سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
لم تعد التساؤلات التي يطرحها انتشار فيروس “كورونا” تتعلق فقط بمساراته المحتملة ومدى قدرة الدول على التعامل معه واحتواء مخاطره، وإنما باتت تمتد أيضاً إلى الآليات التي يتبناها الفاعلون الآخرون من غير الدول في مواجهته، على غرار التنظيمات الإرهابية التي تتواجد على أراضي بعض تلك الدول، وتسيطر على مناطق يقطنها سكان محليون في بعض الأحيان، وكانت تسعى إلى تنفيذ عمليات إرهابية في دول انتشر فيها الفيروس بشكل واسع.
ورغم أن اتجاهات عديدة تفترض أن تمدد الفيروس ربما يساهم في تقليص أولوية مواجهة تلك التنظيمات من جانب أجهزة الأمن وحتى الأجهزة الاستخباراتية التي انخرط بعضها، في حالات معينة، في متابعة حالات المصابين والمتوفين والهاربين من الحجر الصحي، فإن هذا الافتراض لا ينفي في الوقت نفسه أن هذا الانتشار قد يفرض تداعيات سلبية على تلك التنظيمات التي لا تمتلك القدرات العلمية والمؤسسية الموجودة في الدول للتعامل معه.
غياب الكوادر:
مع أن تنظيم “داعش” استطاع خلال الأعوام الخمسة الماضية استقطاب عناصر حصلت على درجات علمية رفيعة، خاصة في مجال الطب، إلا أن ذلك ربما لم يقلص من قلق قياداته إزاء تداعيات انتشار فيروس “كورونا”، خاصة أن سقوط المشروع الذي تبناه في الموصل في يونيو 2017 والباغوز في مارس 2019، أثر بشكل كبير على تماسك بنيته بالتوازي مع نجاح بعض الدول في القضاء على العديد من قياداته وعناصره، وهو ما يجعل من توافر أعداد كافية من الأطباء صعباً بجانب ضعف الإمكانيات الخاصة بعملية المواجهة والرعاية لمصابي فيروس “كورونا”، على نحو يزيد من احتمالات تعرض أعداد كبيرة داخله للإصابة وربما الوفاة، وبشكل خاص في مناطق تمركز التنظيم في سوريا والعراق ودول وسط وجنوب شرق آسيا، لاسيما أن التنظيم متداخل، في كثير من الحالات، في البيئة المحلية.
استغلال مبكر:
منذ أن تم الإعلان عن انتشار فيروس “كورونا” في العالم مع نهاية شهر يناير من العام الجاري، سعى “داعش” إلى استغلاله من أجل استقطاب أكبر عدد ممكن من الإرهابيين والمتطرفين المتعاطفين معه، حيث دعا، عبر جريدة “النبأ” في العدد 223، “إلى توبة المواطنين والفرار إلى الانضمام له حتى يتجنبوا البلاء (أى الإصابة بالفيروس)”.
وفي رؤية بعض قيادات التنظيم، فإن انتشار الأمراض والأوبئة وفشل دول العالم في الوصول إلى أدوية لها، على غرار ما يحدث في مواجهة فيروس “كورونا”، يمكن أن يدفع أعداداً كبيرة، في ظل غياب الوعى الديني، إلى الاقتراب بشكل أكبر من الخطاب المتطرف للتنظيمات الإرهابية، وخاصة “داعش”، ما يعزز فرص الأخير في استقطاب المزيد من العناصر للانضمام إليه، وهو ما يمكن ملاحظته من انتشار العديد من الفيديوهات والتغريدات على الحسابات الخاصة بالتنظيم حول الربط بين انتشار الوباء واستمرار ما يطلق عليه “الأفكار الجاهلية” داخل بعض الدول.
ترقب حذِر:
مع انتشار الفيروس بشكل سريع داخل العراق والعديد من دول المنطقة، أصدر “داعش” ما أسماه “روشتة” لحماية عناصره منه، حيث تضمن العدد 225 من جريدة “النبأ” توجيهات جاءت تحت عنوان “توجيهات شرعية للتعامل مع الأوبئة”، تضمنت 7 إرشادات تنطلق من الجانب الديني.
ومن دون شك، فإن حرص التنظيم على إصدار تلك التوجيهات يزيد من احتمالات ظهور الفيروس داخل المناطق التي يتواجد بها وإصابة بعض عناصره به، خاصة أنه ليس تنظيماً منعزلاً عن المحيط الجغرافي والسكاني، بل هناك تداخل كبير بين عناصره والمجتمع المحلي وبشكل خاص في العراق وسوريا وليبيا، حيث يتمركز العديد منهم بمدن داخل تلك الدول، وهى دول قد ينتشر بها الفيروس، ولا يمكن الوصول إلى إحصاءات دقيقة بشأن حالات الإصابة والوفاة بها.
تأثيرات متباينة:
ربما يمكن القول إن انعكاسات انتشار الفيروس قد تتباين على بنية التنظيم، حيث أن البناء التنظيمي والتمركز الجغرافي لـ”داعش” يختلف من دولة إلى أخرى. فالمركز الرئيسي في سوريا والعراق يختلف بشكل كبير عن الفرع في منطقة الساحل والصحراء من حيث تداخل عناصره مع السكان المحليين، حيث يتسم هذا التداخل بالكثافة في دول مثل سوريا والعراق وأفغانستان وشرق آسيا والقوقاز، في حين يتراجع في مناطق مثل الساحل والصحراء، باعتبار أنه ينشط في الأساس داخل مناطق صحراوية بعيدة، في بعض الأحيان، عن المناطق التي يقطنها السكان المحليون.
ومن هنا، أشارت اتجاهات عديدة إلى أن انتشار فيروس “إيبولا” في بعض المناطق الإفريقية خلال عام 2017 لم يؤثر على التنظيم باعتبار أنه لم يمتد إلى المناطق التي يقل فيها تواجد السكان المحليين. ولذا، يبدو احتمال إصابة عدد من عناصر التنظيم في دول مثل سوريا والعراق وارداً بشكل كبير، خاصة أنهم لن يستطيعوا التوجه إلى المستشفيات أو الخضوع للتحليل الخاص بالكشف عن الفيروس، على غرار السكان المحليين، وهو ما دفع “داعش” لإصدار التوجيهات السبعة التي نشرها في جريدة “النبأ” في محاولة لتقليص فرص إصابة عناصره بالفيروس.
وعلى ضوء ذلك، ربما يتزايد عدد العمليات الإرهابية التي ينفذها عناصر التنظيم في منطقة الساحل والصحراء مقارنة بالمناطق التي يتواجد فيها داخل كل من سوريا والعراق، على نحو يبدو جلياً في العملية الإرهابية التي استهدف من خلالها 25 جندياً من النيجر في 19 مارس 2020، بجانب استهداف قوات فرنسية وعناصر أمن ماليين قبل ذلك بيوم واحد. وفي مقابل ذلك، كان التنظيم حريصاً، حسب تقارير عديدة في 15 من الشهر نفسه، على إصدار تعليمات إلى عناصره بتفادي الانتقال إلى الدول الأوروبية منعاً لإصابتهم بالفيروس.
في المجمل، يعتبر انتشار فيروس “كورونا” نقطة تحول على مستوى بنية تنظيم “داعش”. فكما تتوقع بعض الاتجاهات بأن العالم سيتغير بعد السيطرة على انتشاره، فإن “داعش” يبدو أنه سوف يتغير بدوره للتعامل مع المعطيات الجديدة التي سوف تنتج عن ذلك.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر