كورونا والنظام العالمي | مركز سمت للدراسات

فيروس كورونا يمكن أن يعيد تشكيل النظام العالمي

التاريخ والوقت : الإثنين, 6 أبريل 2020

كيرت إم كامبل، وروش دوشي

 

مع اتجاه مئات الملايين من البشر لعزل أنفسهم حول العالم، أصبحت جائحة فيروس كورونا المستجد حدثًا عالميًا حقًا. وفي حين يجب النظر لآثارها الجيوسياسية كأمر ثانوي من ناحية الصحة والسلامة، فإن هذه الآثار قد تثبت على المدى الطويل أن لها تبعات مهمة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالموقف العالمي للولايات المتحدة. فالطلبات العالمية تميل إلى التغيير التدريجي عن بدايتها في كل مرة. ففي عام 1956، كشف تدخل فاشل في السويس عن تدهور القوة البريطانية، ما مثل نهاية المملكة المتحدة كقوة عالمية. أمَّا اليوم، فمن المتعين على صانعي السياسة الأميركيين أن يدركوا أنه إذا لم تستعد الولايات المتحدة لمواجهة هذه اللحظة، فإن جائحة فيروس كورونا يمكن أن تمثل تكرارًا لأزمة السويس مرة أخرى.

لقد بدا من الواضح الآن للجميع، باستثناء أي الجانبين أكثر غموضًا، أن واشنطن أساءت التقدير في رد فعلها الأولي. ذلك أن أخطاء المؤسسات الرئيسية، ما بين البيت الأبيض ووزارة الأمن الداخلي ومراكز “الرقابة على الأمراض والوقاية منها”(CDC)، قوَّضت الثقة في قدرة وكفاءة الحكومة الأميركية. فالتصريحات العامة التي أدلى بها الرئيس دونالد ترمب، سواء كانت صادرة عن المكتب البيضاوي أو التغريدات الصباحية لترمب، عملت إلى حد بعيد على بث الارتباك ونشر المخاوف. وقد أثبت كل من القطاعين العام والخاص أنهما غير مستعدين لإنتاج وتوزيع الأدوات اللازمة للاختبارات والاستجابة لنتائجها.

أمَّا على الصعيد الدولي، فقد أدى الوباء إلى إثارة رغبة ترمب ليعمل بمفرده وكشف عن مدى استعداد واشنطن لقيادة رد فعل عالمي.

فالولايات المتحدة تمكنت من بناء مكانتها في قيادة العالم على مدى العقود السبعة الماضية، ليس فقط على أساس الثروة والسلطة، ولكن أيضًا وعلى نفس القدر من الأهمية، على الشرعية التي تتدفق من الحوكمة المحلية للولايات المتحدة، وتوفير المنافع العامة العالمية والقدرة والاستعداد لحشد وتنسيق استجابة عالمية للأزمات الكبرى. فجائحة كورونا انطوت على اختبار للعناصر الثلاثة للقيادة الأميركية. والواضح أن واشنطن فشلت في الاختبار.

ومع تعثر واشنطن، تتحرك بكين بسرعة وببراعة للاستفادة من المساحات التي خلفتها الأخطاء الأميركية، مما يمهد لها ملء الفراغ الناشئ لتصدر نفسها كزعيم عالمي في الاستجابة للوباء. كما تعمل حاليًا على الترويج لنظامها الخاص، وتقديم المساعدة المادية للبلدان الأخرى، وحتى تنظيم الحكومات الأخرى. لكن من الصعب المبالغة في الخطى الهائلة لتحرك الصين. ففي المجمل، كانت أخطاء بكين، وخاصة تسترها الشديد منذ البداية على شدة وانتشار الفيروس، هي التي ساعدت في خلق الأزمة التي أصابت معظم دول العالم في الوقت الراهن. ومع ذلك، تدرك بكين أنه إذا كان يُنظر إليها على أنها دولة رائدة، ويُنظر إلى واشنطن على أنها غير قادرة أو غير راغبة في القيام بذلك، فإن هذا التصور يمكن أن يغير بشكل أساسي موقف الولايات المتحدة في السياسة العالمية ومسابقة القيادة في القرن الحادي والعشرين.

الأخطاء التي ارتكبت

في أعقاب تفشي فيروس كورونا المستجد مباشرة، والذي تسبب في انتشار المرض الذي يعرف بـ(كوفيد – 19)، فإن أخطاء المسؤولين الصينيين، أثرت على مكانة بلادهم العالمية. فقد تمَّ الكشف عن الفيروس أول مرة في نوفمبر 2019 في مدينة ووهان، لكن المسؤولين لم يعلنوا عن ذلك لشهور، بل إنهم عاقبوا الأطباء الذين أبلغوا عنه في أول مرة، وضيعوا وقتًا ثمينًا وأخَّروا الإجراءات لمدة لا تقل عن خمسة أسابيع لتوعية الجمهور، ووقف السفر وتمكين الاختبار على نطاق واسع. حتى إنه مع بلوغ الأزمة ذروتها، فإن بكين لا تزال تتحكم في المعلومات بإحكام، وتتجنب المساعدة من مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، رغم تحذير منظمة الصحة العالمية من السفر إلى ووهان، كما غيرت بكين عدة مرات الأرقام المعلنة بشأن تسجيل حالات (كوفيد ــ 19). وهو ما قد يكون متعمدًا للتلاعب في أعداد حالات الإصابة المعلنة رسميًا.

ومع تفاقم الأزمة خلال شهري يناير وفبراير، توقع بعض المراقبين أن فيروس كورونا قد يقوِّض حتى قيادة الحزب الشيوعي الصيني، وأطلق عليه كارثة “تشيرنوبيل” الصينية. كما تمَّ تشبيه الدكتور “لي وين ليانج” Li Wenliang، ذلك الطبيب الشاب الذي أسكتته الحكومة والذي استسلم لاحقًا لمضاعفات إصابته بفيروس كورونا، بـ”رجل الدبابة” في ميدان “تيان مين”.

ومع ذلك، ففي أوائل مارس، كانت الصين تزعم الانتصار. حيث يعود الفضل في وقف تمدد انتشار الوباء إلى عمليات الحجر الجماعي، ووقف حركة السفر، والإغلاق الكامل للحياة اليومية على الصعيد الوطني. فقد أفادت الإحصائيات الرسمية، بأن الحالات الجديدة اليومية قد تراجعت بشدة في منتصف مارس بعد أن كانت بالمئات في أوائل فبراير. وفي مفاجأة لمعظم المراقبين، بدأ الزعيم الصيني “شي جين بينغ”، الذي كان يبدو هادئًا بشكلٍ غير معهود في الأسابيع الأولى، بوضع نفسه بشكل صريح في الاستجابة، ففي هذا الشهر، زار ووهان شخصيًا.

وعلى الرغم من أن الحياة في الصين لم تعد بعدُ إلى طبيعتها (وعلى الرغم من التساؤلات المستمرة حول دقة الإحصاءات الصينية)، فإن بكين تعمل على تحويل علامات النجاح المبكرة هذه إلى رواية أكبر لنشرها حول العالم، ما يجعل من الصين اللاعب الأساسي في انتعاش عالمي قادم فتتخلص من مساوئ إدارتها السابقة للأزمة.

الجزء الأساس في هذه الرواية هو النجاح المفترض لبكين في محاربة الفيروس. ويمكن الإشارة إلى تدفقٍ مستمرٍ من المقالات الدعائية والتغريدات والرسائل العامة، بعدد من اللغات المختلفة، حول إنجازات الصين، كما تسلط الضوء على فعالية نموذج الحكم المحلي. فقد أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية “تشاو ليجيان” أن “قوة الصين وكفاءتها وسرعتها في هذه المعركة حظيت بتقدير واسع النطاق”. وأضاف أن الصين وضعت “معيارًا جديدًا للجهود العالمية لمكافحة الوباء”. فقد فرضت السلطات المركزية رقابة وانضباطًا إعلاميًا صارمًا على أجهزة الدولة للتخلص من الروايات المتناقضة.

ويدعم هذه الرسائل ذلك التناقض الضمني المصاحب للجهود المبذولة لمحاربة الفيروس في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة، مثل فشل واشنطن في إنتاج أعداد كافية من مجموعات الاختبار، ما يعني أن الولايات المتحدة قد اختبرت عددًا قليلاً نسبيًا من الأفراد، وكذلك تناول ترمب وإدارته لأزمة البنية التحتية الخاصة بالاستجابة للوباء لدى الحكومة الأميركية. وأمام ذلك اغتنمت بكين الفرصة التي أتاحتها الفوضى الأميركية ووسائل إعلام الدولة والدبلوماسيون بشكل منتظم لتذكير الرأي العام العالمي بتفوق الجهود الصينية وانتقاد “اللامسؤولية وعدم الكفاءة” لـ”ما يسمى بالنخبة السياسية في واشنطن”، التي دأبت على ترويجها وكالة أنباء “شينخوا” في افتتاحياتها.

وقد أصر المسؤولون الصينيون ووسائل الإعلام الحكومية على أن فيروس كورونا لم يخرج في الواقع من الصين، على الرغم من الأدلة الدامغة على خلاف ذلك، وذلك بهدف تقليل اللوم الذي تواجهه الصين في مواجهة الوباء العالمي. إذ تتضمن هذه الجهود حملة للتضليل على الطريقة الروسية، فبجانب المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية هناك أكثر من عشرة دبلوماسيين يشاركون مقالات تتهم الجيش الأميركي بنشر الفيروس التاجي في ووهان. وكانت هذه الإجراءات، إلى جانب الطرد الجماعي غير المسبوق الذي قامت به الصين للصحافيين من ثلاث صحف أميركية رائدة، قد أضرت بالحجج التي تستند إليها الصين للقيادة.

الرئيس الصيني يهدف إلى أن يدرك العالم أن توفير السلع العالمية يمكن أن يصقل أوراق اعتماده كقائد لقوة صاعدة. فقد أمضى السنوات الماضية في دفع مؤسسات السياسة الخارجية الصيني إلى التفكير بجدية أكبر في قيادة إصلاح “الحوكمة العالمية”، في حين يوفر فيروس كورونا فرصة لوضع هذه النظرية موضع التنفيذ، وذلك مع الأخذ في الاعتبار العروض الصينية التي يتم الترويج لها بشكل جيد للمساعدة المادية، بما في ذلك الأقنعة وأجهزة التنفس الصناعي والأدوية. وكانت الصين في بداية الأزمة، قامت بشراء وإنتاج كميات هائلة من هذه السلع، لكنها تنقلها للآخرين في الوقت الراهن.

وفي حين لم تستجب أي دولة أوروبية لنداء إيطاليا العاجل بخصوص المعدات الطبية ومعدات الحماية، التزمت الصين علنًا بإرسال ألف جهاز تنفس، ومليوني قناع، وعشرين ألف بذلة واقية، وخمسين ألف مجموعة اختبار. كما أرسلت الصين فرقًا طبية، و250 ألف قناع لإيران، وأرسلت إمدادات إلى صربيا، التي وصف رئيسها التضامن الأوروبي بأنه “حكاية وهمية” وأعلن أن “الدولة الوحيدة التي يمكنها مساعدتنا هي الصين”. وقد أعلن “جاك ما” مؤسس شركة “علي بابا” استعداده لإرسال كميات كبيرة من أجهزة الاختبار والأقنعة إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى عشرين ألف جهاز اختبار أخرى وعشرة آلاف قناع لكل من البلدان الإفريقية البالغ عددها 54 دولة.

وتتعزز ميزة بكين في المساعدة المادية بحقيقة بسيطة مفادها أن الكثير مما يعتمد عليه العالم لمكافحة فيروس كورونا يتم إنتاجه في الصين. فقد كانت بالفعل هي المنتج الرئيسي للأقنعة المستعملة في الجراحة. أمَّا الآن، فمن خلال التعبئة الحاشدة، تضاعف إنتاج الأقنعة أكثر بعشر مرات، مما منحها القدرة على توفيرها للعالم. كما تنتج الصين أيضًا ما يقرب من نصف أجهزة التنفس اللازمة لحماية العاملين في القطاع الصحي، وأجبرت المصانع الأجنبية في الصين على تصنيعها، حيث تمَّ بيعها مباشرة إلى الحكومة، مما يمنحها أداة أخرى للسياسة الخارجية في شكل معدات طبية. وفي الوقت نفسه، تعدُّ المضادات الحيوية ضرورية في معالجة الالتهابات الثانوية الناشئة من (كوفيد – 19). فالصين تنتج الغالبية العظمى من المكونات الصيدلانية النشطة اللازمة لصنعها.

وعلى النقيض من ذلك، تفتقر الولايات المتحدة إلى القدرة على تلبية العديد من مطالبها، ناهيك عن تقديم المساعدة في مناطق الأزمات ببلدان أخرى.

يُعتقد أن المخزون الوطني الاستراتيجي الأميركي، وهو احتياطي البلاد من الإمدادات الطبية الحرجة، يحتوي على 1% فقط من الأقنعة وأجهزة التنفس، وربَّما 10% من أجهزة التنفس اللازمة للتعامل مع الوباء. ويتعين تعويض الباقي من الواردات من الصين أو زيادة التصنيع المحلي بسرعة. وبالمثل، تبلغ حصة الصين في سوق المضادات الحيوية الأميركية أكثر من 95%، في حين لا يمكن تصنيع معظم المكونات محليًا. ومع أن واشنطن عرضت المساعدة على الصين وغيرها في بداية الأزمة، إلا أنها أقل قدرة على القيام بذلك في الوقت الراهن، لا سيَّما مع نمو احتياجاتها الخاصة. وفي المقابل، تقدم بكين المساعدة، على وجه التحديد، عندما تكون الحاجة العالمية أكبر.

ومع ذلك، فإن الاستجابة للأزمات لا تتعلق فقط بالسلع المادية. فخلال أزمة “إيبولا” في عامي 2014 و2015، قادت الولايات المتحدة تحالفًا من عشرات الدول لمواجهة انتشار المرض. وتجنبت إدارة ترمب حتى الآن القيام بجهد قيادي مشابه لمواجهة انتشار فيروس كورونا. وحتى التنسيق مع الحلفاء كان غير موجود. فواشنطن، لم تعطِ حلفاءها الأوروبيين أي إشعار مسبق قبل فرض حظر على السفر من أوروبا.

وعلى النقيض من ذلك، قامت الصين بحملة دبلوماسية قوية لعقد عشرات الدول ومئات المسؤولين، لتبادل المعلومات حول الوباء والدروس المستفادة من تجربتها الخاصة في مكافحة المرض. ومن خلال الدبلوماسية الصينية، تقوم بكين ببذل الكثير من الجهود على المستوى الإقليمي أو من خلال الهيئات الإقليمية. وقد تضمنت تلك الجهود التواصل مع دول وسط وشرق أوروبا من خلال آلية “17 + 1″، وكذلك في إطار منظمة شنغهاي للتعاون، وعشر دول في جزر المحيط الهادئ، بالإضافة إلى مجموعات أخرى عبر إفريقيا وأوروبا وآسيا. وتعمل الصين بجدٍ على نشر مثل هذه المبادرات.

ومن الناحية العملية، فإن كافة الجهود التي تقوم بها الأجهزة الدعائية الصينية بالخارج تعلن عن مساعدة مختلف البلدان بجانب السلع والمعلومات مع التأكيد على تفوق نهج بكين.

كيفية القيادة

إن الأصول الأساسية للصين في مساعيها لتبوؤ القيادة العالمية، في مواجهة فيروس كورونا، ترتكز على القصور الذي يتأثر بالانكفاء الداخلي لسياسة الولايات المتحدة. وبالتالي، فإن النجاح النهائي لمسعى الصين سيعتمد بقدر كبير على ما يحدث في واشنطن، كما يعتمد على ما يحدث في بكين أيضًا. ففي الأزمة الحالية، ما زالت واشنطن قادرة على تغيير مسارها إذا أثبتت أنها قادرة على القيام بما هو متوقع من القائد، وذلك من خلال إدارة المشكلة في الداخل، وتوفير الخدمات على المستوى العالمي، وتنسيق الاستجابة العالمية.

كانت أولى هذه المهام، تتمثل في وقف انتشار المرض وحماية السكان الضعفاء في الولايات المتحدة، باعتبارها الأكثر إلحاحًا، كما أنها تتعلق إلى حدٍ بعيدٍ بالحكم المحلي بدلاً من الجغرافيا السياسية. لكن الطريقة التي تتبعها واشنطن في ذلك سيكون لها آثار جيوسياسية، وليس فقط بقدر ما تعيد الثقة برد فعل الولايات المتحدة أو لا تعيدها. فعلى سبيل المثال، إذا كانت الحكومة الفيدرالية تدعم التوسع في الإنتاج المحلي للأقنعة وأجهزة التنفس الصناعي، وهو يمثل استجابة تتسق مع إلحاح هذا الوباء في زمن الحرب، فمن شأن ذلك أن ينقذ حياة الأميركيين ويساعد الآخرين في جميع أنحاء العالم عن طريق الحد من مشكلة ندرة الإمدادات العالمية.

وفي حين أن الولايات المتحدة غير قادرة حاليًا على تلبية المتطلبات المادية الملحة للوباء، فإن ميزتها العالمية المستمرة في مجالات التكنولوجيا الحيوية يمكن أن تكون مفيدة في إيجاد حل حقيقي للأزمة من خلال لقاح. ويمكن للحكومة الأميركية المساعدة من خلال توفير حوافز للمختبرات والشركات الأميركية لإجراء “مشروع مانهاتن” الطبي لابتكار لقاح واختباره بسرعة في التجارب السريرية وإنتاج لقاح جماعي. ولأن هذه الجهود مكلفة وتتطلب استثمارات عالية جدًا، يمكن للتمويل الحكومي السخي والمكافآت لإنتاج اللقاحات الناجحة أن يحدث فرقًا. وتجدر الإشارة إلى أنه رغم سوء إدارة واشنطن، فإن حكومات الولايات، والمنظمات غير الربحية والدينية، والجامعات، والشركات لا تنتظر الحكومة الفيدرالية لتوحيد عملها قبل اتخاذ أي إجراء. فالشركات والباحثون الذين تمولهم الولايات المتحدة في طريقهم لإحراز تقدمٍ بالفعل نحو طريق إنتاج اللقاح، رغم أنه على أحسن الأحوال، سيكون هناك بعض الوقت قبل أن يصبح جاهزًا للاستخدام على نطاق واسع.

ولكن حتى مع تركيزها على جهودها التي تبذلها في الداخل، فإن واشنطن لا تستطيع – بكل ببساطة – أن تتجاهل الحاجة إلى استجابة عالمية منسقة. في حين يمكن للقيادة القوية حل مشاكل التنسيق العالمية المتعلقة بقيود السفر وتبادل المعلومات وتدفق السلع الحرجة. فالولايات المتحدة نجحت بالفعل في توفير مثل هذه القيادة لعقود، أمَّا الآن فعليها أن تفعل ذلك مرة أخرى.

وستتطلب تلك القيادة التعاون الفعال مع الصين، بدلاً من أن تستهلكها حرب التصريحات حول من كانت لديه الاستجابة الأفضل.

إن التصريحات الخاصة بمن هو المسؤول عن الفيروس يأتي في إطار الدعاية الصينية والانخراط في الممارسات الخطابية المتبادلة مع بكين. وفي الوقت الذي يتهم فيه المسؤولون الصينيون الجيش الأميركي بنشر الفيروس واللامبالاة التي بدت على الموقف الأميركي، بات من المتعين على واشنطن الرد عند الضرورة. إذ تفضل غالبية بلدان العالم التي تتعامل مع مثل تلك التحديات، التأكيد على جدية التحديات العالمية المشتركة والمسارات المحتملة، بما في ذلك الإشارة إلى الأمثلة الناجحة على الاستجابة لفيروس كورونا بالمجتمعات الديمقراطية مثل تايوان وكوريا الجنوبية.

هناك الكثير مما يمكن أن تفعله واشنطن وبكين معًا لصالح العالم، مثل التنسيق على مستوى الأبحاث الخاصة باللقاحات والتجارب السريرية، بالإضافة إلى التحفيز المالي، بجانب مشاركة المعلومات، والتعاون في عمليات تصنيع آلات إنتاج مكونات أجهزة التنفس الحرجة أو أجهزة التنفس الصناعي وتقديم المساعدة المشتركة للآخرين.

وفي نهاية المطاف، قد يكون فيروس كورونا بمنزلة “جرس إنذار” يعزز التقدم في مواجهة التحديات العالمية الأخرى التي تتطلب التعاون بين الولايات المتحدة والصين، مثل تغير المناخ. بالتالي، لا ينبغي أن ينظر إلى مثل هذه الخطوة، على أنها تنازل للقوة الصينية. وبدلاً من ذلك، فإن ذلك سيفيد في استعادة الثقة في مستقبل القيادة الأميركية. أمَّا في الأزمة الحالية، وعلى مستوى الجغرافيا السياسية، فيمكن للولايات المتحدة أن تقوم بعملٍ جيدٍ من خلال التنسيق الجيد.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: مجلة الشؤون الخارجية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر