الطائرات بدون طيار والوكلاء: هل يمكن للقانون الدولي التعامل مع “التهديدات غير المرئية”؟ | مركز سمت للدراسات

الطائرات بدون طيار والوكلاء: هل يمكن للقانون الدولي التعامل مع “التهديدات غير المرئية”؟

التاريخ والوقت : الإثنين, 20 يناير 2020

جويل نج

 

سيطر النقاش حول اغتيال الولايات المتحدة للجنرال الإيراني قاسم سليماني على مطلع عام 2020. وفي حين أن الحديث عن الحرب يعدُّ أمرًا سابقًا لأوانه، فإن هناك تحديات واضحة للقانون الدولي تكمن في التكنولوجيات الجديدة، وانتشار التهديدات، وعدد من المبادئ القديمة مثل “السيادة”.

لكن النقاش الدائر حول شرعية القتل يتجاهل نقطة أساسية، فهي لا تتمسك بالضرورات الأخلاقية، بل بالمصالح الذاتية، إذ تنشأ الإشكالية عندما لا تشعر الدول أن اتباع القانون الدوليإنما هو في مصلحتها الذاتية، وذلك على الرغم من وصمة العار المرتبطة بتلك المسألة. فإذا شعر عددٌ كافٍ من الدول بهذه الطريقة، فستبرز عدد من المشاكل المنهجية، لكن لا تزال هناك حاجة إلى الإصلاح، بدلاً من التمسك بواجب الأخلاقيات المتبع.ففي عام 2012، تكهن أستاذ القانون بجامعة هارفارد “غابرييلا بلوم”، بظهور (تهديدات غير مرئية). وفي وصفها، افترضت بلوم “فيروسًا قاتلاً بدون طيار لديه القدرة على تسميم هدف فتاك ثم تدميره ذاتيًا، دون ترك أي أثر للقاتل الذي يفعل ذلك عن بعد”.

وقد كانت الفكرة أن تلك الكيانات القاتلة المتناهية الصغر، كما وصفتها “بلوم”، يمكن أن تشكل ذات يوم تهديدًا جديدًا؛ لأن الهياكل الأمنية والقانونية والسياسية الحالية ضعيفة من الناحية التنظيمية. كما لاحظت “أن تطويع تلك التهديدات تجعل من الصعب ربط الهجمات بمصادرها، وبدون هذه القدرة لا يمكن اتخاذ أي إجراء انتقامي أو عقابي أو حتى وقائي بشكلٍ فعالٍ، وهو ما يؤدي إلى التأثير على عدد قليل جدًا من الفاعلين المحتملين والكثير من الأبرياء”.

لقد تطور التهديد بالفعل مع انتشار الإرهاب العابر للحدود، ولكن “عملية احتواء التهديد” قد بدأت (من الناحية الفنية) من خلال بعض الوكلاء والجهات الفاعلة من غير الدول. وإضافة إلى ذلك، قد تتوسع قدرات إيران الآن باستخدام تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، التي تمَّ توضيحها في الهجوم الذي وقع في سبتمبر 2019 على المنشآت النفطية بالسعودية. وفي حين أعلن المتمردون الحوثيون اليمنيون مسؤوليتهم، فقد تمَّ رفض ذلك من خلال تقييمات المخابرات الأميركية، التي وجهت اللوم على إيران، وهي الاتهامات التي نفتها إيران بطبيعة الحال.

وتعدُّ الولايات المتحدة هي الدولة الرائدة في مجال الطائرات بدون طيار، وكذلك الجهات الفاعلة غير الحكومية، وكذلك القدرة على التعامل مع الجهات الفاعلة المختلفة، سواء كانت حكومية أو غير حكومية. إذ يصعب تصور أن تفقد تلك التكنولوجيا قدرتها على الوصول للأهداف المحتملة، وقد حفَّز هذا الأمر السباق نحو التسلح. وبغض النظر عمَّن وجَّه الطائرات بدون طيار ضد المصافي السعودية، فإن المبدأ يبدو واضحًا؛ فهذه الطائرات توفر قدرات عن بعد، مع إمكانية إنكار معقولة خارج حدود الدولة القومية، ذلك أن من يقوم بالمهمة هي الجماعات التي تقوم بدور الوكيل. ومع ذلك، فإن الطائرات بدون طيار التي تقع في أيدي هذه الجماعات تتجاوز حدود القانون الدولي، حيث تزعم أنها تحافظ فقط على سيادة الدولة.

وفي حين أن ذلك لا يعني أن اغتيال سليماني كان ردًا على الهجمات على المنشآت السعودية، إلا أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قرر أن أكثر الطرق فاعلية لهذه التهديدات الأمنية غير الحكومية المنتشرة، التي تشير بشكل واضح إلى إيران، هي قطع الرأس. فقد حشدت إيران عددًا من الجماعات الفاعلة من غير الدول، حيث كانت الولايات المتحدة غارقة في القتال بشكل غير فعال ضد هذه الجماعات التي كانت ترتبط بقيود القانون الدولي. هنا يبرز التساؤل: هل كان قرار ترمب بوقف التهديد صحيحًا، أم أنه سيطلق العنان لعدد أكبر من الجماعات الأعداء المنتشرين ضد الغرب؟ هنا تكمن الإجابة في أن ذلك التصعيد من المحتمل أن يؤدي إلى تكبد إيران تكلفة باهظة جدًا بحيث تتراجع. وفي الحقيقة فإن موت “سليماني” وشبح الحرب الشاملة قد يعيدان التفكير في الحسابات حول تكلفة استخدام الجماعات المختلفة من الوكلاء من غير الدول. لكن يبدو أن إسقاط إيران للطائرة PS752الأوكرانية سيكون له تكاليف متعددة ومرتفعة بشكل كبير.

ومع ذلك، فإنه حتى يمكنها التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة، فإن طهران ستحتاج إلى إقناع الجميع بأنها لا تتنتهك القانون الدولي، وأنها ستلتزم بذلك في المستقبل. وكما تشير التقارير، فقد استأنفت إيران بدلاً من ذلك برنامجها للأسلحة النووية، وهو ما يتعارض مع الرؤية الأمنية الأميركية، التي تتطلب من واشنطن أن ترد عليه. وتعتبر دورة الانتقام المتبادل tit-to-tatمسألةً مكلفةً ومحفوفةً بالمخاطر؛ ولهذا السبب فقد أصبحت الدول تفضل الاتفاقيات الدولية وتميل إليها. ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن جماعات الوكلاء يجعلون الاتفاقات القانونية غير فعالة، حيث يمكن لإيران الالتزام بشيء، بينما يواصل وكلاؤها إحباط مصالح الولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، فإن الالتزام الاخلاقي بـ”عدم التدخل” قد جعل السعي لتحقيق الأمن عبر الحدود أمرًا مستحيلًا تقريبًا، وبخاصة عندما لا توافق التدخل. إذا رفضت الدول الأخرى التعاون، فإن المُنَفِّذَ المحتمل سيواجه خيارات تتعلق بتجاوز موافقة تلك الدولة على التخلص من التهديد، وقد حدث ذلك بالفعل في باكستان حينما قامت الولايات المتحدة باغتيال أسامة بن لادن، في مقابل تركه تحت رحمة دولة أخرى. وبالفعل فعلت واشنطن ذلك مع “بن لادن” في السودان في التسعينيات. فالخيار الأول ينتهك سيادة الدولة الأخرى في تعزيز الحماية الذاتية للدولة الأولى، بينما يدعم الخيار الثاني سيادة القانون الدولي على حساب حق الدولة المتضررة في حماية نفسها. وأيًا كان القرار، فستكون الدولة في حالة انزعاج.

هل يمكن للقانون الدولي أن يعيد تأكيد نفسه؟

لطالما كان القانون الدولي محكومًا بالموافقة المتبادلة، إذ ترى الدول أنه من مصلحتها أن تلعب بموجب قواعد الأمان المتبادل؛ لأن تكاليف الخلاف مع ذلك مرتفعة جدًا. فالمشكلة تكمن في أنه لا توجد طريقة قانونية فعالة للتعامل مع التهديدات “غير المرئية” المنتشرة في الوقت الحالي، مما يعني أن الركيزة الأساسية للموافقة المتبادلة ينهار. ومع ذلك، فإن النظام القائم على القواعد يعدُّ أقل مخاطرة وأقل كُلفَةً بكثير، مقارنة بسباقات التسلح والحروب بالوكالة. وهذا أمر بالغ الأهمية، لأن السباق على تكنولوجيا الطائرات بدون طيار يحدث حقًّا. لكن مميزات تلك التقنيات تجعل منها سلاحًا مفضلاً في حين تتسع قدراتها فعلاً. كما يمكن استيعاب تكاليف ذلك بشكل أكبر مما سبق، لكن تكاليفها ستتضخم من حيث القيمة المطلقة. أمَّا اليوم، فتحاول العديد من القوى الإقليمية السعي لتحقيق أهداف أمنية في الخارج بشكل أحادي الجانب. إذ يعمل الجميع بعيدًا عن النظام الدولي القائم على القواعد، فيسعى كل طرف لجعل نفسه استثناء، ومع ذلك يشعر الجميع بأن هناك ما يبرر تصرفه؛ لأن القواعد الحالية لا تقدم لها خيارات مرضية. ومع ذلك، ستكون التكاليف كبيرة وستظل المخاطر أكبر إذا ما تمَّ إعادة النظر في ذلك الأمر، الذي يقوم بالأساس على أن الدول عانت من تلك التكاليف الباهظة في الماضي. وعلى ذلك، يخبرنا التاريخ أنه عندما تكون الجهات الفاعلة ملتزمة أيديولوجيًا بعمق، فإن الأمر سيستغرق تجربة طويلة ومكلفة أيضًا، كما يصحب ذلك تغير في القيادة من أجل الاعتراف بضرورة تصحيح المسار وإعادة بناء نظام جديد قائم على القواعد. ومن ثَمَّ، ينبغي إيجاد نظام جديد يمكنه التعامل بفعالية مع “التهديدات غير المرئية” قبل انهيار أجزاء أخرى من هذا النظام.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: مدرسة راجراتنام للدراسات الدولية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر