التوقعات الاقتصادية لعام 2020 | مركز سمت للدراسات

التوقعات الاقتصادية لعام 2020

التاريخ والوقت : الخميس, 16 يناير 2020

بقلم: عدنان يوسف

اعتدنا مع مطلع كل عام جديد أن نسعى لإلقاء نظرة عامة على أبرز التطورات الاقتصادية الخليجية والعربية والعالمية للعام الجديد. وتكاد تجمع كافة التقارير الدولية أن هناك آفاقا إيجابية لتحسن النمو الاقتصاد العالمي خلال عام 2020، لكن هذه الآفاق يحيط بها عدد من المخاطر الحقيقية مثل النزاعات التجارية وارتفاع حجم الديون وانخفاض إنتاجية الدول النامية علاوة على الصراعات الجيوسياسية. فعلى سبيل المثال، يتبنى البنك الدولي مسارا صعوديا هشا للنمو الاقتصادي العالمي، لكن مع درجة عالية من حالة عدم اليقين بالنظر إلى صعوبة التنبؤ بشأن السياسات التجارية وغيرها من السياسات.

ويتوقع البنك أن يرتفع النمو العالمي إلى 2.5% هذا العام مرتفعا قليلا من 2.4% في 2019 مع الانتعاش التدريجي لمعدلات التجارة والاستثمار. ومن المتوقع أن يتراجع معدل النمو في الاقتصادات المتقدمة كمجموعة إلى 1.4% من 1.6%، فيما يُعزَى في الغالب إلى استمرار ضعف النمو في قطاع الصناعات التحويلية. أما بالنسبة إلى اقتصاديات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية فالتوقعات تشير إلى تسارع وتيرة النمو إلى 4.1% من 3.5% العام الماضي.. بيد أنه من المنتظر أن يكون منشأ هذا الانتعاش في معظمه تعافي عدد قليل من الاقتصادات الصاعدة الكبيرة مثل الصين من الركود الاقتصادي أو استقرارها بعد الكساد أو الاضطرابات.

ونحن نتفق مع البنك الدولي على أن أحد أهم المخاطر التي تواجه هذه التوقعات الإيجابية هو موضوع النزاعات التجارية التي أسهمت بعد تصاعدها في العامين الماضيين في عكس مسار التوقعات الاقتصادية ودفعت بالاحتياطي الفيدرالي إلى إبقاء سعر الفائدة عند مستويات منخفضة العام الماضي بعد أن كان يخطط لرفعها عدة مرات خلال العام. وصحيح أن الصين والولايات المتحدة تتجهان لعقد اتفاقية بينهما لتخفيف حدة هذه النزاعات، لكن المخاطر لا تزال قائمة بشأن مواجهات بين الاتحاد الأوروبي والصين من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى.

أيضا من المخاطر المحتملة تجدد الاضطرابات المالية في اقتصادات الأسواق الصاعدة، كتلك التي شهدتها الأرجنتين وتركيا في 2018، أو تصاعد التوترات الجيوسياسية، أو إذا وقعت سلسلة من الظواهر المناخية العاتية فقد تكون لها جميعا آثار سلبية على النشاط الاقتصادي في أنحاء العالم.

لكن الأهم من ذلك هو ما يواجه الاقتصاد العالمي من أكبر موجة لتراكم الديون وأسرعها وأوسعها نطاقا في اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية في الخمسين عاما الماضية كما يقول البنك الدولي. ونحن سبق لنا في مارس العام الماضي أن نشرنا مقالا حذرنا فيه من مخاطر تفاقم الدين العالمي الذي قفز إلى نحو 170% من إجمالي الناتج المحلي في 2018 من 115% من هذا الإجمالي في 2010. وقد ارتفعت الديون أيضا في البلدان المنخفضة الدخل بعد هبوطها الحاد في فترة الأعوام 2000-2010.

أما على صعيد اقتصاديات دول المنطقة ودول الشرق الأوسط، وفي مقدمتها دول الخليج العربي، فإن التوقعات تشير إلى تحسن في معدل النمو على أساس سنوي ليصل إلى 2.7% في عام 2020. وتستند هذه التوقعات على مجموعة من العوامل الإيجابية التي سيطغى تأثيرها على الجانب السلبي، وهي النظرة المتفائلة لنمو الاقتصاد العالمي، والاتفاقية التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والحوافز المالية المتوقعة، واستمرار خفض دول منظمة «أوبك» لإنتاج النفط، بالإضافة إلى توقع استمرار النمو الملحوظ في الناتج المحلي للقطاع غير النفطي.

ويقود الاقتصاد السعودي التحسن على مستوى الاقتصاديات الخليجية والعربية، وذلك بفضل التحرك الحكومي تجاه تحسين بيئة الأعمال وتشجيع الاستثمار الأجنبي، وتنويع الأنشطة الاقتصادية والخدمية والسياحية في إطار رؤية 2030. وقد أظهرت الميزانية السعودية لعام 2020 مرونة أكبر من حيث خفض النفقات والاستفادة من الثروة السيادية الضخمة في تمويل مشاريع التنمية، كما أن القطاع الخاص سيكون له دور أكبر في الاقتصاد.

وعلاوة على بقاء أسعار النفط متماسكة فوق مستوى الـ60 دولار خلال عام 2020، فإن اقتصاديات عدد من الأقطار العربية تتجه نحو مزيد من التحسن أو التعافي مثل مصر والسودان والجزائر وتونس والمغرب.

كما أن بقاء أسعار الفائدة منخفضة سوف يشجع الدول الخليجية على اللجوء إلى الأسواق المالية لتوفير الاحتياجات التمويلية وذلك لتمويل مشروعات البنية التحتية والإنفاق الاستثماري المتزايد مما سوف يولد فرصا كبيرة للبنوك الخليجية والعالمية. وتشير بعض الدراسات إلى احتياج دول الخليج إلى تمويل يصل إلى 73.5 مليار دولار خلال عام 2020 بزيادة سنوية 4.4%، مقارنة باحتياجاتها البالغة 62.4 مليار دولار في العام الماضي.

لكن في النهاية يبقى لصانعي السياسات سواء على مستوى دول العالم، أو على مستوى الدول العربية دور حاسم في تحديد دفة الاقتصاد العالمي والعمل على تخفيف المخاطر المحدقة به. وإذا كنا متفائلين باتجاه اقتصاديات معظم الدول العربية نحو التحسن بسبب مواصلة برامج الإصلاح الاقتصادي وتراجع حدة التوترات السياسية، فإننا نتطلع إلى دور أكثر فاعلية للمملكة العربية السعودية التي تولت رئاسة مجموعة العشرين هذا العام في المبادرة لتوجيه دفة الاقتصاد العالمي نحو تخفيف التوترات، ومعالجة القضايا العالقة في عدد من المجالات، حيث إننا طرحنا في أكثر من مرة أن جانبا من أسباب الأزمة العالمية لم يتم معالجته جذريا، مثل تفاقم الديون المصرفية واختلالات النظام المالي العالمي، وقد آن الأوان للتصدي لهذه القضايا بصورة أكثر جدية وشمولية.

المصدر: أخبار الخليج

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر