سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جيمس م. دورسي
تتصرف الولايات المتحدة وإيران، بناء على تصورات تجاه بعضهما البعض، حيث تبدو تلك التصورات كما لو كانت منقوشة على الحجر، فمسار التصادم يمكن أن يكون لها عواقب ضارة على دول المنطقة. كما تتفاقم مخاطر ذلك من خلال تبني كل واحد منهما لسياسات واستراتيجيات تستند إلى تقييمات خاطئة تجاه الآخر.فقد خاضت الولايات المتحدة وإيران حوارًا مثيرًا أشبه بحوار الطرشان على مدار العقود الأربعة الماضية.وهو الحوار الذي دفع البلدين إلى حافة الحرب في يناير بعد هجمات متبادلة مع عواقب مدمرة محتملة لدول المنطقة.وقد تُوِّجت حال الانتقام بقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني الذي كان يُعتقد في البداية أنه قوة الردع الإيرانية.
إن الحديث عن الماضي يزيد من خطر خروج الأوضاع مرة أخرى عن السيطرة.فالحكومتان الأميركية والإيرانية المتعاقبة هما المذنبتان حتى لو حاول الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الإيراني حسن روحاني تغيير مسار التاريخ باتفاقية دولية عام 2015 كانت تهدف إلى كبح طموحات إيران النووية.لكن الاتفاق فشل في مراجعة عدم الثقة المتأصل، بما في ذلك تصورات الولايات المتحدة بأن إيران تسعى لزعزعة استقرار الشرق الأوسط ونشر الأذى الإقليمي وقناعة إيران بأن الإدارات الأميركية المتعاقبة وحلفاءها الإقليميين تسعى لتغيير النظام في طهران.
وبمرور الوقت أصبح الوباء العالمي ساحة قتال إيرانية أميركية أخرى يقود فيها كلا الجانبين تصورات بعضهم البعض بدلاً من توفير الإرادة لخلق فرص أفضل لكسر حالة الجمود الراهنة.وقد تعززت هذه التصورات ليس فقط برفض الولايات المتحدة تخفيف العقوبات القاسية، ولكن أيضًا برفض بعض الدول شحن الإمدادات الطبية إلى إيران ومحاولة الأخيرة استخدام الوباء للضغط على واشنطن وتأمين التمويل والمساعدات من صندوق النقد الدولي .(IMF)ويزداد هذا الانقسام تعقيدًا من خلال حقيقة أن المفاهيم الخاطئة قد توغلت في نسيج مجتمعات السياسة الخارجية في كلا البلدين، والتي تؤدي إلى توصيات سياسية من المحتمل أن تستند إلى تحليل إشكالي.فقد أثر مقتل “سليماني” على كل شيء، لكنه أرسل رسالة تحذير لإيران بأنها تلعب بالنار.لكن المهم الإشارة إلى أن الاستراتيجية الإيرانية بعد فشلها في البداية في الضغط على إدارة ترمب لعكس انسحابها من الاتفاق النووي لعام 2018 أصبحت بالفعل تتمحور حول “اللعب بالنار”.
فقد كثفت إيران في نهاية الأسبوع الماضي دوريات القوارب السريعة التابعة للحرس الثوري في الخليج بعد أن حذرت الولايات المتحدة من وجود “أساليب خطيرة ومضايقة”.وسواء كان الأمر صحيحًا أم خطأ، فمن المرجح أن تعتقد إيران أنها استراتيجية ربَّما لم تحقق هدفها الرئيس حتى الآن لكنها حققت نتائج ملموسة.
ويبدو أن إيران لا تزال ترى أن إجبار القوات الأميركية على الانسحاب من العراق لا يزال أمرًا قابلاً للتحقيق، لكن عملية الانتشار الأخيرة للقوات الأميركية تفسر تراجع أعدادها في العراق كخطوة متقدمة في هذا الاتجاه.
فالولايات المتحدة تقول إن إعادة الانتشار كان مخططًا لها قبل تأكيد الرئيس دونالد ترمب على أن إيران كانت تخطط “لشن هجوم” ضد القوات الأميركية.وكانت إيران تعمل العام الماضي على إحداث تصعيد تدريجي ينطوي على هجمات ضد أهداف أميركية في العراق، بالإضافة إلى بعض منشآت البنية التحتية الوطنية في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وذلك في محاولة لجعل المنطقة على حافة الحرب.
واقتناعًا منهم بأن لا الولايات المتحدة ولا إيران لا تريد حربًا، يأمل بعض القادة الإيرانيين في أن يفتح ذلك التوتر المتزايد الباب أمام العودة إلى طاولة المفاوضات.وإذا كان ذلك صحيحًا، فإنه سيثير الشك في التوصيات بأن الولايات المتحدة يجب أن تتبنى استراتيجية ردع ضد إيران، وهنا يمكن الإشارة إلى محاولة إسرائيل الناجحة لدفع القوات المدعومة من إيران في سوريا بعيدًا عن حدود الدولة اليهودية.
وإشارة إلى ذلك، قال مركز “الأمن الأميركي الجديد” في تقرير نشره الأسبوع الماضي إن نحو 200 غارة جوية ضد 1000 هدف “أبطأت الحشد العسكري الإيراني في سوريا مع تجنب اشتعال المنطقة على نطاق أوسع كان يمكن أن يضر بمصالح إسرائيل”.
وتكمن المشكلة في أن مقارنة السياسة الإيرانية تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل تساوي مقارنة التفاح بالكمثرى. فلا مصلحة لإيران في دفع إسرائيل نحو المفاوضات، حيث لا تريد المخاطرة بحرب شاملة.وبعبارة أخرى، قد تجد إسرائيل أن بإمكانها ردع إيران أسهل بكثير من الولايات المتحدة. ومن المرجح أن تخدم الهجمات الأميركية المتصاعدة على أهداف إيرانية، بخلاف الضربات الإسرائيلية، الهدف الإيراني المباشر.
ذلك أن الوضع على الأرض يبدو معقدًا ليس فقط بسبب إعادة تنظيم القوات الأميركية في العراق، ولكن أيضًا نتيجة للديناميكيات السياسية الداخلية للبلاد.
فقد أدى مقتل سليماني وأبو مهدي المهندس، وهو قائد عراقي توفي إلى جانب سليماني، إلى إبراز الخلافات بين الميليشيات الموالية لإيران في العراق. حيث كان الرجلان شخصيتين محوريتين في إبقاء المليشيات في الخط.ففي حين تطالب بعض الميليشيات بدمجها في الجيش العراقي، يريد البعض الآخر مواصلة العمل بشكل مستقل وإن كان ذلك في ارتباط وثيق مع الجيش، ومع ذلك قامت أطراف أخرى بتشكيل تحالفات مع الشبكات الإجرامية.
وبشكل عام، لا يشير الكثير من المؤشرات إلى أن التوترات الأميركية الإيرانية يمكن تقليلها بدون الإرادة السياسية لإعادة النظر في تصوراتهم تجاه بعضهم البعض. فقد يكون ذلك أمرًا صعبًا بالنظر إلى أن الاتفاق النووي فشل في خلق انفتاح حقيقي.ومع ذلك، حتى من دون الانفتاح، سيكون من الأفضل لكل من الولايات المتحدة وإيران إلقاء نظرة فاحصة على تصوراتهما في محاولة لتقييم خياراتهما بشكل واقعي.
فالولايات المتحدة وإيران في طريق تصادمي لأنهما تملكان تفسيرات مختلفة جدًا للواقع، حيث وجدت واشنطن التي بنت مذهبها حول مكافحة تهديد عالمي من الاتحاد السوفياتي لنفسها الحرية المطلقة في التعامل مع ظاهرة إقليمية مثل إيران فيما بعد الثورة، حيث يمكن للولايات المتحدة إصابة إيران، ولكن من غير المرجح أن تكون قادرة على المساومة على نفوذ إيران الإقليمي، كما يقول الخبير الاستراتيجي والباحث في الشرق الأوسط “روس هاريسون”.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: إنسايد إريبيا
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر