سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
فريزر كاميرون
إن رحيل بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي يُعَدُّ – بلا شك – ضربة قوية لطموحات السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد. فقد دعت “أورسولا فون دير لاين”، الرئيس الجديد للمفوضية الأوروبية، أوروبا إلى لعب “دور جيوسياسي” أكبر، لكن هذا سيكون أشد صعوبة مع فقدان قوة نووية وواحد من المقعدين الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى منافسة بين 440 مليون مواطن من الاتحاد الأوروبي و60 مليون في المملكة المتحدة فيما يتعلق بالاهتمام بآسيا. لكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن يعرقل خطط الاتحاد الأوروبي لتعميق العلاقات مع آسيا هذا العام. إذ يتم التخطيط لعدد من اللقاءات مع شركاء آسيويين في ظل مساعي الجانبين للحفاظ على نظام دولي قائم على القواعد في ظل تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وتنظر آسيا بشكل متزايد إلى الاتحاد الأوروبي باعتباره جهة فاعلة مستقرة وقابلة للتطور، وقوة تنظيمية كبرى، إضافة إلى كونه دعامة للنظام العالمي المتعدد الأطراف. وكما صرح رئيس الوزراء الياباني “شينزو آبي” في بروكسل العام الماضي، بأن “العلاقات الأوثق بين الاتحاد الأوروبي وآسيا لا يمكن أن تؤدي إلا إلى وضعٍ مربح للجانبين”، فإن الغرض من الاجتماعات الأخيرة قد تمثل في التحضير لقمة شاملة بكمبوديا في نوفمبر، يُتوقع أن يناقش فيها زعماء الاتحاد الأوروبي والآسيوي قضايا تمس التجارة العالمية وتغير المناخ والاتصالات. وسيصل النشاط الدبلوماسي الأوروبي لذروته الأسبوع المقبل عندما يزور وزير خارجية تايلاند بروكسل لإطلاق اتفاقية “الاستدامة” بين الاتحاد الأوروبي وآسيان. كما سيصل وزير الخارجية الكوري إلى المدينة ذاتها لإجراء محادثات قبل حضور مؤتمر ميونيخ للأمن.
وفي مارس قام “ناريندرا مودي”، رئيس وزراء الهند، بزيارة بروكسل لمناقشة القضايا العالمية مع فريق القيادة الجديد في الاتحاد الأوروبي. ثم تنتقل القافلة إلى سيول وطوكيو حيث تُتاح الفرصة لـ”فون دير لاين” و”تشارلز ميشيل” الفرصة للتعرف على “مون” و”آبي”، وكذلك تطوير العلاقات الثنائية.
لكن التحدي الأكبر سيكون في التعامل مع الصين، التي يصفها الاتحاد الأوروبي حاليًا بأنها “منافس نظامي”. فقد فوجئت بكين عندما خرج الاتحاد الأوروبي بورقة سياسة جديدة صارمة في مارس الماضي، ومنذ ذلك الحين وهي تسعى لإقناع الاتحاد الأوروبي بأنها لا تزال ملتزمة بالعمل في إطار تعددية مشتركة. إذ تخطط لقمتين، واحدة في أبريل في بكين، وأخرى في ليبزيغ في سبتمبر، ومن المقرر أن يلتقي فيها الرئيس “شي جين بينغ” جميع زعماء الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 27، في إطار قامت بهندسته المستشارة “أنجيلا ميركل” لتعزيز وحدة الاتحاد الأوروبي.
ولكن إذا لم يكن هناك اتفاق بحلول ذلك الوقت على مفاوضات معاهدة الاستثمار الثنائية بين الاتحاد الأوروبي والصين، فإن بروكسل على استعداد لتقديم عدد من التدابير لتقييد النشاط التجاري الصيني في أوروبا، وهو ما قد يشمل عملية مراجعة شاملة ودقيقة لفرص الاستثمار بشكل أكثر صرامة ربَّما يتضمن وضع قيود على العروض الصينية للمشاريع العامة. كما يتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات لسد الفجوة التكنولوجية التي كشف عنها النقاش الدائر حول قضية تكنولوجيا الجيل الخامس وشركة “هواوي”. ويكمن الأساس المبدئي لذلك التوجه، وفقًا لـ”فيل هوغان” الاقتصادي الكبير ذي المكانة المرموقة في أوساط الاتحاد الأوروبي، في “المعاملة بالمثل”. وبعبارة أخرى، فإن الاتحاد الأوروبي يبدو مستعدًا في الوقت الراهن للقيام بخطوة قوية تجاه الصين. وإذا استمرت الأخيرة في فرض قيودٍ على الشركات الأوروبية لديها، فإنها ستواجه بنفس الموقف في أوروبا.
وستظل التجارة ذات أولوية قصوى في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وآسيا. فقد جرى التوقيع والتصديق خلال العام الماضي على اتفاقيات تجارية مع اليابان وسنغافورة، وذلك في أعقاب صفقة ناجحة مع كوريا الجنوبية قبل بضع سنوات. كما أن البرلمان الأوروبي هو الآخر على وشك التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة مع فيتنام، وتُجرى المفاوضات مع أستراليا ونيوزيلندا. بجانب ذلك، فإن الدول الآسيوية الأخرى، ومن بينها تايلاند وماليزيا وإندونيسيا، تبدو مستعدة لبدء المحادثات. وهو ما يدل على أن جميع الدول الآسيوية تقريبًا راغبة في الوصول إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإنها تخضع بشكلٍ متزايد لمعايير الاتحاد الأوروبي التنظيمية.
وهذا يعيدنا إلى عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكسيت”، إذ يشعر معظم القادة الآسيويين بالحيرة لقرار المملكة المتحدة بالابتعاد عن أكبر سوقٍ في العالم. وعلى أية حال، فحتى تلك البلدان التي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع بريطانيا، ستكون الأولوية بالنسبة لها هي تأمين علاقاتها التجارية مع سوق الاتحاد الأوروبي الكبير. إذ تخطط المملكة المتحدة لفتح عددٍ قليلٍ من المشروعات التجارية في آسيا، لكن من غير المرجح أن يغير هذا المفهوم الشامل في آسيا حول من هو الشريك الاقتصادي الأكثر أهمية. كما تشعر العديد من الدول الآسيوية، واليابان على وجه الخصوص، بالخداع إزاء تراجع بريطانيا عن وعودها السابقة التي تمَّ منحها فيما يتعلق بحرية الوصول إلى السوق الموحدة في حال قيام شركاتها بالعمل في المملكة المتحدة.
وبخلاف جدول الأعمال الخاص بالقمة الأوروبية الآسيوية، فإنه لا توجد نوايا لـ”بوريس جونسون” لزيارة آسيا. كما أنه ليس من المؤكد إن كان استقباله سيلقى ترحيبًا حارًا خلال القمة المقبلة، أم لا. ولن تكون الهند سعيدة ما لم يكن هناك المزيد من فرص العمل الإضافية. بجانب ذلك، فمن غير المرجح أن تختفي خيبة أمل طوكيو تجاه المملكة المتحدة في المستقبل المنظور. فقد أوضحت الصين أن أي صفقة تجارية مستقبلية ستعتمد على استمرار شركة “هواوي” في المشاركة في شبكة الجيل الخامس البريطانية. وهو ما سيُغضِب واشنطن ويؤثر سلبًا على العلاقة الخاصة التي هي باهتة في الأساس.
لقد كانت بريطانيا رائدة تقليدية في ميدان التجارة الحرة، لكن هذا الأمر سيستمر بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كما يتضح من اتساع نطاق الصفقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والدول الآسيوية، فقد تحاول المملكة المتحدة لعب دورٍ محافظٍ في حماية نفوذها وزيادته. وفي هذا السياق وعدت لندن بإرسال حاملة طائرات جديدة إلى بحر الصين الجنوبي في مرحلة ما في المستقبل، لكن هذا الأمر سيثير غضب بكين حتمًا. وبصرف النظر عن فرنسا، التي لديها أيضًا قدرة عسكرية يمكن نشرها في آسيا، فإن الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ستعتمد بدرجة أكبر على القوة الناعمة، مثل الإنترنت، ومكافحة الانتشار، وبناء القدرة على الصمود. وقد لا تكون الجهود المساعدة في حل النزاعات وإعادة بناء المجتمعات التي مزقتها النزاعات في وضعٍ لافت للنظر مثل مرور حاملات الطائرات من بحر الصين الجنوبي، لكن لا ينبغي التقليل من أهمية هذه الأنشطة.
إن الاتحاد الأوروبي بالفعل يعدُّ هو الجهة المانحة الرئيسية في آسيا من حيث التنمية والمساعدة الإنسانية، إذ تمَّ الترحيب في آسيا باستراتيجية الاتصال التي وضعها الاتحاد والتي تركز على الشفافية واستدامة مشاريع البنية التحتية التي تربط القارتين الأوروبية والآسيوية. على أن يكون الهدف من ذلك هو عدم السماح للصين بحرية إطلاق “مبادرة الحزام والطريق”. لكن مدى فعالية ذلك سيعتمد إلى حدٍ بعيدٍ على الأموال التي يعدُّ الاتحاد الأوروبي مستعدًا لطرحها على الطاولة، وهو ما لن يتضح إلا عندما يتم الاتفاق على الميزانية الجديدة في غضون شهرين.
إن الاتحاد الأوروبي يأمل في أن يُظهر القادة الآسيويون تفهمًا أكبر لأهمية “القوة الناعمة”، والعمل معًا لحل النزاعات. فما من شهر يمر، إلا ويشهد زيارات لوفودٍ من الآسيان لبروكسل تسعى للاستفادة من تجربة الاتحاد الأوروبي في مختلف المجالات.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مركز الدراسات الأوروبية الآسيوية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر