سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عبدالله الجنيد
في مقاله الأخير عبر صفحات القدس العربي، تناول د.علي فخرو جانبًا جدليًا، يتجاوز المشهد الخاص، في محاولة لإسقاط تاريخي عبر عنوان “الثقة” في أخلاقيات النيوليبرالية الاقتصادية السياسية، التي يمثلهما دونالد ترمب التاجر والرئيس الحالي للولايات المتحدة الأميركية. ربَّما كان الأجدر بالأستاذ الكبير والمعلم الذي لا يمكن إنكار مكانته العلمية والفكرية، اختيار مقاربة أخرى، أو أن يدلف إلى التشكيك مباشرة في قدرة المنظومة السياسية القائمة الآن في إدارة الملفات العربية، أو في صناعة قرار، أو تخليق سياستها الوطنية Indigence.
الاستشهاد المطول، الذي اقتبس محطات استدلال من كتاب نعومي كلاين الأخير بعنوان (ليس كافيًا أن نقول لا)، حول لاأخلاقيات النظام الرأسمالي الأميركي، هو ما اعتذر عنه الدكتور علي فخرو لاحقًا، إذ كان الجميع ينتظر أن يقرأ عن الدكتور، لا نقلاً عن طرف آخر. وحتى عندما تبيَّن في الجزء الأخير ملامح رأي للدكتور علي، وجدناه يتنقل من قمم الرياض إلى الملف الفلسطيني، ومنها إلى الأوجاع الثلاثة العراق وسوريا واليمن. وهنا سأتوقف عند اليمن، لأن الزج بها هنا، فيه تورية عن أن عاصفة الحزم –سياسيًا – هو قرار أميركي، وكلنا يعي موقف إدارة الرئيس أوباما منها. ويتذكر كلنا عبثية الأوبامية المهادنة، وما توافقت عليه مع أطراف أخرى ذات صلة مباشرة، وقرابين لطهران من العراق إلى البحرين، ناهيك عن سوريا والعراق.
عندما اجتمع أكثر من خمسين زعيم دولة في الرياض، لم يكن ذلك بقصد تقديم قرابين الولاء لتاجر البندقية ترمب، كما صوَّره د.علي فخرو، بل كان لإعلام الجميع، أن هناك إرادة وطنية جدية صاحبة مشروع لن تقبل بممارسة السياسة دون ضمان مصالحها الوطنية أولاً. وأن هذه الإرادة ممثلة في مشروع مستقبلي مدني، وأن من لا يضمن أمنه لا يستحق وطنًا، وأننا ندرك أنَّ ليس كل السياسة دبلوماسية. أعدك د.علي أن عربان الخليج اليوم، يجيدون فنون السياسة الحديثة، ولك أن تقرأ في تفاصيل تطورات كل الملفات العالقة. أما فيما يتعلق بفلسطين، فالرجاء توجيه ذلك السؤال للقادة الفلسطينيين الذين يفضلون السيارات الفارهة على حساب “الكضية”. ومتى ما مارس الفلسطينيون الحداثيون، تداول السلطة داخليًا، كما كان يعظ شيوخ القومية العربية، تحققت سلطة سياسية وطنية لا توريث للزعامات الثورية، وعندئذٍ ستكون فلسطين في أفضل حال.
عروجك على هذا الملف، ذكرني بما قاله محمد حسنين هيكل في وصف مصالحة مكة بين فتح وحماس قي فبراير 2007، حيث قال – بما معناه – إن المرحوم الملك عبدالله كان حسن النية في أمر لا يحتمل حسن النوايا، وكلنا – ربَّما – يعي سبب هذا التوظيف اللغوي لحسن النية في أمور السياسة. قمم الرياض قدمت اتساقًا عربيًا وإسلاميًا غير مسبوق سياسيًا، وكان ذلك تأكيدًا على الدور القيادي للمملكة العربية في الملفات الرئيسية. ولولا ذلك الدور، لما عدَّلت حماس من ميثاقها الوطني لتعترف بحدود 1967. فعندما طلب المغفور له الملك عبدالله، بأن يقسم قادة فتح وحماس على مصالحة مكة في الحرم الشريف، كان يهدف إلى إثبات أن السياسة بكل أدواتها، هي نتاج واقعها، لا أخلاقيات معتقدها .
كذلك كانت العقود التي وقعتها المملكة العربية السعودية خارج إطار التعاقدات الدفاعية التي ارتكزت على نقل المعرفة know How) Transfer )، جزءًا من رؤيتها 2030. فالمملكة تدرك أن تحولها الاقتصادي، لا يمكن أن يتحقق دون تحول اجتماعي؛ لذلك تمسكت الرؤية بمشروع الملك عبدالله في الابتعاث، ونقل المعرفة، وفي تمكين المرأة السعودية.
أما فيما يخص العراق وسوريا، فقد حُكمتا لعقود طويلة من تيارات قومية قدمت أبشع النماذج للدولة البوليسية. ومهما تجاوزت دول الخليج على الحريات المدنية، فإنها لم تسجل جرائم ببشاعة البعث العربي في حلبجة وحماة . والمقارنة، أو المقاربة السياسية هنا في التوصيف المستتر بعدم بلوغ الرشد السياسي في تقدير الواقع أو المستقبل، أمر يختلف فيه معك التاريخ الحديث. أما فيما يتعلق بالإرادة الوطنية، فإنها مشروع يجب الاستثمار فيه من الجميع، وأهم مكوناته تحقيق العدالة الاجتماعية ومجتمعات مدنية .
كاتب ومحلل سياسي بحريني*
@aj_jobs
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر