سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سامية قاصد
المتابع للمشهد منذ اندلاع الأزمة الخليجية – القطرية ربما لا يمتلك من السيناريوهات ما يجعله يضع تصورًا لشكل النهاية لهذه الأزمة، إلا أنه يجد بكل وضوح المعطيات والأسباب التي اجتمعت عليها الدول المقاطعة، ومآلات مستقبلية للأزمة تزيد خسائر الدوحة وتهدد الأمن القومي العربي، حال تمسكت الدوحة بموقفها.
تهديد استقرار المنطقة وتوفير بيئة راعية للإرهاب واستخدام وسائل إعلام تسعى إلى إثارة القلاقل والتوترات في المنطقة من حين إلى آخر، كانت من أهم الأسباب المعلنة لأزمة قطر مع جيرانها.
غير أن الحديث عن أن اختراقًا لموقع وكالة الأنباء القطرية كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر الدوحة، حيث إنها ليست هذه هي المرة الأولى التي تعبر فيها دول الخليج عن رفضها التام لسياسات دولة قطر، فقد قامت دول الخليج بقطع العلاقات مع قطر لمدة تسعة أشهر في عام 2014، إلا أنّ دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين وما يتردد بشأن علاقاتها مع بعض عناصر من تنظيم القاعدة وحركة طالبان، إضافة لعلاقاتها مع إيران أدى في الآونة الأخيرة إلى مزيد من التوتر في المنطقة بشكل عام وفي الخليج بشكل خاص.
لائحة مطالب تضمنت 13 مطلبا منحتها الدول الأربع، السعودية والإمارات والبحرين ومصر ، لقطر من أجل إعادة العلاقات لسابق عهدها وبعد مهلة مدتها عشرة أيام منحتها الدول المقاطعة لقطر حتى تستجيب للمطالب انتهت في الثالث من يوليو- تموز لتبدأ مهلة جديدة مدتها 48 ساعة إضافية قبل أن يأتي رد قطر على لسان وزير خارجيتها بأن مطالب الدول المقاطعة لقطر وضعت كي تُرفض، الرد الذي زاد الموقف تعقيدًا وأنذر بمزيد من الخسائر لدى الدوحة.
الصوت المقاطع لقطر والمؤيد لهذه المقاطعة يؤكد أن الدول الأربع منحت قطر العديد من الفرص حتى يتجنب البيت الخليجي أي احتمال للتصدع إلا أن الجانب القطري ضرب بكل هذه الفرص عرض الحائط، فحينما قررت كل من المملكة العربية السعودية، البحرين، الإمارات العربية المتحدة، ومصر قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر في 5 يونيو 2017، وتبعتها دول أخري ما بين قطع للعلاقات الدبلوماسية مثل اليمن وليبيا وجزر المالديف وجزر القمر وما بين تخفيض التمثيل الدبلوماسي مثل الأردن وموريتانيا وجيبوتي، من منظور المقاطعين والمؤيدين للمقاطعة فإن الجانب القطري كان بإمكانه احتواء الأزمة، خاصة في ظل وساطة كويتية وغيرها من المساعي والوساطات التي كانت من الممكن أن تنتهي بالأزمة القطرية نحو الحل بينما التعنت القطري قاد الأزمة إلى مزيد من التعقيد.
وعلى الجانب الآخر نجد الصوت القطري والمؤيد له ينفي رعاية قطر للإرهاب بل ويذهب إلى أن قطر بذلت جهودا أكبر مما بذلته جاراتها لمكافحته، ولا يرى إلا أن ما يراد من هذه المقاطعة الخليجية هو فقط فرض للسيطرة وانتهاك للسيادة .
وبين هذا الرأي وذاك يظل الإرهاب هو الفائز الأول في هذه الأزمة، وما أصبح جليًا للجميع أن هذه الأزمة ربما تحطم حلم السوق الخليجية المشتركة، ما يضيف فصلا مأساويا للمشهد الخليجي.
خيارات عسكرية تؤكد الدول المقاطعة لقطر بأنها غير مطروحة، بينما يعلو الصوت القطري بالحديث عن اللجوء إلى آليات دولية قانونية حتى تتراجع الدول الأربع عن إجراءاتها ضد الدوحة.
قطر أضاعت ثلاث فرص ذهبية كان بإمكانها تسوية الأزمة سياسيًا وبوساطة خارجية، أولاها الفرصة التي أتاحتها ولا تزال الكويت من خلال مساعٍ مكوكية للقيادة السياسية هناك، جابت إزاءها أطراف الخليج ومصر وأوروبا في آن معًا. رغبة الدول المقاطعة إزاء هذا التحرك لا تزال سارية أيضًا لولا التمسك القطري بموقفه الرافض للمطالب العربية، وإن كان المسعى الكويتي في هذه المرحلة الأكثر سهولة للحل باعتبار أن تسوية الأزمة من داخل البيت الخليجي وهو ما يتسق مع مقاربات طرحتها القاهرة ودول إقليمية رفضت تدخلات خارجية في خضم الأزمة.
المبادرة الخليجية وإن كانت لم تلمس حلاً في الأفق لكنها لا تزال سارية المفعول، وهو ما تردد في بيانات الدول الأربع تعليقًا على الأزمة مؤخرًا؛ ما يعني أن تحركًا جديدًا مشفوعًا برغبة قطرية في الحل ربما يؤتي ثمارًا سريعة.
ثاني الحلول التي رفضتها قطر متكئة على ظهير داعم «تركي إيراني»، عندما حطت خطى وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في الدوحة والكويت وعدة دول خليجية عاد أدراجه إلى واشنطن بلا نتائج تذكر، سوى بعض الكلمات التي بدت مطاطة في ألفاظها ومضمونها، والتي من بينها أنّ دور قطر في الأحداث الجارية «بات مهمًا» وهي التصريحات التي – بالطبع – تختلف مع رؤية البيت الأبيض، وكشفت عن أن البيت الأمريكي بكله لم يتفق على موقف واضح إزاء تلك الأزمة، لاسيما أن الرئيس دونالد ترامب أكد أكثر من مرة دعمه لموقف الدول المقاطعة وتأييده لمطالبها، قبل أن يعود ليقول إن مهمة مبعوثه الدبلوماسي تيرسلون «مهمة جيدة»، ما يمكن صبغ الموقف الأمريكي بالمطاط.
ثالث الفرص التي لم تنجح قطر في استغلالها، هي الورقة الأخيرة المتمثلة في القيادة التركية التي ترتبط بعلاقات جيدة مع الطرفين «دول الخليج وقطر»، لكنّ جولة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الخليج والتي حمل فيها، على ما يبدو، مطالب غير واقعية لصالح الدوحة انتهت فيها المباحثات بلا تقدم يذكر على صعيد الأزمة.
في خضم استمرار تشرذم البيت الخليج فإن الدوحة عازمة، على ما يبدو، على التمسك بموقف داعم في حدوده السياسية والأمنية والعسكرية لجماعات وتنظيمات إرهابية، يمكن قراءته على أنه خشية تخوف الدوحة من فك الارتباط الذي يمكن أن يقلب الطاولة التشاركية رأسًا على عقب، فتدير تلك الجماعات وجهها صوب الدولة القطرية، وهو تخوف مقترن دائمًا بمروض الأسود حين يفكر في لحظة التضحية بربيبه.
لكنّ المدقق في الموقف يكتشف أن ثمة أربع مآلات تنتظر الموقف الأكثر تعقيدًا في المنطقة خلال السنوات الماضية، أولها تمسك قطر بموقفها الداعم للإرهاب وهو ما يعني تكبدها مزيدًا من الخسائر الاقتصادية والسياسية والأمنية، تلقي بظلال أكثر تأثيرًا على أمن المنطقة برمته، وثانيها أن تدخل الأطراف في حوار سياسي ربما يفضي إلى حل مشروط للأزمة وهو أقل المآلات خسارة، ثالثها أن تجبر الخسائر المتتالية لقطر على تغيير موقفها بالرضوخ إلى مطالب الدول المقاطعة وهي الفرضية التي تحتاج وقتًا تشعر إزاءه الدوحة بأن لا ملجأ إلا الرضوخ شريطة أن تتحرك الرؤوس العاقلة في الداخل القطري وإبعاد العقول المدبرة -وإن صح التعبير- المخربة للبيت القطري وعلى رأسهم رأس الإعلام عزمي بشارة، وآخر المآلات ورابعها أن يبقى أركان البيت كما هو مع تحول في السياسيات والرؤى لصالح الموقف المحافظ على الأمن القومي العربي.
باحثة في الشؤون العربية*
@samiakased111
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر