سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
دان شتاينبوك
رغم نجاح الصين في الاحتواء، فإن فيروس كورونا الجديد ينفجر خارج الصين، بسبب الاستعدادات غير الكافية. وسيؤدي الانكماش الوشيك الذي تشهده حركة الفيروس إلى تفاقم المخاطر البشرية والأضرار الاقتصادية.
ورغم أن مركز تفشي المرض هو أوروبا في الوقت الراهن، فإن عددًا قليلاً من الاقتصادات الكبرى قد شن حملات فعالة ضد الفيروس، ومن ثم يتغير عدد الحالات الواردة من خارج الحدود الصينية وبقية دول آسيا. وعلى خلفية انتشار حالات الاستعداد غير الكافي خارج الصين حتى وقت قريب، فقد ألقى الوباء العالمي بظلال قاتمة على الاقتصاد العالمي. وهي الأزمة التي لا يمكن تجاوزها بدون التعاون الفعال.
تأثير اقتصادي ممتد خارج الصين
مع انتشار الفيروس التاجي الجديد(Covid-19) ، يتجاوز عدد الحالات المؤكدة في جميع أنحاء العالم مئتي ألف شخص. ولكن في ظل عدم وجود اختبارات كافية، فإن هذه الأرقام الرسمية ليست سوى غيض من فيض. ففي الصين، جاء التحول بعد شهر من تشخيص أول حالة إصابة بالفيروس الجديد بفضل إجراءات الاحتواء القوية. لكن خارج الصين، تمَّ الإبلاغ عن أولى الحالات بعد منتصف يناير وما زالت مستمرة في التسارع، حيث تتجاوز حاليًا تلك الموجودة في الصين.
وفي الصين أيضًا، يمكن أن يتراجع تأثير الفيروس في أبريل. لكن خارج الصين، يتوقع علماء الأوبئة حاليًا أن يصل لذروته في شهر يونيو. وإذا كان الأمر كذلك، فسيقتصر الضرر الاقتصادي في الصين إلى حد بعيد على الربع الأول، لكن الآثار الضارة على الاقتصاد الدولي ستتغير جدًا في الربع الثاني.وبافتراض أن الارتفاع في الحالات المستوردة الجديدة في الصين وأماكن أخرى يمكن إبقاؤه عند وضعٍ منخفضٍ، فإن هذا السيناريو الإيجابي نسبيًا سيعني وجود تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي.
وبعد منتصف يناير، كانت هناك توقعات بثلاثة سيناريوهات محتملة لتأثير الفيروس، وهو ما يمكن إعادة تقييمه في الوقت الراهن. وفي سيناريو “التأثير الشبيه بالسارس”، فإن التأثير الموسمي الحاد الذي يمثل معظم الضرر سيتبعه انتعاش جديد. وسيتراجع التأثير على المستوى الإقليمي نسبيًا.وفي سيناريو “التأثير الممتد”، من المتوقع أن يستمر التأثير الضار لمدة 6 أشهر. إذ سيكون التأثير الواسع أشد وسيكون له تأثير على المستوى العالمي. وهو ما يعتبر الاتجاه الذي يسعى إليه الاقتصاد العالمي حاليًا.أمَّا في سيناريو “التأثير المتسارع”، فسيكون الضرر المعاكس أكثر حدة وأوسع نطاقًا مع وجود عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي. فإذا استمرت تدابير الاحتواء بالفشل خارج الصين، فمن المتوقع أن يتحقق هذا السيناريو.
وفي أوائل شهر مارس، توقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض معدل النمو العالمي بنسبة 0.1 نقطة مئوية عن نسبة الـ3.3 ٪ المتوقعة، إذ كانت التقديرات متفائلة جدًا فيما سبق. ويمكن أن ينخفض معدل النمو العالمي إلى 2.4% في عام 2020 وقد يزداد الأمر سوءًا إذا استمرت معدلات الإصابة وبلغ النمو في منطقة اليورو 0.1%، وهو المعدل الأضعف منذ سبع سنوات. والآن من المتوقع أن تسوء الأمور مع استمرار تراجع الناتج المحلي الإجمالي الألماني. كما ستظل فرنسا وإيطاليا في حالة انكماش. وفي المملكة المتحدة، من المرجح أن ينخفض النمو السنوي من 1% إلى 0.2% وربما تزيد على ذلك. وفي إسبانيا، ستعكس حالات الإصابة بالفيروس قدرًا من النمو المتزايد. ومع وجود معدل دَين يصل إلى 135% من الناتج المحلي الإجمالي، ستكون إيطاليا معرضة للخطر بشكل خاص في عام 2020.
وإذا استمرت حالات الإصابة بالفيروس في الزيادة بمنطقة اليورو، فمن المتوقع أن ينخفض النمو الإقليمي إلى 0.5% بل قد يكون أسوأ من ذلك.وفي أميركا الشمالية، تشهد عمليات الإرسال المحلية تناميًا ملحوظًا، ولكن الاختبارات المحلية لا تزال بطيئة إلى حد بعيد. ورغم زيادة الوعي بالفيروس خلال الأسابيع السابقة، فإن حالة من “التسييس” حلت محل التعبئة، إلى جانب سلسلة من الأخطاء، بما في ذلك الاختبارات المحلية الخاطئة والمتأخرة، والفشل في عمليات الإجلاء والحجر الصحي، وتطبيق التراخي ومراقبة الحجر الصحي الذاتي.
وقد توقع صندوق النقد الدولي، أخيرًا، أن يعاني النمو في الولايات المتحدة من التباطؤ من 2.0% إلى 1.6%. لكن لا تزال التقديرات متفائلة جدًا. وبعد تأخر الإدارة الأميركية في إدارة أزمة انتشار الفيروس، قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة لتقترب من الصفر، إلى جانب حزمة دعم جديدة بقيمة 700 مليار دولار للتخفيف من آثارها.وفي المدى المنظور، فإن هذه الخطوة تبدو مفهومة. لكن على المدى الطويل، يتوقع أن تتضاعف من المخاطر الجديدة. ونظرًا لأن الدين الوطني الأميركي يتجاوز حاليًا 23.5 تريليون دولار (107.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي)، فإن عبء ديون واشنطن على قدم المساواة مع إيطاليا قبل أزمة الديون السيادية للاتحاد الأوروبي لعام 2010.
إضافة إلى ذلك، فمن المرجح أن يقترن قطع سعر الفائدة من قِبَل بنك الاحتياطي الفيدرالي بالحوافز المالية، التي قد لا تزال غير كافية. ومع ذلك، ستقتفي البنوك المركزية في أوروبا والمملكة المتحدة واليابان أثر الولايات المتحدة في المزيد من التسهيلات النقدية والمالية. ولكن من المحتمل أن يفشل ذلك في تهدئة المخاوف من الفيروس إذا استمرت معدلات الإصابة في التزايد. وقبل الإصابة بفيروس كورونا، شهد النمو الاقتصادي في اليابان انكماشًا بنسبة 0.7% في الربع الأخير من عام 2019. وبعد ضريبة الاستهلاك التي فرضت في الخريف الماضي والاضطرابات الاقتصادية الناتجة عن ذلك، ساد الانكماش في يناير، في حين طغت الشكوك الكبيرة على أولمبياد 2020 في الوقت الذي تُعتَبر ديون اليابان السيادية أكبر بالفعل من اقتصادها بـ2.4 مرة.
بالإضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية، فإن بقية الاقتصادات الآسيوية المتقدمة في حالة ركود أو تكاد تكون كذلك، بما في ذلك أستراليا والمراكز المالية الإقليمية مثل سنغافورة وهونغ كونغ. ونظرًا لأن هذه البلدان تعتبر بلدانًا استثمارية مهمة في جنوب شرق آسيا، فإن أصداء التحديات التي تواجهها ستتردد في جميع أنحاء آسيا الناشئة.
إن الأضرار المبكرة تبدو محدودة في إطار الاقتصادات الناشئة، وتتزايد المخاطروالمخاوف في جنوب شرق آسيا، إذ وصل النمو المتوقع إلى نسبة 5%. وحتى البلدان التي لديها إمكانات نمو هيكلي قوية، بما في ذلك إندونيسيا وفيتنام والفلبين، لم تعد في مأمن من الضربات غير المباشرة حيث تعتمد التجارة والاستثمار والهجرة وتدفقات التحويلات على البيئة الدولية.وهو ما ينطبق على جنوب آسيا، ولا سيَّما الهند وباكستان وبنغلاديش. ففي الهند، تباطأ معدل النمو في العامين الماضيين من 7.7% إلى 4.7% في يناير الماضي، حيث سيؤدي تأثير الأزمة العالمية إلى تفاقم هذه التهديدات.
وقبل الأزمة، كان الاقتصاد الصيني لا يزال يستفيد من حالة الانتعاش المعتدل. وفي الآونة الأخيرة، توقع صندوق النقد الدولي أن يصل معدل النمو الصيني إلى ما دون 5.6%. ويتوقع المحللون الأميركيون نمو خط الأساس بأقل من 5٪، مع مخاطر انخفاض كبيرة. ومع ذلك، فإذا تمكنت الصين من الحد من التأثير السلبي بشكل رئيس خلال الربع الأول من هذا العام، فلا يزال هناك اختلاف في قصة الارتداد.بل إن الخطر الحقيقي في الصين وغيرها من الاقتصادات الناشئة الكبيرة، يكمن في تأثير ردود الفعل السلبية المحتملة على الاقتصاد العالمي في الربع الثاني. وفي حين أن حالات الإصابة بالفيروس كانت منخفضة حتى اللحظة في روسيا، إلا أنها ستعاقب عليها أسعار النفط، تمامًا مثلما تضرر النمو في البرازيل بسبب انخفاض أسعار السلع.
وفي الشرق الأوسط أيضًا، تتزايد حالات الإصابة بالفيروس من الخليج إلى مصر والاقتصادات المغاربية في شمال إفريقيا. وفي إيران، ترافق انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي والجهود المتواصلة لزعزعة الاستقرار مع تفشي حاد لفيروس كورونا الجديد، مما سيؤدي إلى مزيد من التآكل الاقتصادي.
وتعاني إفريقيا جنوب الصحراء بالفعل من أزمة “إيبولا” المستمرة في الغرب والأوبئة الناشئة عن انتشار الجراد في الشرق، حيث لا تزال حالات الإصابة بالفيروسات منخفضة (جنوب إفريقيا ونيجيريا والسنغال)، لكن الاختبارات بدأت بالفعل. وفي عمليات المحاكاة، تشمل أعلى مخاطر الاستيراد بالبلدان التي لديها قدرة متوسطة أو عالية على الاستجابة لتفشي المرض، في حين أن البلدان المعرضة لمخاطر معتدلة مثل (نيجيريا وإثيوبيا والسودان وأنغولا وتنزانيا وغانا وكينيا) لا تزال لديها قدرات عالية التأثر.
اغتنام الفرص وتجنب المخاطر
إذا تحققت سيناريوهات الهبوط الحالية، فقد يعني ذلك عجزًا بقيمة تريليوني دولار في الدخل العالمي. وهو ما ينطوي على عقاب جماعي للاقتصادات النامية (باستثناء الصين) أي بنحو 220 مليار دولار أو أكثر. وفي مثل هذا السيناريو، سيكون مصدرو النفط هم الأكثر تضررًا. فخلال الشهرين الماضيين، انخفضت أسعار النفط الخام إلى النصف فوصلت إلى أقل من 30 دولارًا. أي أقل من أزمة 2008 بنحو 10 دولارات. في حين يمكن أن يفقد مصدرو السلع أكثر من نقطة مئوية واحدة من النمو، إلى جانب أولئك الذين يعانون من انكشاف تجاري على الاقتصادات الأكثر تأثرًا.
وعلى ذلك، فإن حرب أسعار النفط ستزداد سوءًا. ففي الاقتصادات النامية ذات النظم الصحية الضعيفة، يمكن أن يؤدي الفقر المتوطن وعدم الاستقرار الاجتماعي إلى وباء ثانوي في ظل التأثير العالمي المحتمل. وفي هذه الأزمة، يكون الاقتصاد العالمي قويًا مثل روابطه الأكثر هشاشة. وهنا، فإن المطلوب حقًا هو التعاون متعدد الأطراف بين الاقتصادات الكبرى وعبر الاختلافات السياسية. وفي هذه الحالة، يمكن للصين التي نجحت في تدابير الاحتواء، أن تبيِّن الطريق، إلى جانب القوى الناشئة الكبرى والمتقدمة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: أوراسيا ريفيو
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر