمز”، التي تديرها الدولة، وهي معروفة بآرائها الصريحة: “الأيام التي يمكن فيها وضع الصين في موقف خضوع قد ولَّت منذ فترة طويلة”. وقالت: إن الشعب الصيني “لم يعد راضيًا عن اللهجة الدبلوماسية الهشة”.
على الرغم من ذلك، تدَّعي “جلوبال تايمز” الصينية أن أفعالهم وبياناتهم، غالبًا ما تستخدم منصات مثل “تويتر”، وهي غير متوفرة في الصين، كرد دفاعي ومقيّد لجهود الغرب “في تلطيخ مكافحة الفيروسات في الصين وتعاونها مع الدول الأخرى والمنظمات العالمية”.
فيروس ووهان وإيقاظ الذئب
ليس من المستغرب أن يكون تصنيف الفيروس على أنه “فيروس الصين”، أو “فيروس ووهان”، أثار عاصفة من الدبلوماسيين الصينيين. ورغم ذلك، لم تكن كل التغريدات في فئة الترويج للمؤامرات حول الأصول الأميركية للفيروس.
أرسلت الصين كادرًا متزايدًا من الدبلوماسيين إلى عالم وسائل التواصل الاجتماعي لمجابهة الحملة الشرسة تجاه بلادهم. في بعض الأحيان، كان هدفهم هو الدفاع عن معالجة الصين لوباء الفيروس، وتحدي أولئك الذين يشككون في نسخة بكين من الأحداث. لذا، يطلقون وابلًا من التغريدات والتعليقات المستمرة من سفاراتهم حول العالم. كما أنهم لا يتراجعون وينشرون السخرية والعدوان بنفس القدر الذي يتلقونه تجاه بلادهم.
“تويتر” هي ساحة معركة “الذئاب المحاربة” الصينية
ربَّما يكون “المحارب الذئب” والأساسي هو “ليجيان تشاو”، المتحدث باسم الشؤون الخارجية الصيني الشاب. وهو المسؤول الذي قدَّم الاقتراح بأن الولايات المتحدة ربَّما تكون قد جلبت الفيروس التاجي إلى ووهان.
لديه أكثر من 600000 متابع على “تويتر”، ويستغل هذا الجمهور كل ساعة تقريبًا، ويغرد بلا هوادة، ويعيد التغريد لأي شيء يروج للصين ويدافع عنها. ومن الواضح أنه خيار سياسي من قبل السلطات الصينية. كان بإمكانهم اختيار تركيز حملتهم الإعلامية بالكامل على ما أطلق عليه اسم “دبلوماسية الأقنعة”، أي التبرع وبيع أدوات طبية واقية حول العالم.
سفراء غاضبون
وفي الأسبوع الرابع من شهر مارس، نشرت السفارة الصينية في فرنسا، سلسلة من التغريدات تدَّعي أن الولايات المتحدة قد غطَّت تفشي فيروس كورونا في عام 2019 كحالات إنفلونزا. وفي منشور آخر، هاجمت فرنسا لأنها تركت كبار السن يموتون في منازل التقاعد!
انخرط سفير الصين، أخيرًا، في أستراليا، “تشنغ جينغي”، في نزاع غاضب مع مضيفيه، عندما دعمت الحكومة إجراء تحقيق دولي مستقل في أصل الفيروس، إذ ألمح السيد “تشنغ” بعدها إلى أن الصين قد تقاطع البضائع الأسترالية.
وفي مقال لمجلة “فورين أفيرز”، يجادل “كيفن رود”، رئيس الوزراء الأسترالي السابق، بأن الصين تدفع ثمنًا لاستراتيجيتها الجديدة: “بغض النظر عن الجيل الجديد من دبلوماسيي (الذئب المحارب) في الصين، فإن الحقيقة هي أن مكانة الصين تلقت ضربة كبيرة”. (المفارقة هي أن هؤلاء “الذئاب المحاربة” يفاقمون الأزمة، ولا يخففونها).
ميزة مثيرة للاهتمام في “Wolf Warrior”، هي الاستخدام العدواني لمنصات مثل “تويتر” غير المتوفرة في الصين. ووفقًا لصحيفة “ساوث تشاينا مورنينج بوست”، تمتلك وسائل الإعلام الصينية التي تديرها الدولة “ما لا يقل عن 115 حسابًا على “تويتر”، إذ تنتمي هذه الحسابات إلى دبلوماسيين وسفارات وقنصليات. هذه الظاهرة حديثة نسبيًا مع العديد من الحسابات التي تمَّ فتحها العام الماضي فقط. إلى حدٍّ ما “قد يتأثر الصينيون بكيفية استخدام ترمب لتويتر بنجاح للتهرب من تحمل المسؤولية وتزوير بعض الحقائق”، والدفاع عن أفكارهم بأسلوب عدواني هجومي تمامَا كالذي يستخدمه ترمب في تغريداته.
وفي تغريدة تناولت مسألة التأخير في إبلاغ العالم عن تفشي مرض كورونا، ظهرت تقارير مختلفة بأن الصين كانت تقوم بإطلاع الولايات المتحدة على الفيروس منذ 3 يناير. والآن تلوم الصين على التأخير!
في تغريدة أخرى، اتهم السفير “شو هونغ” في هولندا، ترمب بالعنصرية في تجاهل “الجهد الكبير والتضحيات التي قدَّمها الشعب الصيني!”. وفي وقت سابق من هذا الشهر، تمَّ تعليق حساب “تويتر” للسفارة الصينية في سريلانكا لفترة من الوقت لانتهاكه قواعد “تويتر”. إذ دخلت السفارة في تبادل مرير للكلمات مع مستخدمي “تويتر” بعد اتهامها بالإهمال في التعامل مع الوباء.
التجارة تحدد لهجة الدبلوماسية
توفر جائحة فيروس كرونا نموذجًا مثاليًا للدبلوماسية “الذئاب المحاربة”؛ إذ تطلبت المعالجة الأولية الفاشلة لتصدي الصين للفيروس والنقد الشديد المتزايد من الولايات المتحدة، استجابة قوية من الصين لإصلاح صورتها على الصعيد العالمي.
تتميز أحد أجزاء حملة “الذئاب المحاربة” بوضعية عدوانية، في حين أظهرت الأجزاء الأخرى دبلوماسية حريرية وقوى ناعمة؛ إذ تمثلت في المساعدات التي شملت: الكشف والفحوصات، وتوفير الأقنعة وتوريدها لدول العالم، وأوروبا تحديدًا، وأجهزة تهوية مساعدة للتنفس، وإمدادات طبية أخرى مقدمة لأكثر من 100 دولة حول العالم. كما استهدفت الصين دولاً، مثل: إيطاليا، وصربيا، وإيران، وباكستان، وفنزويلا، وبعض الدول الآسيوية؛ لدعمها بالخبراء الطبيين للمساعدة المباشرة.
في الولايات المتحدة، أصبحت الصين – فعلاً – قضية في الانتخابات الرئاسية؛ إذ يتنافس كلا المرشحين على أن يكون أكثر صرامة من الآخر تجاه الصين. أما في المملكة المتحدة، ينظم النواب المحافظون فرض مزيد من التدقيق على السياسة الصينية.
في السنوات الثلاث الماضية، عندما عبرت الولايات المتحدة والصين عن الحرب التجارية بينهما، بدأت نبرة دبلوماسية بكين تتغير إلى حدٍّ بعيدٍ. وكانت قيادة الاتحاد الأوروبي حذرة من استمالة الصين لدول وسط وشرق أوروبا. ليس من قبيل المصادفة أن تذهب المساعدة الصينية إلى إيطاليا التي كانت أول دولة رئيسية في الاتحاد الأوروبي، أو صربيا التي هاجمت الاتحاد الأوروبي لحظر تصدير المعدات الطبية، وأشادت بالإمدادات الصينية التي حصلت عليها لاحقًا.
بالنسبة للصين.. الفيروس ليس القضية الوحيدة
إن فيروس كورونا ليس القضية الوحيدة التي أدت إلى ظهور استراتيجية “الذئب المحارب”. إن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ومسألة معسكرات الاعتقال في “شينجيانغ”، وقبل كل شيء، اضطرابات “هونغ كونغ”، وضعت بكين على المحك. كما أن الدعم القوي الذي حصل عليه المحتجون في “هونغ كونغ” من الغرب، أدى إلى رد قوي من الدبلوماسيين الصينيين. استخدم الدبلوماسيون الصينيون منصات التواصل الاجتماعي، والبيانات الصحفية والتقارير في الصحف للتعبير عن وجهة النظر الصينية التي كانت في الأساس أن الحكومة المحلية كانت تتعامل مع الأمور بأفضل ما في وسعها، وكان التدخل الأجنبي هو من يعقِّد الأمور.
واستخدم السفير الصيني لدى الهند “صن ويدونغ”، وسائل الإعلام الهندية في عدة مناسبات لإبلاغ الموقف الرسمي للصين بشأن احتجاجات “هونغ كونغ”.
تمَّ تحديد لهجة هذه الدبلوماسية الصينية الجديدة، العام الماضي، من قبل “هوا تشونينغ”، التي دعت في وقت ترقيتها بصفتها المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الصينية، إلى أن يكون الدبلوماسيون الصينيون أكثر حزمًا، خاصة في مواجهة الشدائد والأزمات. وفي مقال على الصفحة الأولى من دراسة “تايمز”، الرائدة في مدرسة الحزب المركزية للحزب الشيوعي الصيني، دعت الدبلوماسيين الصينيين إلى إخبار القصة الصينية بشكل أكثر فعالية وقوة لتوصيل الرسالة إلى العالم.
الدبلوماسية الصينية لديها جمهور من الداخل أيضًا
دبلوماسية “الذئاب المحاربة” تتعلق بالرسائل في الداخل بقدر ما هي في الخارج. لدى الصين عدد محدود من مستخدمي “تويتر”، لكن الرسالة التي يتم نشرها تتوافق مع السرد المحلي القائل بأن بكين لن تنحني للتسلط الدولي. وبعضها، بطبيعة الحال، يتعلق بالترويج لمهن الدبلوماسيين الصينيين الأصغر سنًا، ولكن البعض منه هو الأسلوب القديم في استخدام التكتيكات الهجومية للدفاع عندما لا يمكن الدفاع عنه.
من خلال استهداف الغرباء، أو أي شخص آخر لمشاكلك، فإن نهج “الذئاب المحاربة”، سواء من قبل الصينيين أو غيرهم، من شأنه أن يعزز رهاب الأجانب والقومية. وقد شُوهد في جميع أنحاء العالم في التمييز ضد الأفارقة في الصين، والمسلمين في الهند، وحتى في الهجمات على الأميركيين الآسيويين الذين معظمهم من “الصينيين”.
أكاديمي متخصص في العلاقات العامة*
MajedAljuraywi@
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر