سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
شاليني شاولا
في حين يبدو العالم منغمسًا في تكثيف الجهود لمكافحة وباء) كوفيد ــ 19)، تجد عملية السلام التي تجري في أفغانستان صعوبة في جذب الوقت والاهتمام اللازمين من المجتمع الدولي. فقد رفضت طالبان طلب الحكومة الأفغانية بوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان ووصفت الطلب بأنه “غير عقلاني وغير مقنع”.
ويواجه الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان المُوَقَّع في 29 فبراير 2020 تحديات خطيرة؛ فقد استمرت طالبان في مهاجمة القوات الأفغانية. كما يتحارب الجانبان بشأن إطلاق سراح السجناء، وهو الشرط الذي تعتبره طالبان أساسيًا لالتزامها بالحوار بين الأفغان. ويمثل البند الخاص بالإفراج عمَّا يصل إلى 5000 سجين من طالبان، جزءًا من الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان، وهو النقطة الأكثر إثارة للجدل بين طالبان والحكومة الأفغانية. بجانب ذلك، هناك خلاف حول نتيجة الانتخابات الرئاسية الأفغانية المثيرة للجدل لعام 2019 التي أدت إلى تنافس بين غاني وعبدالله، إذ لا يزال الخلاف حول تلك النقطة مستمرًا. وقد أعلنت الولايات المتحدة من جانبها عن تخفيض المساعدات لقوات الأمن الأفغانية بمقدار مليار دولار، الأمر الذي يضعف الموقف التفاوضي للحكومة الأفغانية ويعيق قدرتها على محاربة طالبان. وبالإضافة إلى ما سبق، يأتي التحدي الذي يضيفه وباء (كوفيد ــ 19) أمام الحكومة الأفغانية.
وتسيطر طالبان على أكثر من 60% من أراضي أفغانستان. كما حافظت على موقف قوي طوال مفاوضاتها مع الولايات المتحدة وقاومت إشراك الحكومة الأفغانية في العملية التفاوضية. في حين أن هناك عوامل متعددة عززت مكانة طالبان وقوتها في هذه العملية، فهناك عاملان حاسمان جدًا: الأول هو رعاية باكستان ودعمها المستمر لطالبان. بينما يتمثل الثاني في رغبة الولايات المتحدة في مغادرة أفغانستان. إن الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان يمثل بالأساس انتصارًا لحركة طالبان والجماعات الجهادية واستراتيجية باكستان الطويلة والجهود المبذولة في البحث عن عمق استراتيجي في أفغانستان. إذ ينظر إلى هذه الصفقة في “روالبندي” على أنها انتصار ساحق، إذ تشعر باكستان أنها تمكنت من الحصول على صفقة مواتية تبدو متزامنة مع أهدافها الاستراتيجية في كابول.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أهداف باكستان في أفغانستان، التي وجهت أفعالها ورعايتها المستمرة للجماعات الإرهابية، وغيرها من الفاعلين من غير الدول. ولا شك في أن باكستان تبدو مهووسة بالرغبة في اكتساب عمق استراتيجي في أفغانستان. فقد صاغ الجيش الباكستاني ومعه وكالة المخابرات التابعة له، وأجهزة المخابرات، سياسة العمق الاستراتيجي وقام بتنفيذها بأواخر الثمانينياتحتى التسعينيات، عندما دعمت طالبان بقوة. وحتى الآن، فإنهم يؤمنون بعمق بالسيطرة القوية على أفغانستان، ذلك أنه لم تكن سياسة اكتساب عمق استراتيجي منطقية أو قابلة للحياة لباكستان في أي مرحلة. إذ يعتبر تبنيها لمبدأ العمق الاستراتيجي، ومن ثم محاولة السيطرة على أفغانستان، على نطاق واسع من قبل المفكرين العقلانيين داخل باكستان والمجتمع الدولي، أمرًا خاطئًا من الناحية الاستراتيجية، وهو ما سهّل انجراف باكستان نحو التطرف، ومنعها من اللجوء لخيار تغيير استراتيجيتها وفقًا لحساباتها وبدائلها الخاصة بها. ففي تصور باكستان، سمحت سياسة العمق الاستراتيجي لها بالحفاظ على توازن تقليدي ضد الهند. ولكن من ناحية أخرى، أدت هذه السياسة إلى رد فعل سلبي في شكل تشدد وتطرف مكثف في باكستان. وقد كان هناك تغيير في المصطلحات المتعلقة بسياسة باكستان في أفغانستان، وعلى الرغم من أن مصطلح “العمق الاستراتيجي” لم يعد يستخدم في الوقت الحالي، فإن المحصلة النهائية تبقى دون تغيير على نطاق واسع.
إن مساعي باكستان للسيطرة والنفوذ في أفغانستان تبدو مدفوعة بالعديد من الدوافع التي يبدو أنها من غير المحتمل أن تتغير، حيث تشمل ما يلي:
أولاً: قضية الحدود بين أفغانستان وباكستان القائمة على أساس الخلاف حول خط “دوراند”، الذي يفصل بين المناطق القبلية الباكستانية “باختونخوا” عن أفغانستان. إذ لم يقبل أي نظام أفغاني، بما في ذلك حكومة “برهان الدين رباني” في منتصف التسعينات، بشرعية الحدود التي رسمها البريطانيون عام 1893 وما يسمى بخط “دوراند”.
ثانيًا: واجهت باكستان قضية القومية البشتونية التي غيرت البشتونستان المنفصلة منذ أربعينيات القرن الماضي. وبالتالي، فإن السيطرة والتأثير على أفغانستان من قبل حكومة يسيطر عليها البشتون، التي ترتبط بطالبان بشكل أساسي، من شأنه أن يقلل الإقبال، داخل باكستان على البشتونستان المنفصلة، ويخضع البشتون الباكستانيون لسيطرة المؤسسة.
ثالثًا: استخدمت باكستان الأراضي الأفغانية كملاذ آمن لتدريب الجماعات الإرهابية، مثل: “حركة المجاهدين”، و”جيش محمد”، و”جماعة عسكر طيبة”، ابتداء من أواخر الثمانينيات.
رابعًا: ترى باكستان أن وجود حكومة موالية لباكستان في أفغانستان أمرٌ ضروريٌ لتقويض النفوذ الهندي في أفغانستان.
وفي الوقت الحاضر، فقد حقق الاتفاق الذي وُقِّعَ بين الولايات المتحدة وطالبان، فوائد دبلوماسية ومالية واستراتيجية لباكستان. إذ إنها تعتز بإحياء الدعم الأميركي والاعتراف بدورها كـ”مسهل” للصفقة. ومن المؤكد أن باكستان تعتبر طالبان شريكًا موثوقًا به مقارنة بالقيادة السياسية المنكسرة في أفغانستان، التي لديها علاقة جيدة مع الهند. فقد تبادل المبعوث الأميركي الخاص للمصالحة الأفغانية، “زلماي خليل زاد”، ووزير الخارجية الأميركي “مايك بومبيو”، الملاحظات مع وزير الخارجية الهندي، “إس جايشانكار”، حول الوضع في أفغانستان مع التركيز على مشاركة الهند في الشؤون الإقليمية من أجل سلام دائم في أفغانستان.
ومع ذلك، تبقى حقيقة أن نيودلهي ستكون مقيدة في موقعها للعب دور في أفغانستان بالنظر إلى كيفية اعتماد طالبان على باكستان. وغني عن القول أن سياسة إسلام آباد في أفغانستان من غير المرجح أن ترحب بدور هندي كبير في أفغانستان. وهكذا، فعلى الرغم من أن نيودلهي تبدو ملتزمة بالدور التنموي المستمر في أفغانستان، فإن مسار الأحداث في أفغانستان سيقرر مواقف الهند المستقبلية.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مؤسسة دراسات السلام والصراع
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر