أزمة كورونا وتفكك أوروبا | مركز سمت للدراسات

بعد أزمة كورونا.. هل يواجه الاتحاد الأوروبي خطر التفكك؟

التاريخ والوقت : الأحد, 12 أبريل 2020

مع اتجاه مئات الملايين من البشر لعزل أنفسهم حول العالم واتخاذ العالم أجمع إجراءات احترازية ووقائية، أصبح وباء كورونا المستجد حدثًا عالميًا، وفي حين يجب النظر لآثاره الصحية والإنسانية، فإن تلك الآثار قد تثبت على المدى الطويل أن لها تبعات هامة، وخاصة على المستوى السياسي، وبشكل أدق ما يتعلق بالاتحاد الأوروبي وكيفية مواجهته للأزمة التي عصفت بدوله الأعضاء، وخاصة إيطاليا التي وصل بها الأمر لمرحلة (الانفجار الوبائي)، في ظل عدة تساؤلات أثيرت حول موقف الاتحاد ودوله من تقديم المساندة لها.

وفي حين لم تستجب أي دولة أوروبية لنداء إيطاليا العاجل بخصوص المعدات الطبية ومعدات الحماية، التزمت الصين علنًا بإرسال ألف جهاز تنفس، ومليوني قناع، وعشرين ألف بدلة واقية، وخمسين ألف مجموعة اختبار. فضلاً عن إرسالها إمدادات إلى صربيا، التي وصف رئيسها التضامن الأوروبي بأنه “حكاية وهمية” وأعلن أن “الدولة الوحيدة التي يمكنها مساعدتنا هي الصين”.

معاناة الاتحاد الأوروبي جراء كورونا

أزمة غير مسبوقة تجتاح العالم، تأثرت بها على وجه الخصوص دول أوروبية كبرى مثل إيطاليا وإسبانيا. فقد راح آلاف الأوروبيين ضحايا لتفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19). لكن الأمر لم يقف عند حد الخسائر البشرية أو الاقتصادية، إذ إنه يهدد أيضًا استمرارية كيان بحجم الاتحاد الأوروبي، ذلك أن عددًا من الممارسات والقرارات التي اتخذتها عدة دول ألقت بظلالٍ من الشك على مدى جدوى استمرار هذا التكتل.(1)

 فمع التزايد السريع لعدد المصابين بفيروس (كوفيد – 19) في العديد من البلدان الأوروبية، تُعتبر أوروبا اليوم بؤرة لتفشي الفيروس، وهو ما دعا منظمة أطباء بلا حدود لحث الدول الأعضاء الأوروبية على توسيع إطار التضامن بما يتخطّى حدودها الوطنية.

رئيسة أطباء بلا حدود في إيطاليا قالت إنه لا يستطيع أي بلد أن يتأقلم مع الوضع وأن يوفّر الإمدادات اللازمة بمفرده. لذلك، على الدول الأعضاء الأوروبية المسارعة إلى تنفيذ آليات التضامن التي وضعها الاتحاد الأوروبي وتَشارُك الموارد لمكافحة الجائحة في أكثر المناطق المتضرّرة منها.

وعلى نفس الجانب، نجد أن منسّق فريق عمل أطباء بلا حدود المعني بمكافحة مرض (كوفيد – 19) في بروكسل، “بريس دو لو فين”، قد دعا الحكومات الأوروبية إلى زيادة مستوى الإنتاج والتأكّد من توفّر إمكانية شحن الإمدادات بسهولة إلى بؤر تفشي المرض، فضلاً عن إشارته إلى أن إغلاق الحدود قد يحول دون تدفّق الموارد وطواقم العمل إلى المناطق الأكثر تضررًا(2).

وهو ما نستدل منه على المعاناة الشديدة لدول الاتحاد الأوروبي جراء أزمة كورونا ، فأوروبا الآن قد أصبحت بالفعل بؤرة لتفشي المرض، وهو ما أكده أيضًا حديث المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”، الذي قالت فيه إن جائحة فيروس كورونا هي أكبر اختبار للاتحاد الأوروبي، وتأكيدها أنه من المهم أن يخرج التكتل قويًا من الأزمة الاقتصادية التي سببها الفيروس وأن الاتحاد الأوروبي بات يواجه أكبر اختبار منذ تأسيسه.(3)

مؤشرات تفكك الاتحاد الأوروبي

مؤشرات وأقاويل عدة باتت تصب في بوتقة التكهنات بعدم استطاعة الاتحاد الأوروبي الصمود أمام وباء كورونا، بل والتوقعات بتفككه أو انسحاب إيطاليا منه وذلك بعد انسحاب بريطانيا، بيد أن الأحدث الأخيرة والدعوات المتكررة قد دفعت البعض للتساؤل بشأن إمكانية تحقق سيناريو تفكك الاتحاد الأوروبي، أو احتمالية خروج بعض الدول بعد انتهاء أزمة كورونا، وبعد أزمة كورونا على وجه التحديد ستكون الدول الأوروبية في أزمة اقتصادية كبيرة، خاصة إيطاليا وإسبانيا، وغيرهما من الدول التي ستكون بحاجة إلى تضامن أوروبي، وإيجاد استراتيجية لمواجهة الأزمة.

 * لعل أبرز تلك المؤشرات تتمثل في تهديدات رئيس الوزراء الإيطالي “جوسيبي كونتي”، خلال القمة الأخيرة – التي نظمت عبر الفيديو- بعدم التوقيع على الإعلان المشترك في حال لم يعتمد الاتحاد تدابير قوية “مرفقة بأدوات مالية مبتكرة وملائمة بالفعل لحرب يتوجب على الجميع خوضها معًا، على حد وصفه، فضلاً عن دعوته الاتحاد الأوروبي إلى عدم ارتكاب أخطاء فادحة في عملية مكافحة فيروس كورونا المستجد، وإلا فإن التكتل الأوروبي بكامله قد يفقد سبب وجوده”.

 *مشهد انتزاع الإيطاليين للعلم الأوروبي أيضًا من المؤشرات القوية على أن الإيطاليين يحاولون إيصال رسالة مفادها أن أوروبا لم يكن لديها مواقف تضامن وحماية مع محنتهم.(4)

*ومن وجهة نظر الإيطاليين، فإن دول الاتحاد قد تخلت عنهم في تلك الأزمة، فعندما طالبت إيطاليا بمساعدات من الاتحاد الأوروبي للحصول على معدات طبية، احتفظت كل دولة بمخزونها لنفسها، بالإضافة إلى القرارات التي اتخذت لمواجهة التداعيات الاقتصادية، إذ اتخذت كل دولة أوروبية إجراءات خاصة بها، وهو ما اعتبره المصرف المركزي الأوروبي غير كافٍ.

 * الصحف الإيطالية أيضًا شنت هجومًا عنيفًا على الاتحاد الأوروبي، ونستدل على ذلك مما نشرته صحيفة “فاتو كوتيديانو” تحت عنوان “كونتي يقول لأوروبا ميتة أن تذهب إلى الجحيم”. كما عنونت “لا ريبوبليكا” ذات الخط السياسي المؤيد للاتحاد الأوروبي تقليديًا بـ”أوروبا قبيحة”.

بالإضافة إلى صحيفة “كورييري ديلا سيرا” التي قالت إنه “في حال افتقد الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق، فإن هذا يعني أن المشروع الأوروبي نفسه قد انتهى”.(5)

 *ويبدو أن الأزمة الأخيرة التي وقعت بين جمهورية التشيك وإيطاليا، عندما قامت الأولى بالاستيلاء على شحنة أقنعة طبية وأجهزة تنفس كانت موجهة من الصين إلى إيطاليا، وعدم تجاوب الاتحاد مع الموقف، أو أن دولتين تقومان بهذا التصرف، ينبئ بأن الاتحاد الأوروبي قد بات يواجه أزمة كبرى.(6)

 *لعل رفض ألمانيا ودول شمال أوروبية أخرى مناشدة تسع دول، من بينها إيطاليا الأكثر تضررًا، من أجل الاقتراض الجماعي من خلال “سندات كورونا” للمساعدة في تخفيف الضربة الاقتصادية للوباء، من المؤشرات الداعمة للتكهنات بانهيار الاتحاد الأوروبي أو تعرضه للتفكك جراء أزمة كورونا. بيد أن ألمانيا قد قررت حظر تصدير مستلزمات الوقاية الطبية للخارج.

كورونا ليست الأزمة الأولى

من الواضح أن أزمة كورونا ليست الأولى من نوعها التي تضرب ناصية الاتحاد الأوروبي وتهدد تماسكه، فقد مرت إيطاليا بأزمة اقتصادية وانسحبت بريطانيا من الاتحاد ومرت اليونان بأزمة عاصفة أيضًا.

أزمة اليونان

يبدو أن تاريخ الاتحاد الأوروبي مع الأزمات، ممتد لفترة طويلة، فمرور اليونان بعدة أزمات عصفت باقتصادها، كان له أثر سلبي بنسبة كبيرة على الاتحاد الأوروبي؛ إذ كان وقع الأزمة الاقتصادية التي حدثت في عام 2008 كبيرًا على اليونان، وفي نهاية عام 2009، عصفت أزمة مالية كبرى بالاقتصاد اليوناني أيضًا، حين وصل عجز الموازنة إلى 13% من الناتج المحلي، وهو ما يمثل خمسة أضعاف ما هو مسموح به في منطقة اليورو.

ومن الواضح، أن تلك الأزمة لم تضر باقتصاد اليونان وحدها، إذ هددت استقرار منطقة اليورو، فأثينا أصبحت تدين لصندوق النقد الدولي بحوالي 5% من ناتجها القومي، وبحوالي 70% للصندوق الأوروبي؛ ومن ثَمَّ، فالجزء الأكبر من ديونها لصالح المؤسسات الرسمية للاتحاد الأوروبي.(7)

انسحاب بريطانيا (البريكسيت)

الصدمة الكبرى للاتحاد الأوروبي كانت بنتيجة التصويت التي قادته أجنحة من تيار وحزب المحافظين في بريطانيا، والتي جاءت بنسبة 52% لصالح خروجها من الاتحاد الأوروبي ومن منطقة اليورو، والتي كانت في يونيو 2016، إذ كانت بمثابة عاصفة ألمت به، بيد أنها أثارت توقعات عدة بالتفكك.

فخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان يعني حرمان الاقتصاد الأوروبي من الصدارة على مستوى العالم، وفقدان هيبته، وقلة ثقة المستثمرين فيه. كما يعني – أيضًا – زيادة القيود على الأشخاص والسلع والخدمات التي تنتقل إلى بريطانيا(8).

الأزمة الإيطالية 

جاءت الأزمة الاقتصادية التي عصفت بـ”إيطاليا”لتضع أجراس إنذار بلون أحمر لاقتصاد الاتحاد الأوروبي، إذ أغلق مؤشر الأسهم الإيطالي الرئيسي منخفضًا 2.7% وسجل أدنى مستوى في عشرة أشهر، وانخفض مؤشر أسهم البنوك الإيطالية4.9%.

وهذا ما نتج عنه تراجع المؤشر “ستوكس 600 الأوروبي” 1.4%، وخسارة مؤشر بنوك منطقة اليورو 4.5%، في أكبر هبوط يومي منذ التصويت لصالح الانفصال البريطاني في(9).2016

توقعات مستقبلية

وبتحليل ما سبق سنجد أن الاتحاد الأوروبي يعاني عدم استقرار منذ فترة بسبب عدة طعنات وأزمات قد ألمت به خلال الفترات الماضية، بداية من الأزمة اليونانية، وكونه مضطرًا لتحملها، وخروج بريطانيا من منطقة اليورو نتيجة استفتاء، وهو ما أطلق عليه (البريكسيت)، وجاءت الأزمة الإيطالية لتضرب مفاصله الاقتصادية مرة أخرى، فضلاً عن أزمة اللاجئين، وهو ما يعني أن أزمة كورونا ليست الأولى من نوعها داخل أروقة الاتحاد. لذا، فإن هناك عدة توقعات تشير إلى تصدع الاتحاد الأوروبي، وربَّما تفككه جراء تلك الأزمة.

 * بات جليًا أن أزمة كورونا قد كشفت عدم فاعلية منطق التضامن بين الدول الأوروبية، وهو ما سيشجع نشاط القوى المناهضة للاتحاد والمشككة في البنيان الأوروبي الموحد.

ومن المرجح أن هذه القوى التي كانت تناهض وتناضل من أجل نسف الاتحاد من الداخل ستكون كلمتها مسموعة أكثر، وخطابها السياسي سيكون له مصداقية(10).

 *يبدو أن الرئيس الفرنسي قد توقع أيضًا أن تعصف تلك الأزمة بالاتحاد، إذ نقل دبلوماسي عن “ماكرون” تحذيره لزعماء الاتحاد الأوروبي بأن تفشي فيروس كورونا يهدد الدعائم الأساسية للاتحاد الأوروبي. فضلاً عن قوله لباقي قادة التكتل وعددهم 26 خلال مؤتمر صحفي عبر الهاتف، إن “المشروع الأوروبي معرض للخطر… التهديد الذي نواجهه هو القضاء على منطقة الشنغن”.

*وزير الخارجية الألماني السابق “غابرييل زيمار” قال “إن الفيروس لن يصيب الناس فحسب، بل سيصيب أيضًا مشاريع الوحدة والتعاون الدوليين- بما في ذلك صيغة الاتحاد الأوروبي – التي تمَّ الوصول إليها بكلفة عالية من الجهد والدماء، وهو ما يدعم فكرة تصدع الاتحاد، وربَّما انهياره بفعل أزمة كورونا(11).

*يبدو أن ملامح التآكل في الجسد الأوروبي قد اتضحت مع كون أبرز المساعدات التي وردت لإيطاليا جاءت من الصين وروسيا، وانعكس ذلك في ردة الفعل عندما أنزل الإيطاليون العلم الأوروبي ورفعوا عوضًا عنه أعلام روسيا والصين، في خطوة تنبئ بتحولات جيواستراتيجية كبرى في عالم ما بعد كورونا، أو على أقل تقدير أن تلحق إيطاليا بنظيرتها بريطانيا التي خرجت من الاتحاد في 2018.

 *رأي آخر لا يمكننا إغفاله.. يتوقع أن حالة الاستياء على المستوى الرسمي في إيطاليا وإسبانيا والبرتغال – على سبيل المثال – بسبب تقاعس الاتحاد عن تقديم المساعدات الكافية لمواجهة كورونا، لا تعبر عن رغبة تلك الدول في مغادرة الاتحاد بشكل فعلي، لكنها تستخدم تلك النبرة في خطابها للضغط على الاتحاد الأوروبي للاستجابة لمطالبها.((12

وحدة الدراسات السياسية*

المراجع 

  1. هل يفكك فيروس كورونا الاتحاد الأوروبي ويقضي على حلم الوحدة العربية؟ دويتش فيله.
  2. حاجة ماسّة إلى تآزر الدول الأوروبية لحماية الطواقم الطبية من خطر الإصابة بفيروس كورونا، أطباء بلا حدود.
  3. أنجيلا ميركل: فيروس كورونا أكبر اختبار يواجهه الاتحاد الأوروبي، إرم نيوز.
  4. هل يتفكك الاتحاد الأوروبي بعد تفشي كورونا في بعض دوله… ومن يقف وراء هذه الدعوات، سبوتنيك عربي.
  5. هل يفكك فيروس كورونا الاتحاد الأوروبي ويقضي على حلم الوحدة العربية؟  دويتش فيله.
  6. الاتحاد الأوروبي في مرمى نيران كورونا.. إيطاليا نموذج “الوحدة الهشة، الدستور.
  7. ما هي أسباب أزمة اليونان ومن المستفيد؟ مال.
  8. الأثر الاقتصادي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية.
  9. أسهم أوروبا تتراجع وسط مخاوف تفكك منطقة اليورو بفعل أزمة إيطاليا، بورصة إنفو.
  10. https://bit.ly/2Hj14sD
  11. هل يتفكك الاتحاد الأوروبي بعد تفشي كورونا في بعض دوله… ومن يقف وراء هذه الدعوات، سبوتنيك.
  12. https://bit.ly/39WbnRq
  13.  مرجع سابق.
  14. عالم ما بعد كورونا.. هل يتفكك الاتحاد الأوروبي؟ العالم العربي.
  15. https://bit.ly/2Xm7XVK

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر