سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عساف المسعود
في إطار جائحة كورونا التي وصفها “هنري كيسنجر” بأنها أشبه بإطلاق النار العشوائي في ساحة المعركة، وغير المبالي لمن هو عدو وحليف، تعاملت المملكة العربية السعودية بمعايير عالية وصارمة على المستوى الصحي والوقائي بدافع أخلاقي عبرت أصداؤه العالم، واخترقت كثيرًا من دوائر صانعي السياسات والشعوب، وهذا ما لاحظناه منذ توسع دائرة الوباء عالميًا من اتصالات دولية للتنسيق مع المملكة والاطلاع على تجربتها.
من المؤكد أن المملكة في هذا الجو الدولي الذي تنزف فيها اقتصادات كبيرة، قادرة على الوصول لمقاربة اقتصادية مرنة ومتماسكة تضمن تجاوز المرحلة بأقل الخسائر وكثير من الانتصارات، إذ تجلى ذلك بوضوح في استباقها لانتشال الأسواق النفطية وتحذيرها المبكر للدول المنتجة للبترول بخفض العرض، مما يعطيها الريادة في فهم المرحلة والتعامل معها بكفاءة عالية.
وفي قراءة لحديث معالي وزير المالية محمد الجدعان، على قناة العربية، حول صحة اقتصاد المملكة ونموذجه المالي، وقدرته على مواجهة هذه الجائحة، وأسئلة عدة تجول في مخيلة المواطن والمستثمر، وأعضاء مجالس إدارات الشركات، يمكن الخروج بعدة نقاط:
المملكة العربية السعودية والنقد “Cash” وجائحة كورونا:
تترد عبارة انخفاض صافي الأصول في الميزانية لانخفاض عدة أصول فرعية منها النقدية، وصافي الأصول الأجنبية من عملات، وهذا يؤكد أن المملكة كانت – وما زالت – تتخذ خطوات ناجحة بربط الريال بالدولار، وعدم ربطه بسلة عملات، بالإضافة إلى قدرة المملكة على سد هذا العجز الذي تسببت فيه هذه الجائحة لوجود وفرة من الاحتياطات النقدية.
وحرصًا من المملكة على صافي الأصول في ميزانيتها، أصدرت سندات دولية ومحلية مما انعكس إيجابًا على نسبة الودائع في البنوك السعودية. وتقود المملكة بشكل متأنٍ وبخطوات ثابتة غير متعجلة السياسة النقدية، فهي تبحث عن توازن بين خيار طرحها للسندات والاقتراض في معالجة هذا الانخفاض.
المستثمر والمشاريع الصغيرة والمتوسطة:
اتخذت المملكة قرارًا بدفع رواتب 60% للقطاع الخاص، وهو أكثر بند مكلف لتسرب التدفقات النقدية منه، وسط تراجع للإيرادات بسبب جائحة كورونا ذات التأثير العالمي الذي تسبب هو أيضًا بتراجع إيرادات كبرى الشركات في العالم مثل شركة آبل، التي تحفظت للحظة على إصدار النتائج المتوقعة للربع القادم.
بالمقابل ذكر معالي وزير المالية: أن المملكة اتخذت إجراءات سريعة لسلامة القطاع الخاص، وأنها ملتزمة باستدامة خطتها التنموية وإحداها رفع الإيرادات غير النفطية، وخلق بيئة استثمارية جاذبة.
وفي هذا الإطار، يعطينا السوق المالي السعودي مؤشرًا ضمنيًا، إذ ارتفع سوق الأسهم السعودية “تداول” بشكل ملحوظ خلال شهر أبريل 2020، ليصعد المؤشر العام للسوق “تاسي” بنسبة 9,34%.
كثير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة قد يلحق بها أضرار استثنائية، إلا أن مثل هذا الضرر استعدت السعودية لمواجهته بجميع أجهزتها الحكومية، متمثلاً ذلك في قرار خادم الحرمين الشريفين برفع منع التجول الجزئي، لمحاولة استعادة الحياة العامة والأسواق والأنشطة التجارية، وإجراءات عديدة تتخذها وزارة التجارة في تنظيم سير عمل القطاع الخاص.
الدين العام ورفاهية المواطن:
قالت “رويترز” إن وكالة “موديز” خفضت التصنيف الائتماني إلى السلبية، إلا أنها تؤكد على أن تصنيفها هو A1. وعن سبب هذا التخفيض، قالت الوكالة، إن هذا بسبب تنامي المخاطر التي أحدثها فيروس كورونا، وهو تأكيد على ما أكده وزير المالية، فمن ضمن ما ذكره معالي وزير المالية هو أن المملكة رفعت من مستوى المخاطر، وذلك كسياسة مالية واقتصادية لمواجهة هذه الجائحة.
بالإضافة إلى أن تصنيف A1 يعدُّ عاليًا وقويًا، ومن الناحية الأخرى تقود المملكة في هذا العام مجموعة العشرين الاقتصادية، وهذا يعطي مؤشرًا مريحًا للمستثمرين حيال ملاءة المملكة المالية وقوتها الاقتصادية على مواجهة هذه الأزمة.
وعن العجز المعلن، أعرب معالي وزير المالية عن اتخاذ المملكة إجراءات صارمة بتخفيض النفقات التي لا تمس حياة المواطنين والخدمات المقدمة لهم، إنما تخفيض النفقات سيطال المشاريع القابلة للتأجيل، وبنود السفر والانتدابات لعدم جدواها أثناء إغلاق العالم لمطاراته وإجراءات منع التجول. وهذا يترك انطباعًا أن اختيار مثل هذا البند – تحديدًا – يعكس حرص القيادة الرشيدة على عدم المساس بدخل الفرد، وهو إجراء قد يتخذه القطاع الخاص، اقتداء بالسياسة المالية الحكومية.
من جهة أخرى، توضح مثل هذه الإجراءات استمرار المملكة في الحفاظ على مستوى عالٍ من جودة الحياة ومستوى عالٍ من رفاهية المواطن. هذا الإجراء الذي يترك انطباعًا أن المملكة العربية السعودية تُعِير هدف الاستدامة الاقتصادية اهتمامًا ملحوظًا، وهذا ما يخلق طمأنينة في الأسواق العالمية، ولدى المستثمرين، فالقوة الشرائية المدفوعة بمستويات نمط جودة الحياة في المملكة تشجع على الاستثمار كونها تواجه هذه الجائحة من موقع قوة كما ذكر معالي الوزير.
يتخذ مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قرارات مهمة وبشكل ثابت وسريع تعكس روح القيادة الحكيمة والشابة التي تتسابق على تذليل الأزمات وتطوعيها لصالحها، فالحديث المتداول اليوم يدور حول استثمارات “صندوق الاستثمارات العامة” واقتناصه للفرص، مما يعكس كذلك أهمية مبدأ الاستدامة لدى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
كاتب وباحث أكاديمي سعودي*
@AlmsaudAssaf
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر