سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كريس شانج
بخلاف العامين الأخيرين، ركز خطاب بوتين عن حال الأمة على القضايا الاجتماعية والاقتصادية المحلية، وخاصة مستقبل النظام الرئاسي للحكومة. ويمكن القول إن عدم انتقاد الغرب يدل على استعداد روسيا لتطبيع العلاقات معها.
فخطاب الرئيس فلاديمير بوتين الذي ألقاه، أخيرًا، عن حالة الاتحاد أمام مجلس البرلمان الروسي في 15 يناير 2020، ظل ثابتًا، لكن التغيير الوحيد الذي طرأ عليه تمثل في التغييرات التي اقترحها على الدستور.
فحتى الآن، يعين الرئيس رئيس الوزراء بموافقة مجلس الدوما. ويتضمن اقتراح بوتين أن يقوم الدوما بتعيين رئيس الوزراء بدلاً من الدوما، وكذلك جميع نواب رئيس الوزراء وغيرهم من الوزراء الذين يوصي بهم رئيس الوزراء. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس “سيتعين عليه تعيينهم، وبالتالي لن يكون له الحق في رفض المرشحين الذين وافق عليهم البرلمان”.
هل يعني ذلك تعزيز النظام الجمهوري الرئاسي؟
لقد شدد بوتين على أن هذه الخطوة “ستزيد من دور وأهمية مجلس الدوما، والأحزاب البرلمانية، وكذلك استقلال ومسؤولية رئيس الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء الآخرين، بالإضافة إلى جعل التعاون بين السلطتين التمثيلية والتنفيذية للحكومة أكثر فاعلية وموضوعية”.
وفي الوقت نفسه، أوضح بوتين أن “روسيا يجب أن تظل جمهورية رئاسية قوية”.
وفي هذا الصدد، يجب على الرئيس “الاحتفاظ – بلا شك – بالحق في تحديد مهام الحكومة وأولوياتها، وكذلك الحق في إقالة رئيس الوزراء ونوابه والوزراء الاتحاديين في حالة عدم قيامهم بواجباتهم بشكل صحيح أو عند فقدانهم الثقة”.
وقد اقترح بوتين أن “يمارس الرئيس أيضًا القيادة المباشرة على القوات المسلحة ومنظومة إنفاذ القانون كله. وفي هذا الصدد، فإن ثمة خطوة أخرى ضرورية لتوفير توازن أكبر بين فروع السلطة.”
ولضمان الدعم الشعبي الواسع، اقترح بوتين مجموعة من التغييرات الدستورية التي سوف تطرح للاستفتاء، إذ سوف يكون القرار النهائي على أساس نتائجها فقط.
خطوة بوتين ليست مفاجأة
إن مقترحات بوتين لا تبدو مفاجأة أو غير متوقعة. ففي عامي 2018 و2019، اقترح رئيس مجلس الدوما، “فياتشيسلاف فولودين”، وهو مساعد سابق لبوتين ويعتبر حليفًا سياسيًا وثيقًا، تقوية سلطة مجلس الدوما، بما في ذلك تشكيل الحكومة.
وفي مؤتمره الصحفي في نهاية عام 2019، اقترح بوتين نفسه الحد من السلطات الرئاسية وزيادة سلطات مجلس الدوما. وبعد خطاب بوتين في 15 يناير، استقال رئيس الوزراء “ديمتري ميدفيديف” من منصبه، ثم تمَّ تعيينه بعد ذلك نائبًا لرئيس مجلس الأمن القومي.
ثم تمَّ تعيين رئيس “ميخائيل ميشوتين”، رئيسًا للوزراء، الذي تتوفر لديه خبرة في إدارة الضرائب. وبالفعل تمت الموافقة على تعيينه من قِبَل مجلس الدوما.
ويعود الفضل لـ”ميشوتين” في إنشاء نظام إداري فعال وجيد للضرائب. ويذكر أنه التقى وزير النقل السنغافوري، السيد “لي كوان يو” قبل عقد من الزمان تقريبًا خلال زيارة الأخير لموسكو. إذ يمتلك “ميشوتين” أفكارًا واضحة بشأن تطور روسيا ومستقبلها، كما أنه يجيد اللغة الإنجليزية، ما يجعله أكثر إثارة للإعجاب.
هل يحتفظ بوتين بالسلطة بعد عام 2024؟
لقد كانت هناك تكهنات بأن رغبة بوتين تركزت على الاحتفاظ بالسلطة بعد عام 2024. وهو ما قد يستلزم الاندماج مع بيلاروسيا في دولة موحدة تحت قيادته السياسية، أو أن يعين رئيس وزراء أكثر قوة في إطار تشكيل سياسي جديد.
لكن يبدو أن الاندماج مع بيلاروسيا قد توقف بسبب قيام الرئيس البيلاروسي “ألكسندر لوكاشينكو” بالتراجع عن اقتراح روسيا الثابت. وبالتالي، فإن إيلاء رئاسة وزراء لشخصٍ أكثر قوة في تشكيل سياسي جديد سيكون له تأثير بالطبع.
وقد تمَّ تفسير المقترحات الأخيرة لبوتين على أنها محاولة لتولي رئاسة الوزراء مرة أخرى بعد عام 2024. إذ إنه شغل هذا المنصب سابقًا من 2008-2012 منذ أن منع الدستور ولاية ثالثة على التوالي.
وأصبح “ميدفيديف”، الذي كان في ذلك الوقت رئيسًا للوزراء، رئيسًا. وعلى خلاف الفترة من 2008-2012، سيعود منصب رئيس الوزراء بعد عام 2024 بمزيد من السلطة.
قراءة معيبة
مع ذلك، يبدو هذا التفسير معيًا وذلك لأسباب ثلاثة على الأقل:
أولاً، إن اقتراح بوتين تعزيز سلطات الدوما يقابله اقتراحه بضرورة أن تظل روسيا جمهورية رئاسية قوية، مع احتفاظ الرئيس بسلطات واسعة.
ثانيًا، تنص اقتراحات بوتين على أن يتم اتخاذ مجموعة التغييرات الدستورية كلها عن طريق الاستفتاء، إلا أنه يثق في وجهة نظر مواطنيه وقراره في هذا الشأن، حيث لا تزال معدلات الموافقة عليه مرتفعة نسبيًا، على الرغم من الصعوبات الاقتصادية في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فليس هناك ما يضمن أن يؤدي الاستفتاء إلى النتيجة المرجوة.
ثالثًا، من المرجح أن يسعى بوتين إلى ضمان وجود انتقال حقيقي إلى حقبة ما بعد بوتين مع توازن القوى بين رئيس المستقبل ورئيس الوزراء.
لكن من السابق لأوانه تحديد ذلك. لكن على أية حال لا يمكن للمرء أن يستبعد احتمال أنه سيتولى دور رجل الدولة بعد عام 2024، وفي ذلك الوقت سيكون عمره 72عامًا.
هل يحمل ذلك انفراجة ثانية مع الغرب؟
على النقيض من خطابه عن حالة الاتحاد، فإن غياب أي لغة قاسية عن الغرب أو انتقاده يدل على رغبته في تخفيف التوترات.
فبوتين يدرك تمامًا الدور الهام الذي تؤديه الاستثمارات الغربية والوصول إلى الأسواق والتكنولوجيا والتمويل في تنمية الاقتصاد الروسي. كما أنه يدرك أيضًا بنفس القدر الحاجة إلى ضمان ألا تؤدي علاقات روسيا المتنامية مع الصين إلى خللٍ في سياسة موسكو الطويلة الأمد والمتمثلة في عدم الاعتماد على أي من منافسيها التقليديين.
وبالتالي، فقد جاء التركيز على الحاجة “لإجراء مناقشة جادة ومباشرة حول المبادئ الأساسية لنظام عالمي مستقر وأخطر المشاكل التي تواجهها البشرية”.
لقد كانت لغة بوتين التصالحية مع الغرب واضحة في عرضه “لتعزيز التعاون مع جميع الأطراف المعنية. حيث ليس هناك تهديد لأحد، كما لا نسعى لفرض إرادتنا على أي شخص.”
وللتأكيد على أن روسيا لم تكن وراء الغرب أو الصين في تطوير الأسلحة، يقول بوتين: “لأول مرة على الإطلاق، أريد التأكيد على هذا، لأول مرة في تاريخ أسلحة الصواريخ النووية، بما في ذلك الفترة السوفييتية والحديثة في بعض الأحيان، لا نلحق بالركب مع أي شخص، ولكن على العكس من ذلك، فإن الدول الرائدة الأخرى لم تصنع الأسلحة التي تمتلكها روسيا بالفعل”.
وعلى ذلك، فمن المؤكد أن عهد دينتيف لا بريجنيف في ذهن الرئيس بوتين عند إلقاء خطاب حالة الأمة لعام 2020.
الآثار المترتبة على الآسيان
إن تركيز روسيا على القضايا الاجتماعية والاقتصادية الداخلية والإشارات إلى الغرب من أجل تخفيف حدة التوترات يُعَدُّ أمرًا مرحبًا به من قِبَل الآسيان. وإذا وصلوا إلى نتيجة لذلك، فإنه سيعني مستوى أعلى من التفاعل السياسي والاقتصادي مع روسيا.
إضافة إلى ذلك، ففي مواجهة التوترات الحالية بين الصين والولايات المتحدة، فإن روسيا الأكثر نشاطًا في رابطة أمم جنوب شرق آسيا، ستفيد كلا الجانبين فقط، وقد تؤدي إلى مزيد من التوازن في المنطقة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: معهد راجاراتنام للدراسات الدولية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر