كوفيد - 19 في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي | مركز سمت للدراسات

تأثير “كوفيد – 19” في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 21 أبريل 2020

باربرا فيك

 

قلةٌ من البشر سوف يفلتون من التأثيرات الكبيرة لوباء” كوفيد – 19″ العالمي. فأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي ليست استثناء. فالأزمة وقعت في وقت يتسم بالاستقرار النسبي، لكنه هشٌّ في هذه المنطقة. وعلى هذا النحو، فإن الديمقراطية والحكم والظروف الاقتصادية، وكذلك الديناميات الإقليمية والعلاقات الدولية مع الولايات المتحدة والجهات الفاعلة خارج نصف الكرة الأرضية، سوف تشهد تحولات كبيرة. وفي النصف الغربي من الكرة الأرضية، يمثل الوباء فرصةً وتحديًا لنفوذ الولايات المتحدة، وهو ما سيكون له تداعيات دائمة بالنسبة للنظام العالمي.

فشركاء أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، لديهم قدر من الاستقرار النسبي الهش.

ففي بداية عام 2020، كانت العلاقات الأميركية مع دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في حالة صعود، وبدت المؤسسات الديمقراطية في المنطقة على قدرٍ من تحسن. حيث بدأ “المد الوردي” أو الابتعاد عن الولايات المتحدة من قِبَل حفنةٍ من الدول في المنطقة التي اتبعت قيادة الدكتاتور الفنزويلي “نيكولاس مادورو” من خلال اعتماد سياسات وإصلاحات غير ديمقراطية بشكلٍ متزايد (أي البرازيل والأرجنتين وإكوادور وبوليفيا)، في التراجع. ففي السنوات الخمس الماضية، أنتخبت هذه البلدان القادة من خلال العمليات الديمقراطية وكانت تسعى إلى تجديد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية مع الولايات المتحدة أو تجديدها.

وفي ديسمبر 2019 ويناير 2020، ركزت التوقعات الاقتصادية لأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي على نموٍ بطيءٍ، حيث شهدت العديد من الاقتصادات بعضًا من أدنى معدلات النمو منذ الأزمة المالية العالمية عامي 2008-2009. ولم تكن التوقعات ممتازة، لكنها كانت أفضل مما كان متوقعًا في السابق. وعلى الرغم من الاتجاهات الإيجابية في الحكم الديمقراطي والنمو الاقتصادي، كشفت الاضطرابات الشعبية في المنطقة عن إحباط عام واستياء من عدم قدرة الحكومات على تلبية التوقعات المتزايدة.

على الجانب الآخر، فإن تحسين المؤشرات الاقتصادية لم يُتَرجم إلى ظروفٍ محسنةٍ لغالبيةِ السكان. ويبدو أن التسامح مع استمرار عدم المساواة والفقر وضعف المؤسسات، إلى جانب فضائح الفساد على مستوى المنطقة (التي تمَّ الكشف عنها في العديد من الحالات من خلال تحسين الشفافية والتنظيم)، قد وصل إلى حافة الانهيار في النصف الثاني من عام 2019.

وقد كان الاضطراب في عدة بلدان، ليس فقط في فنزويلا ونيكاراغوا وبوليفيا، ولكن أيضًا في دول أكثر استقرارًا، مثل الإكوادور وبيرو وكولومبيا وشيلي، سببًا لبعض المخاوف على الديمقراطية في المنطقة، مما قوَّض ثقة المستثمرين وأدى إلى تدهور التوقعات الاقتصادية. وكان الاضطراب في تشيلي، بشأن الاحتجاج على أسعار مترو الأنفاق ملحوظًا بشكل خاص، حيث يُنظر إلى هذا البلد بشكلٍ عام على أنه نموذج للاستقرار الديمقراطي في المنطقة.

وتشمل المجالات الأخرى المثيرة للقلق استمرار ديكتاتورية فنزويلا، والأزمة الإنسانية الناجمة عن فرار ما يقرب من خمسة ملايين لاجئ فنزويلي (1.7 مليون منهم يتركزون في كولومبيا)، والوجود المتزايد بسرعة وتأثير الجهات الفاعلة خارج نصف الكرة الغربي وغير الديمقراطي، مثل جمهورية الصين الشعبية والاتحاد الروسي.

لقد كانت المخاوف حول “كوفيد – 19” بطيئة في حركتها في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، حيث تأخر تطور الوباء في أوروبا وأميركا الشمالية. وقد تفاوتت الاستجابات الوطنية الأولية من حيث السرعة والنطاق، بدءًا من تدابير الاحتواء والتخفيف الصارمة المبكرة إلى التجاهل الذي يبدو أنه غافل عن العواقب الوخيمة للوباء.

ويقارن المحللون الإجراءات السابقة التي اتخذتها السلفادور، والتي قيدت الرحلات الجوية في 25 يناير قبل حدوث أي حالات في ذلك البلد، مع تصرفات القادة في نيكاراغوا والمكسيك والبرازيل. ففي نيكاراغوا، دعا الرئيس إلى تنظيم مسيرات عامة ضد الفيروس التاجي. وفي المكسيك، أصرَّ الرئيس على عقد وحضور التجمعات العامة، حيث عانق المشاركون وقبَّلهم، متجاهلاً توصيات خبراء الصحة الدوليين.

وقد استبعد زعيم البرازيل علنًا ​​هذا الوباء باعتباره خدعة زائفة، على الرغم من أن أحد الموظفين المقربين كانت نتائج تحليله إيجابية. وبحلول منتصف شهر مارس، بدأت معظم دول المنطقة في تبني الإجراءات التي أوصى بها خبراء الصحة، بما في ذلك حظر الرحلات الجوية من الدول الرئيسية، وحظر التجمعات العامة الكبيرة، ووقف الدراسة. ولم تكن السياسات والاستجابات الحكومية متفاوتة في جميع أنحاء المنطقة فحسب، بل كان هناك تعاون إقليمي ضئيل أو معدوم لمعالجة الوباء، الذي أصاب ما يقرب من 45 ألف شخص في المنطقة (حيث يتوفر الاختبار).

التأثير الإقليمي

من المتوقع أن تكون تأثيرات فيروس “كوفيد – 19” على الاقتصاد العالمي أسوأ من آثار الأزمة المالية عامَي 2008-2009، وفي أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، حيث يعيش 30٪ من السكان تحت خط الفقر ويعيش ما يقرب من 12٪ في أقصى درجات الفقر، ستكون الآثار كارثية. وستشكل هذه الأزمة التحدي الأكبر في قطاع الصحة، حيث لا تزال هناك تغطية محدودة في الحصول على الرعاية الصحية، ولا سيما بالنسبة لأفقر سكان المنطقة وسكان الريف.

وكما هو الحال في أي مكان آخر، من غير المحتمل أن تُلبِّي سعة المستشفى الطلب على هذا الوباء. وفي فنزويلا وهايتي وهندوراس، لا تبلغ نسبة الأسِرَّة إلى المرضى حتى سرير واحد لكل ألف مريض. والنسبة في كولومبيا وبيرو والمكسيك فإنها تصل لأقل من سريرين. وفي فنزويلا، تزداد الأزمة الإنسانية القائمة بالفعل وانعدام الرعاية الصحية سوءًا إلى الحد الذي عرض فيه نظام “مادورو” العمل مع رئيس المعارضة “خوان غوايدو” لمواجهة الوباء. وستكون الأزمة الإنسانية الفنزويلية صعبة بشكل خاص بسبب الاقتصاد العالمي، وانخفاض أسعار النفط، ومحدودية موارد الجيران لمساعدة ومواصلة استيعاب أفقر سكان فنزويلا وأولئك الذين يبحثون عن رعاية طبية غير متوفرة في فنزويلا.

ولن تكون الآثار الاقتصادية بعيدة المدى وطويلة الأمد للمنطقة فحسب، ولكن من المحتمل أيضًا أن يتطلب التعافي المساعدات الوافدة من الخارج. ومن المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي على الأقل -1.8٪. وستشهد صادرات السلع والسياحة، من بين مصادر الدخل الرئيسية لأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، صدمات كبيرة. وسيتم مقاطعة صناعة السياحة وقطاعات الإنتاج والتصنيع، حيث ستنخفض أسعار السلع والطلب عليها من دول مثل الصين وروسيا وستنخفض قيمة العملات.

ويحذر الخبراء الاقتصاديون من احتمال زيادة عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع من 57.4 إلى 90 مليون. ومع وجود مستويات عالية بالفعل من عدم المساواة والفقر، ونسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي أعلى مما كانت عليه في عام 2008، والقدرة المعاكسة على التقلبات الدورية للاستجابة، فإن عدم اليقين بشأن مدة الوباء وصدمات الطلب الداخلي ستغرق أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في أزمة اقتصادية. لكن المنطقة لن تتعافى بسرعة من هذه الأزمات الإنسانية والاقتصادية دون مساعدة خارجية.

الآثار الطويلة الأجل على الولايات المتحدة

في حين أن الولايات المتحدة هي الدولة المانحة والشريكة التقليدية خلال الأزمات في نصف الكرة الغربي، إلا أنها تبدو منخرطة بالكامل داخليًا لمواجهة جائحة “كوفيد – 19”. إن قدرة سفن البحرية الأميركية التي ترسو في مدينة نيويورك ولوس أنجلوس، التي كانت رمزًا سابقًا للمساعدة الأميركية للدول الأخرى الأقل قدرة في الأزمات، باتت عاجزة على الوصول إلى مراسيها.

وفي حين أن قانون مكافحة فيروسات كورونا، والإغاثة، والأمن الاقتصادي يتضمن تمويلاً متواضعًا من المساعدات الخارجية المتراخية والتصاريح المعلقة للمؤسسات المالية الدولية لدعم الاستجابة الدولية، إلا أن التركيز على الأزمات والاستجابة المحلية طغى عليه. وقد لا ترى المنطقة أن الولايات المتحدة قادرة على أن تكون مصدرًا للمساعدة.

علاوة على ذلك، مكّنت الجوانب المتناقضة من الرسائل العامة الأميركية الموجهة للجهات الفاعلة الحكومية لتحذيرها من الانخراط في حملات التضليل التي تقوض مصداقية الولايات المتحدة، وتعزيز الروايات التي لم تعد الولايات المتحدة رائدة عالميًا، وتعتبرها على أنها مصدر الفيروس التاجي. أمَّا بخصوص الحالة الصينية، فيمكن التركيز على قصة التفوق الصيني في التعامل مع الأزمة الصحية، إلى جانب تقديم عروض المساعدة الإنسانية التي تأتي عادة من الولايات المتحدة لتشمل الأقنعة وأجهزة التنفس.

ومن الأمثلة على ذلك زيارة السفير الصيني إلى الرئيس الأرجنتيني “ألبرتو فرنانديز” في أواخر شهر مارس لمناقشة مثل هذا العرض الذي رحبت به حكومة “فرنانديز” بحماس. فالصين تستفيد حاليًا من إنتاجها من المعدات الطبية وخبرتها في التعامل مع الفيروس التاجي كأداة ذات قوة ناعمة في مناطق مثل أميركا الجنوبية، حيث تكتسب نفوذًا متزايدًا تجاه الولايات المتحدة.

وكما يلاحظ أحد التقارير، أن الولايات المتحدة قد وفرت ما يقرب من 274 مليون دولار من تمويل المساعدة الخارجية لأكثر البلدان المعرضة للخطر، إلا أنها لم تبذل حتى الآن جهودًا مركزة لتنسيق المساعدة مع الحكومات الإقليمية، ويبدو أن قدرة الولايات المتحدة على مواجهة الرسائل الصينية غائبة حتى الآن.

إن مواجهة جائحة “كوفيد – 19” في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي تتطلب استجابة ومساعدة متعددة الأطراف لإدارة الأزمة والتعافي منها. فلطالما كانت الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي قدمت مساعدة كبيرة وقادت الجهود الإنسانية المتعددة الجنسيات وجهود الاستجابة للأزمات في نصف الكرة الغربي. فلأول مرة منذ القرن التاسع عشر، توجد قوى إضافية في نصف الكرة الأرضية وتتحدى النفوذ والسلطة الأميركية بطريقة مهمة، وتتجه نحو أداء دور قيادي. وقد يكون لهذا التحدي لموقف الولايات المتحدة وتأثيرها في نصف الكرة الخاص بها أهم الآثار طويلة المدى للولايات المتحدة كقوة عالمية.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: معهد أبحاث السياسة الخارجية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر