سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ميناكشي شارما
اكتُشِفَت أول حالة إيجابية لفيروس كورونا في ووهان، بالصين في 17 نوفمبر 2019، ومع ذلك، لم تقم الصين بإبلاغ منظمة الصحة العالمية حتى 31 ديسمبر 2019. فقد أجلت السلطات الصينية نشر هذه المعلومات الهامة لمدة شهر ونصف تقريبًا بما يتوافق مع رؤيتها ومصالحها. علاوة على ذلك، فقد استغرقت منظمة الصحة العالمية من جانبها شهرًا آخر لإعلانحالة الطوارئ على المستوى الدولي، وذلك رغم الحالات الإيجابية التي تمَّ الإبلاغ عنها في 20 يناير 2020 بكل من اليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند. وبحلول 23 يناير 2020، فُرِضَت القيود على السفر في ووهان؛ وبحسب ما تمَّ الإبلاغ عنه فقد مات 17 شخصًا وأصيب أكثر من 570 آخرين، وقد شملت تلك الحصيلة كلاً من تايوان والولايات المتحدة. وفي نهاية المطاف، أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ عالميًا في 30 يناير 2020.
وإذا كان الإبلاغ المتأخر عن حالات(كوفيد ــ 19) من قِبَل الصين يُعَدُ أمرًا مزعجًا، فإن استجابة منظمة الصحة العالمية، كونها وكالة متخصصة على مستوى القمة للصحة العالمية، كانت مؤسفة بالفعل. وبالنظر إلى الطبيعة المعدية للوباء وسرعة انتقاله، فقد ثبت أن هذا التأخير الذي كان بالإمكان تجنبه يضر بالحياة في جميع أنحاء العالم مع عواقب وخيمة. وعند التعامل مع أزمة تفشي المرض، يكون للوقت أهمية قصوى؛ إذ يمكن أن يعزز الإنذار المبكر بشكل كبير من إمكانية احتواء العدوى.
ولا خلاف على حقيقة أن تفشي الوباء كان في الصين. ومع ذلك، فإن التستر المؤسسي من قبل السلطات الصينية مباشرة بعد تفشي المرض والترهيب الصارخ للأطباء والعلماء والصحفيين على حد سواء، وبعضهم كان يفعل ذلك من تلقاء نفسه، هو الأكثر رعبًا. وقد أخفى الحزب الشيوعي الصيني معلومات مهمة حول انتشار الفيروس ودفع العالم ثمنها مع تزايد عدد حالات الوفاة بشكل مأسوي والعديد من المصابين. ومن ناحية أخرى، فشلت منظمة الصحة العالمية، بسبب الدوافع الخفية، في الإبلاغ عن هذه المخاوف ذات الصلة على الصعيد الدولي. وبدلاً من مساءلة الحكومة الصينية عن الهفوات التي يمكن تجنبها والتعامل غير الصحيح مع الوضع خلال الفترة الفاصلة بين اختبار الحالة الإيجابية الأولى في 17 نوفمبر 2019، والإبلاغ عن ذلك لمنظمة الصحة العالمية في 31 ديسمبر 2019، فإن منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة آثرت الإشادة المفرطة بالصين لجهودها الجديرة بالثناء لاحتواء تفشي المرض.
وقد كانت لحظة مناسبة لتشكيل ضغوط دولية على الصين ومحاسبتها على روايتها الكاذبة بشأن تفشي الفيروس واستراتيجية الاستجابة التي تلت ذلك. لكن منظمة الصحة العالمية اختارت الحفاظ على الأمر الواقع. فلم تكن المنظمة تتوافق فقط مع الرؤية الصينية وجهودها، بل اختارت أيضًا تقديم الحساب غير الدقيق الذي قدمته بكين على الرأي العام الدولي من خلال التقليل من أهمية تهديد هذا الفيروس التاجي، وقد استغرق الأمر طويلاً للإعلان عن وجود حالة طوارئ عالمية، وهو ما حرم العالم من الوقت الحاسم واللازم لتنفيذ تدابير الاحتواء المبكر للوباء.
ويستلزم تفويض منظمة الصحة العالمية تعزيز الرعاية الصحية الشاملة، ومراقبة مخاطر الصحة العامة وتنسيق الاستجابات لحالات الطوارئ الصحية العامة. فقد تبنت جمعية الصحة العالمية، من خلال الهيئة الإدارية لها، اللوائح الصحية الدولية، وهي صك قانوني ملزم يهدف إلى الوقاية من الأمراض وحمايتها ومراقبتها وتوفير استجابة للصحة العامة للانتشار الدولي للأمراض. فالمادة 6 من هذه اللوائح الصحية الدولية التي صدرت في 2005 تنص على أن تقوم كل دولة طرف بإخطار منظمة الصحة العالمية بجميع الأحداث التي قد تشكل شهادة لحالة الطوارئ في غضون 24 ساعة من تقييم المعلومات المتوافرة حول الصحة العامة. ومن الواضح تمامًا أن استجابة الحكومة الصينية لتلك الأزمة شابها خروقات لأنظمة اللوائح الصحية الدولية حيث تعمل منظمة الصحة العالمية كمتفرج صامت على الرغم من وجود ممثل لها في بكين.
وقد تمَّ تسييس منظمة الصحة العالمية بشدة لدرجة أنها أصبحت في حاجة ماسة إلى إصلاحات محددة. فقد دقَّت ملاحظة الأمين العام للأمم المتحدة في مجلس الأمن الدولي لعام 2015 خلال الجلسة رفيعة المستوى التي عقدها مكتبه حول الاستجابة العالمية للأزمة الصحية، أجراس الخطر عندما أشارت إلى أن عدم قدرة منظمة الصحة العالمية على الإصلاح سيؤدي إلى آلاف الوفيات نتيجة لهذا الوباء وهو ما كان يمكن تجنبه. فخلال قمة العشرين الكبار (G20) الطارئة التي عقدت عبر مؤتمرات الفيديو في 26 مارس 2020، تبادل رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” مخاوف مماثلة ودعم الإصلاحات المبكرة لوكالة الأمم المتحدة.
فمنظمة الصحة العالمية باتت في حاجة إلى قائد يتمتع برؤية استراتيجية وبصيرة. وقد انتقد الدكتور “تيدروس أدهانوم غيبريسوس”، المدير العام الحالي لمنظمة الصحة العالمية، على نطاق واسع لتعاطفه مع الصين وقيادتها السياسية وشفافيتها على الرغم من أدائها الباهت في التعامل مع الوباء. وفي تناقض صارخ، أدى التعامل مع تفشي وباء “سارس” في عام 2003 إلى تعزيز صورة منظمة الصحة العالمية تحت قيادة الدكتور “جرو هارلم برونتلاند”، المدير العام الخامس لمنظمة الصحة العالمية.
وكان السارس الذي انطلق من جنوب الصين، هو أول مرض معدٍ في القرن الحادي والعشرين، وكانت أسبابه وعلاجه غير معروفة. وهو ما يُشَكِّل تهديدًا لإطار الحوكمة الصحية الذي أصاب 8098 شخصًا في 26 دولة وأودى بحياة 774 شخصًا. وبينما أبلغت جميع الدول المتأثرة بالسارس عن تقاريرها الذاتية، كانت الدولة الوحيدة التي لم تفعل ذلك هي الصين. ومع تزايد عدد الحالات الجديدة، قامت منظمة الصحة العالمية بتوسيع نطاق التحقيق في أحد عشر مختبرًا عبر عشر دول لتحديد العامل المسبب للسارس. ولسوء الحظ، كانت مقاومة الحكومة الصينية مصدر قلق مع عدم مشاركة أي بيانات لمدة شهر تقريبًا. والأمر الأكثر ترويعًا هو عدم منح منظمة الصحة العالمية الإذن لفحص “الحالة صفر” في “غوانغدونغ” الصين لجمع الأدلة الوبائية.
وفي 2 أبريل 2003، فرضت منظمة الصحة العالمية بشكل استباقي قيودًا على السفر في هونغ كونغ وغوانغدونغ. لكن الحكومة الصينية أقرت فقط في 4 أبريل 2003 بفشلها في الإبلاغ عن الحالات. وقامت منظمة الصحة العالمية بدور قيادي وساهمت في نجاح احتواء انتشار السارس عن طريق إجراء ترصد وبائي في الوقت الحقيقي ومشاركة إحصاءات محدثة عن شدته، وتقديم المشورة للحكومات بشأن السياسات وتقييم وتنسيق الأحداث العالمية.
وعادة لا تنتقد منظمة الصحة العالمية أعضاءها، ولكن خلال واقعة السارس، لجأت إلى إدانة قوية للموقف غير الداعم للصين ولعبت دورًا جريئًا. كما انتقد الممثل الرئيسي لمنظمة الصحة العالمية في بكين الحكومة الصينية لعدم تعاونها، كما أكد على أن الاستثمارات غير الكافية في مجال الصحة من قبل الحكومة قد أعاقت آلية الاستجابة. وقد واجهت الحكومة الصينية علنًا وانتقدت من قبل الدكتور “جرو هارلم بروندتلاند” الذي اتهمهم بتأخير المشاركة خلال جائحة السارس. وقد كان رد الفعل هذا هو الذي اضطر وزير الصحة الصيني إلى الاستقالة اعترافًا منه بإخفاء مدى انتشار الفيروس. كما تمَّ طرد عمدة بكين بسبب عدم الإبلاغ عن حالات الإصابة بالفيروس.
إن احتواء السارس في أربعة أشهر فقط من مشاركة منظمة الصحة العالمية على الرغم من أصله وأسبابه المجهولة، لهو مثال ملحمي لتعاون عالمي فعَّال ولا يمكن إنكاره باعتباره أحد أكبر الانتصارات منذ القضاء على وباء الجدري. لذا، ينبغي أن توجد قيادة قوية وحاسمة، كما أظهرت منظمة الصحة العالمية منذ وباء سارس حتى اليوم.ولا يمكن المبالغة في التأكيد على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات في الوقت المناسب أثناء تفشي هذه الشدة. حيث يمكن لنظام الإنذار المبكر الذي يتبعه الاتجاه المقنع أن يساعد في إنقاذ الكثير من الأرواح. وحتى في هذا الصدد، فإن منظمة الصحة العالمية فشلت في مواكبة التقدم التكنولوجي المتحقق في مكان آخر.
وقد قامت شركة “بلو دوت” Bluedot، وهي شركة كندية لمراقبة الصحة، بتتبع انتشار فيروس (كوفيد ــ 19) باستخدام تحليلات البيانات الضخمة وتنبيه العالم في 31 ديسمبر 2019، قبل أن تقوم منظمة الصحة العالمية بإعلان حالة الطوارئ على المستوى الدولي. ألا يجب أن تكون منظمة الصحة العالمية قد اكتسبت هذه الخبرة التقنية مسبقًا، خاصةً عندما كانت الأرواح البريئة في جميع أنحاء العالم معرضة للخطر؟ على الرغم من ذلك، فقد كان من المتعين على منظمة الصحة العالمية التأكيد على أن تكون أفضل حالاً في استراتيجيتها للاستجابة والاحتواء، خاصة عندما تفخر بكونها الهيئة الصحية الدولية ذات التفويض والسلطة الواضحَين للتعامل مع حالات الطوارئ الصحية العامة.
فمنظمة الصحة العالمية تتوسل من أجل الإصلاحات. ومع ذلك، فإن الوقت ليس مناسبًا حاليًا لإجراء تحولات شاملة، لأن العالم يحتاج إلى جهود متضافرة لهزيمة هذا الوباء. ولكن بالتأكيد، عندما يستقر الغبار، يجب على منظمة الصحة العالمية أن تعيد اكتشاف نفسها إذا أريد منع حدوث هذه الكارثة. وبالتالي، يتعين على المنظمة العالمية أن تنأى بنفسها عن السياسة وأن تركز على أحكام السياسة وامتثالها الصارم. ويجب دمج التقنيات الحديثة مع العمليات القائمة، كما يجب أن يكون اتخاذ القرار مدفوعًا بنهج قائم على الأدلة، بدلاً من أن تكون رهينة بسبب المصالح السياسية والاقتصادية للأنظمة الشمولية.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مؤسسة المراقب للأبحاث
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر