استراتيجية بوتين الاقتصادية لمواجهة كورونا | مركز سمت للدراسات

استراتيجية بوتين الاقتصادية لمواجهة فيروس كورونا

التاريخ والوقت : الجمعة, 17 أبريل 2020

فلاديسلاف إنوزيمتسيف

 

جاء الخطابان الأخيران للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للأمة، في يومي 25 مارس و2 أبريل، بعد أسابيع من تعرض اقتصاد البلاد لوباء “كوفيد ــ 19” العالمي وانخفاض أسعار النفط. وبعد الخطاب الأول، لاحظ المراقبون أن التأخير كان مشابهًا لتأخير جوزيف ستالين في عام 1941، عندما انتظر ما يقرب من أسبوعين لإجراء أول خطاب إذاعي له بعد أن غزت القوات النازية الاتحاد السوفييتي. وأثير السؤال: لماذا جاء هذا التأخير؟ ولماذا لم يتخذ بوتين أي إجراءات متماسكة لاحتواء الفيروس وعلاج الاقتصاد الروسي المتعثر؟

لم يكن عنوان بوتين الأول متوقعًا حتى صباح يوم إلقاء الخطاب. فقد كان من المفترض أن يكون في سانت بطرسبرغ لممارسة عمله الاعتيادي، لذلك لم يتمكن من تسجيله في الكرملين. ومن المعتقد أن العنوان، بالإضافة إلى سلسلة الإجراءات الكاملة التي تمَّ تنفيذها منذ ذلك الحين، كان نتيجة لصراع شرس داخل القيادة الروسية. فقد كان بعض القادة يتشاورن من أجل إعلان حالة الطوارئ والحجر الصحي الكلي على الصعيد الوطني، بما في ذلك إغلاق المدن الكبيرة مثل موسكو (التي تمثل حاليًا 65.6% من جميع حالات الإصابة المسجلة في روسيا).

بينما كان آخرون يخشون من أن تهدد هذه الإجراءات الاستقرار الاقتصادي والسياسي للبلاد. في حين يبدو أن المجموعة الأولى هي التي انتصرت في ذلك الجدل، فقد اختار بوتين عدم اتخاذ أية خيارات نهائية في الخطاب، والتي أعلنها في الثلاثين من أبريل، ولم يكن ذلك يعني شيئًا على الإطلاق. فقد تمَّ إغلاق المدارس ودور السينما والمراكز الرياضية وصالونات التجميل ومراكز التسوق الكبيرة والمطاعم والمقاهي، كما تمَّ حث المواطنين على البقاء في منازلهم. لكن هذا “العزلة الذاتية” لا يعني أن الدولة ستعوض المواطنين أو الشركات عن الخسائر المتكبدة بسبب اللوائح الحكومية المقيدة.

لقد ركز الخطاب الرئاسي الأول على الإجراءات الاقتصادية التي بدت مخيبة للآمال، بينما لم يضف الخطاب الثاني شيئًا إلى القائمة التي أعلنها في الخطاب الأول. فقد وعد بدفع مكافآت لقدامى المحاربين في الحرب العالمية الثانية، والذين لا يزال عدد قليل منهم على قيد الحياة، في أبريل وليس في مايو، بالإضافة إلى صرف إعانات للأطفال حديثي الولادة في يونيو، بدلاً من يوليو.

كما أعلن بوتين أنه سيتم رفع الحد الأدنى من إعانات البطالة من المبلغ الشهري المعمول به حاليًا 110 دولارات إلى 170 دولارًا. لكن ما ينبغي علينا أن نضعه في اعتبار أن أقل من 660 ألف روسي (0.45% من سكان البلاد) عاطلون عن العمل رسميًا؛ فالأشخاص الذين يصبحون مرضى أو عاطلين عن العمل سيتم تأجيل سداد قروضهم؛ وكذلك الشركات التي “هي الأكثر تضررًا من الوباء”، وهو ما يعني أن الوضع لا يزال يتسم بقدر من الضبابية، حيث يمكن أن تؤخر مدفوعات الضرائب لمدة تتراوح بين ستة وتسعة أشهر.

وقد أعلن بوتين أيضًا أن جميع الموظفين الذين يحصلون على إجازة شهر ونصف الشهر يجب أن يتم دفع أجورهم بالكامل، لكنه لم يذكر ما إذا كانت الدولة ستعوضهم عن الوقت الضائع، لذلك من المفترض أن يكون أصحاب الشركات ملزمين بذلك أيضًا. وبسبب حالة الطوارئ، يجب تسهيل إجراءات تسجيل الإفلاس. فإذا كنا نملك شركات، فسيكون هذا هو الخيار الأفضل من خلال إرسال الوكلاء إلى منازل مسؤولي الشركات والبدء في إجراءات الإعسار. والآن، يبدو أن ذلك هو الخيار الوحيد المتاح لأصحاب الأعمال المغلقة، وكذلك الوكالات السياحية أو المطاعم الصغيرة أو النزل أو المحلات التجارية التي ليست معفاة من دفع الإيجار.

وفي خطابه أضاف بوتين أن الشركات يمكنها الحصول على قروض صغيرة من البنوك لتعويض الخسائر التي تصيب أعمالها. ومع ذلك، يبدو أن أكثر من 30% من كافة رجال الأعمال قرروا بالفعل إجبار العاملين على إجازة غير مدفوعة الأجر، في حين أن 20% آخرين ربَّما يفعلون نفس الشيء الأسبوع المقبل. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن ما يقرب من ثلثي الروس لا يمتلكون أي مدخرات تعينهم على حياتهم المعيشية لأكثر من أسبوعين.

وأخيرًا، ذهب بوتين إلى أبعد من ذلك بكثير في الوعود التي قدمها، حيث أعلن أنه يجب تخفيض المساهمات في صناديق الضمان الاجتماعي من 30% إلى 15% من إجمالي الأجور لجميع الشركات الصغيرة والمتوسطة إذا تجاوزت أجور الموظفين الحد الأدنى للأجور الطبيعية، وهو ما يسري على جميعهم في نفس الوقت. ومن المثير للاهتمام أيضًا، أنه بعد عدة أيام، قامت الحكومة بشرح تلك الخطوة قائلة إنها لا تُخضع كافة الأجور للقواعد الجديدة، لكن جزءًا فقط منها هو الذي يتجاوز الحد الأدنى للأجور وهو 170 دولارًا. أما بالنسبة للشركات الصغيرة، فربَّما تكون الرواتب منخفضة من 250 إلى 300 دولار، وهو ما يعني مكسبًا صغيرًا جدًا، بما يضيف المزيد من الأوراق المطلوبة.

هنا يمكن الوقوف أمام ثلاث نقاط رئيسية: أولاً، كانت الفكرة المحورية لخطابَي بوتين هي تهدئة الناس. ثانيًا، لا تزال القيادة الروسية تعتقد أنه يجب عليها فقط الوفاء بالالتزامات الواردة في الموازنة العامة للدولة، و(ربَّما) صرف بعض الإعانات الإضافية للمحتاجين بينما تتجاهل مناشدات الشركات المتعثرة. ثالثًا، يراهن الكرملين على أن احتياطياته البالغة 12.8 تريليون روبل، أي ما يقرب من 11.4% من الناتج المحلي الإجمالي، يمكن أن تعالج حالة الطوارئ الاقتصادية.

بجانب بما سبق، فإن روسيا لا تزال في حالة فريدة من نوعها لأنها لم تخفض سعر الفائدة الرئيسي لبنكها المركزي (والتي تبقي حاليًا عند معدل 6%)، أو حتى الإعلان عن أنواع أخرى من دعم السياسة النقدية. فهناك فرصة ضئيلة بأن هذه الإجراءات التي أعلن عنها بوتين ستعطي دفعة كبيرة للاقتصاد الروسي في مواجهة هذا الوباء العالمي. وعليه فمن المتوقع أن موقف الكرملين سيتغير قريبًا جدًا، نظرًا لأن توقعات “ماكينزي” تشير إلى أن الاقتصاد الروسي قد ينكمش بنسبة تصل إلى 10% هذا العام، ولكن حينها يكون قد فات الأوان للتدخل.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: مركز أبحاث السياسة الخارجية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر