سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سماح رفيق
تقييد السفر وإغلاق الحدود ليست بدائل للتدابير الصحة العامة القوية في مواجهة فيروس “كوفيد ــ 19″، فقد قامت أكثر من مئة دولة بفرض قيودٍ إضافيةٍ على السفر وقامت بتشديد إجراءات مراقبة الحدود منذ اكتشاف الفيروس في مدينة ووهان الصينية في ديسمبر 2019. أمَّا الولايات المتحدة، فقيدت السفر إلى الصين في 31 يناير، وامتد الأمر لاحقًا إلى أوروبا. وسرعان ما حذت كل من اليابان وكندا ونيوزيلندا وبيرو وكينيا والعديد من الدول الأخرى حذوها.
ومع ذلك، فإن فيروس “كوفيد ــ 19” يعدُّ أزمة استثنائية للغاية، لكن يجب على الدول عدم استخدامها لتبرير قيود أكبر على حركة الإنسان. لكن هذا الفيروس ليس مشكلة الحدود الدولية، ولكنه مرض معدٍ يتجاوز أطر المؤسسات والنزاعات السياسية. فالفيروس ينتقل بين البشر، بغض النظر عن الجنسية أو العرق أو الوضع الاجتماعي أو الجنس. وهكذا، فإن التعامل مع هذا الفيروس كمشكلة الانتقال بين البشر من شأنه أن يصرف الانتباه عن الاستجابة الوبائية الفعالة والتأهب والاستعداد.
وأمام هذا الوباء، يجب على الدول تطبيق إغلاق الحدود فقط في ظروف معينة على المدى القصير، وإلا ستظهر التحديات عندما يربط القادة الوطنيون ذلك المرض بفتح الحدود.
وفي كثير من الأحيان، تتصاعد لهجة الحديث إلى خطاب شعبي بشأن التحكم في دخول الأجانب والادعاءات الكاذبة بأن الدول فقدت السيطرة على حدودها. فعلى سبيل المثال، وصف رئيس وزراء المجر “فيكتور أوربان” في 13 مارس محاربة كوفيد ــ 19 بأنها “حرب على جبهتين”، تهتم الأولى بـإشكالية الهجرة، بينما تنشغل الأخرى بأزمة الفيروس. فقد استخدمت الحكومة اليونانية الأزمة لدفع الخطط الرامية إلى نقل اللاجئين لـ”ملاجئ مغلقة”، وهي الفكرة التي انتقدتها العديد من جماعات حقوق الإنسان في الماضي باعتبار أنها تنطوي على عبثٍ بمراكز الاحتجاز. كما استخدم ترمب هذه الأزمة للترويج لأجندة بخصوص جِداره الحدودي، وفي 13 مارس غرد الرئيس الأميركي: “نحن بحاجة إلى الجدار أكثر من أي وقت مضى!”. وفي مسيرة بفبراير، في الليلة التي سبقت الانتخابات التمهيدية الرئاسية في ولاية كارولينا الجنوبية، وفي محاولة لربط فيروس “كوفيد ــ 19” بإشكالية الهجرة، أعلن ترمب: “أن السياسة الديمقراطية للحدود تشكل تهديدًا مباشرًا لصحة ورفاهية جميع الأميركيين”.
نعم، زادت العولمة من قدرة الإنسان على الحركة خلال القرن الماضي، لكن الوصول إلى المساحات الدولية لا يزال متنوعًا للأفراد، اعتمادًا على مجموعة من العوامل بما في ذلك الجنسية والعرق والدين وغيرها. فالبلدان، وخاصة المتقدمة، تجري بالفعل فحوصات واسعة النطاق للمهاجرين المحتملين وتحتفظ بقواعد بيانات واسعة للمعلومات حول المتقدمين للحصول على التأشيرة للهجرة.
إن جعل “التنقل الدولي” بمثابة “كبش فداء” خلال الاستجابة للوباء يخاطر بزيادة هجمات كراهية الأجانب على المسافرين والمهاجرين، مع الإبلاغ عن الهجمات على التجمعات الآسيوية بعد أن قام الرئيس الأميركي بوصف هذا الفيروس بأنه “الفيروس الصيني” أو “فيروس ووهان”. إن الشعارات الدعائية تعمل على إبعاد المسؤولية عن القضايا ذات الصلة مثل الاستعداد لمواجهة الأوبئة، ومرونة أنظمة الرعاية الصحية، وحاجة نيويورك لآلاف أجهزة التهوية الإضافية، والاعتماد على سلسلة التوريد وحل إدارة ترمب لمكتب الاستعداد للأوبئة التابع لمجلس الأمن القومي في عام 2018.
بجانب ذلك، فإن التعامل مع أزمة “كوفيد ــ 19” باعتباره مشكلةً للدولة القومية ينطوي على مخاطرة بالحد من التعاون فيما يتعلق بهذا الوباء بالفعل، وهو التحدي الذي يتطلب حلولاً عالمية.
ولا تزال الحدود قضايا يسهل اختراقها؛ حيث حاولت الولايات والمقاطعات فرض عمليات الإغلاق والحجر الصحي في حالات الطوارئ قبل غيرها، كما حدث مع مقاطعة “هوبي” في الصين، وشمال إيطاليا، ونيو روشيل في الولايات المتحدة، وأجزاء من ولاية كيرالا في الهند. ويمكن أن يؤدي الإغلاق المفاجئ إلى استجابات سريعة وتدفق غير منظم للأفراد، مما يؤدي إلى تفاقم الكارثة.
فعلى سبيل المثال، أعلنت الحكومة الأميركية فرض قيود على السفر لمنطقة “شنغن” الأوروبية في 13 مارس دون الإفصاح عن أي تفاصيل، مما ترتب عليه اندفاع جنوني للركاب الذين يحاولون العودة إلى منازلهم والانتظار لفترة طويلة في المطارات الأميركية المزدحمة. وقد دفعت هذه الظروف الفوضوية أكثر لانتشار الفيروس بدلاً من تسهيل احتوائه.
كما ارتكبت الهند الخطأ نفسه، إذ أعلن رئيس الوزراء “ناريندرا مودي” عن إغلاق وطني للبلاد البالغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة في 24 مارس، من خلال بيان لمدة أربع ساعات قال فيه إنه “سيكون هناك حظر تام على مغادرة منازلكم”. وقد ازدحم عشرات الآلاف من أصحاب الأجور والعقود اليومية في الشوارع، متلهفين لعبور الحدود بين الولايات في الهند، وكان لديهم حرص على العودة إلى المدن والقرى التي ينتمون إليها، وازدحم الناس خارج المتاجر المحلية لضمان حصولهم على الإمدادات اللازمة خلال فترة الإغلاق لمدة ثلاثة أسابيع.
في كلتا الحالتين، فإن الرسائل التي كان يرسلها القادة الوطنيون غاب عنها التفاصيل الرئيسية التي ربَّما قللت من التنبيه، مثل التأكيد على أن حظر السفر لـ”شنغن”، لم ينطبق على مواطني الولايات المتحدة، وتأكيد الهنود على أن الأعمال الأساسية مثل محلات البقالة ستفتح خلال 21 يومًا في الهند في إطار إغلاق وطني شامل.
وفي غياب المبادئ التوجيهية الوطنية، دأبت السلطات المحلية على تقديم مجموعة من السياسات المتناقضة، لكن ولاية فلوريدا الأميركية رفضت منع المسافرين الصغار لقضاء عطلة الربيع من الجامعات في كافة أنحاء البلاد إلى الشواطئ والملاهي الليلية في فبراير ومارس، مما شجع على الانتشار المحتمل للفيروس. ففي 23 مارس، عندما ارتفعت حالات الإصابة بالفيروس في نيويورك، أصدر حاكم الولاية أمرًا تنفيذيًا بالحجر الصحي للمسافرين من النقاط الساخنة مثل نيويورك. ولكن، مع استمرار عمليات الإرسال المجتمعي الجارية بشكل جيد، فإن مثل هذه القيود على السفر لم تحقق سوى القليل لفلوريدا والولايات القضائية الأخرى.
وتنصح منظمة الصحة العالمية بعدم حظر السفر، مما يعني احتمالية أن تتعطل الأعمال الأساسية والمساعدات والدعم الفني. كما أنه يعدُّ فعالاً فقط في البيئات ذات الاتصالات الدولية القليلة وقدرات الاستجابة المحدودة. فقد أوضحت المنظمة في 29 فبراير أن “إجراءات السفر التي تتدخل بشكل كبير في الحركة الدولية يمكن تبريرها فقط في بداية تفشي المرض، لأنها قد تسمح للدول بكسب الوقت، حتى لو كان ذلك لبضعة أيام فقط من أجل تنفيذ تدابير التأهب الفعالة بسرعة. وبالتالي يجب أن تستند هذه القيود إلى تقييم دقيق للمخاطر، وأن تكون متناسبة مع مخاطر الصحة العامة، وأن تكون قصيرة المدة، وأن يعاد النظر فيها بانتظام مع تطور الوضع”.
وفي المقابل، لم تنفق كوريا الجنوبية مواردها على حظر السفر الشامل، لكنها ركزت على الاتصال العام، والاختبار الواسع النطاق، وإجراءات الحجر الصحي لجميع الوافدين الدوليين، وتحديد المجموعات المحلية للأفراد المصابين عن طريق تتبع الاتصال. ورغم تجنب البلاد عمليات الإغلاق القسري، فإنها تمكنت من ضبط المنحنى.
هنا يمكن أن تقلل الرسائل المنسقة والمتسقة بشأن التباعد الاجتماعي، جنبًا إلى جنب مع الاختبار المبكر وتتبع الاتصال، والذعر، وزيادة التعاون، وإبطاء انتشار فيروس “كوفيد ــ 19″، وكسب المزيد من الوقت في تطوير نظام الرعاية الصحية للتعامل مع تفشي المرض وعلاج المرضى الذين يحتاجون إلى الإقامة في المستشفى، حيث يمكن أن تستمر 10 أيام أو أكثر.
كما يجب على الحكومات استخدام أي وقت إضافي للتحضير، وتجهيز مرافق علاج مناسبة للأفراد المصابين، وقيام مقدمي الرعاية الصحية، بتنظيم وتخزين معدات الحماية الشخصية وحملات التوعية العامة المستمرة. لهذا، فسرعان ما احتوت هونغ كونغ وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان والصين، تفشي المرض، واستمرت في المراقبة لمنع حدوث موجات ثانية.
ويوضح هذا الوباء أن رفاهية الجميع تعتمد على إصدار جميع القادة للرسائل بناءً على معارفهم، ويمارس المواطنون الاعتبار الأساسي باتباع “التباعد الاجتماعي” والسعي للسماح لنظام الرعاية الصحية بحماية الفئات الأكثر ضعفًا.
وخلال الشهرين الأخيرين، كان بإمكان بلدان أخرى تكريس جهد كامل للاستعداد. فقد أوضحت أزمة فيروس كورونا سبب وجوب استثمار الحكومات في الاستجابات المنسقة للجائحة الدولية بدلاً من التراجع عن الاستراتيجيات المحدودة للدولة القومية.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: موقع جامعة يل
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر