سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
محمد الدخاخني
خلال الأعوام القليلة الماضية، هدّد ممثّلو الحكومة التّركيّة، وحتّى الرّئيس رجب طيّب أردوغان نفسه، بشكل منتظم بالانسحاب من الاتّفاق مع الاتّحاد الأوروبيّ بشأن الّلاجئين و”فتح البوّابات”. في الواقع، بدأ أردوغان في توجيه هذه التّهديدات حتّى قبل توقيع الاتّفاق في آذار (مارس) 2016.
وعندما استضافت تركيا قمّة مجموعة العشرين في أنطاليا في تشرين الّثاني (نوفمبر) 2015، ألمح أردوغان إلى أنّه سيفتح ببساطة حدود بلاده مع الاتّحاد الأوروبيّ إذا لم ترد بروكسل دفع مقابل المساعدة الّتي تقدّمها أنقرة. كان موضوع المناقشة يتمحور حول مبلغ إضافيّ قدره 3 مليارات يورو (3.3 مليار دولار)، وهو مبلغ حصل عليه أردوغان في النّهاية. وفي تلك المرحلة، بدأ الدّبلوماسيّون الأوروبيّون يعبّرون عن شكواهم من أنّ الكتلة الأوروبيّة قد فتحت الباب للابتزاز.
وقد نصّ الاتّفاق المبرم بين بروكسل وأنقرة على أن تستعيد تركيا الّلاجئين السّوريّين الّذين شقّوا طريقهم إلى اليونان حتّى ذلك الحين. وفي مقابل كلّ لاجئ يعاد إلى تركيا، سيتمّ إعادة توطين سوريّ آخر في الاتّحاد الأوروبيّ. وكُلّفت تركيا أيضاً بمنع المتّجرين بالبشر من إرسال الّلاجئين عبر بحر إيجه وإغلاق حدودها البرّيّة مع اليونان وبلغاريا أمام الّلاجئين.
خلال الأعوام الأربعة الماضية، تلقّت تركيا حوالي 6 مليارات يورو من المساعدات الماليّة من الاتّحاد الأوروبي لدفع تكاليف الإقامة والطّعام والتّعليم لنحو 3 ملايين لاجئ سوريّ. كما وعد الاتّحاد الأوروبيّ بتسريع المفاوضات حول انضمام تركيا إلى الاتّحاد، والسّفر بدون تأشيرة إلى الاتّحاد للمواطنين الأتراك، وتوسيع الاتّحاد الجمركيّ بين تركيا والدّول الأوروبيّة.
من جانبها، لطالما اشتكت الحكومة التّركيّة من أنّ الاتّحاد الأوروبيّ لم يدفع مبلغ الـ 6 مليارات يورو بالكامل، وأنّ الاتّحاد يتكاسل فيما يتعلّق بمفاوضات الانضمام والاتّفاقيات الأخرى. والمفوضيّة الأوروبيّة عبّرت عن اختلافها، مدعية أنّ الأموال قد دفعت بالكامل – وإن كان ذلك لمنظّمات مساعدة الّلاجئين وليس مباشرةً إلى الدّولة التّركيّة.
المستشارة الألمانيّة، أنجيلا ميركل، قامت بزيارة إسطنبول في كانون الثّاني (يناير) الماضي، حيث وافقت على طلبات أردوغان المتكرّرة للحصول على مزيد من الأموال لمساعدة بلاده على التّعامل مع الّلاجئين. وأبدى الاتّحاد الأوروبيّ استعداده لاستثمار عدّة مليارات يورو على مدار الأعوام المقبلة، وقالت ميركل إنّ ألمانيا مستعدّة أيضاً للمساعدة في بناء مساكن للّاجئين في المناطق الّتي تسيطر عليها تركيا داخل سوريا.
وبالرّغم من كلّ عيوبه، فإنّ اتّفاق الّلاجئين كان له التّأثير المطلوب لثني الوافدين الجدد. وقرّر العديد من الّلاجئين السّوريّين، الّذين أدركوا أنّ السّبل ستتقطّع بهم في النّهاية في الجزر اليونانيّة، أنّه من الأفضل عدم القيام بهذه الرّحلة على الإطلاق. ومن ثمّ انخفض عدد الوافدين الجدد إلى اليونان بشكل كبير منذ دخول الاتّفاق حيّز التّنفيذ في أوائل عام 2016، حتّى قرّر أردوغان فتح الحدود فعليّاً الأسبوع الماضي.
ومع ذلك، فإنّ الاتّحاد الأوروبيّ لم ينفذ بالكامل التّدابير الّتي وافق عليها في ذلك الوقت. على سبيل المثال، بالرّغم من المساعدات الماليّة الهائلة المقدّمة من بروكسل، ما تزال اليونان غير قادرة بشكل محزن على معالجة طلبات الّلجوء المقدّمة من السّوريّين في الوقت المناسب. ويمكن أن يستمرّ الإجراء بأكمله لشهور وحتّى أعوام.
نتيجة لذلك، كان عدد عمليّات الإعادة من الاتّحاد الأوروبيّ إلى تركيا أقلّ بكثير ممّا كان متوقّعاً في الاتّفاق الأصلي بشأن الّلاجئين. واليوم، هناك حوالي 20 ألف شخص عالقون في ظروف بالغة السّوء في أقصى شرق اليونان، في أماكن مثل مخيّم موريا للّاجئين في ليسبوس.
لكن الكثير تغيّر أيضاً في تركيا خلال الأعوام الأربعة الماضية. فقد تعاملت الحكومة بلا رحمة خلال هجماتها على الصّحافيّين والنّقّاد، وهناك عدد من المواطنين الألمان في زنازين السّجون التّركيّة. أيضاً، بردت علاقات أنقرة مع بروكسل بدرجة كبيرة في أعقاب الانقلاب الفاشل في عام 2016.
ومع ذلك، بالرّغم من أوجه القصور في تنفيذ الاتّفاق، تواصل المفوضيّة الأوروبيّة النّظر إلى أنقرة على أنّها الشّيء الوحيد الّذي يمنع تدفّقاً هائلاً للّاجئين يُغرِق طريق البلقان كما حدث في عام 2015.
ليس من المفاجئ، إذاً، أن تميل الدّول الأعضاء في الاتّحاد الأوروبيّ إلى الرّدّ بقلق عندما تهدّد تركيا بالانسحاب من الاتّفاق. على سبيل المثال، أعلنت الحكومة البلغاريّة بالفعل أنّها مستعدة لإرسال جنود إضافيّين إلى حدودها، إذا لزم الأمر.
المصدر: حفريات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر