سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
زيد الشكري
بعد ثماني سنوات متعبة ومرهقة مع إدارة الرئيس أوباما، نجحت السعودية بقيادة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتحديداً بعد اللقاء الشهير بين الأمير والرئيس ترمب في البيت الأبيض مارس الماضي، في إعادة علاقتها مع الولايات المتحدة الأميركية إلى ميزانها الطبيعي القائم على استراتيجية التحالف وحيويته لهذين البلدين. هذه العلاقة التي تم اختبارها في مناسبات وأحداث كثيرة على مدى أكثر من نصف قرن، تخرج كل مرةٍ بشكل أقوى من ذي قبل، وتتجذر معها قناعات البلدين بأهمية هذا التحالف لمصالحهما، وللمنطقة والعالم.
وفي كل مرة تتعثر هذه العلاقة بأي اختلاف أو سوء تفاهم بين البلدين، فإن “الاتصال” المستخدم في التفاهم أو التصحيح، يتولاه سياسيون على المستوى الرسمي من كلا البلدين ويبقى في إطار القنوات الرسمية بين المسؤولين. وإن كان الاتصال على مستوى السياسيين يبدو فعالاً وعملياً حول المسائل السياسية والاقتصادية، إلا أن المتأمل لصورة هذه العلاقة، سيجد أنه مازال هناك هامش كبير لتطوير نوع الاتصال، ونقله إلى آفاق أكبر وأجدى حول جوانب أخرى من شأنها تعزيز هذه العلاقة؛ عبر التركيز على الجوانب المهملة، كالجوانب الثقافية والاجتماعية والدينية والرياضية والفنية وغيرها.
وإذا كانت علاقة السعودية بالولايات المتحدة تبدو جيدة في مستواها السياسي الرسمي، إلا أن هناك مفاهيم وصور ذهنية مشوهة عن السعودية في الولايات المتحدة، وتنتشر غالباً في أوساط شرائح ومؤسسات ثقافية وبحثية واجتماعية تقع خارج الدوائر السياسية والإعلامية، وتتعلق هذه المفاهيم بتصورات نمطية ثقافية عن المملكة، معظمها غير دقيق، أو مبالغٌ فيه.
وإذ تعد الولايات المتحدة من أكثر الدول التي تتأثر تحركات مسؤوليها وتوجهاتها السياسية برأي دوائر كثيرة في مجتمعاتها، ومنها المؤسسات الثقافية والبحثية والاجتماعية، فإن ترك هذه المؤسسات والدوائر دون استهدافها لبناء حوار متصل معها، يضع العلاقة التاريخية في دائرة الخطر، لأن هذه المؤسسات تلعب دوراً مهماً في صياغة الوعي، بما في ذلك وعي السياسيين الجدد القادمين إلى المشهد من داخل هذه الدوائر، حاملين معهم هذه التصورات المغلوطة.
ولتحقيق التأثير المطلوب الذي يوفر حصانة للعلاقة التاريخية عن أي خدوش قد تتسبب بها مثل هذه التصورات الثقافية والاجتماعية المغلوطة، يجب توظيف الاتصال المتسع والمتجاوز للقنوات الرسمية بين المسؤولين السياسيين، وتفعيل ما يعرف بنشاط “الدبلوماسية الشعبية”؛ حيث الاتصال الذي يقدم رؤية أوسع نحو مصادر صناعة التأثير؛ وتحديدًا من يصنع هذا التأثير، ومن أين يبدأ، وكيف يبدأ، وما المواقع التي ينتقل من خلالها، وما الآليات التي تكرسه وتروج لوجوده.
لدى السعودية وجه آخر جميل في ثقافتها وفي إرثها وفي عادات أهلها، يجب أن يراه الأميركيون، وتحديداً الإنسان العادي هناك، والتركيز على التجمعات الصغيرة التي تقع خارج الدائرة السياسية والصحافية، وفي أوساط المجتمع الأكاديمي في الجامعات، وكذلك مراكز البحث، والتفاعل مع النشاطات الرياضية والفنية والعلمية، وتفعيل برامج التبادل الثفافي والأكاديمي، وتقديم المنح للطلاب الأميركيين، سواء مسلمين أم غير ذلك، لدراسة اللغة والتاريخ وزيارة الأماكن التاريخية، حيث إن هناك عدداً كبيراً من الطلاب والطالبات الأمريكيين يتوافدون على منطقة الشرق الشرق الأوسط إلى جامعات الشارقة وبيروت ومصر وسابقاً دمشق لتعلم اللغة العربية، يتم إرسالهم عبر منح من جامعات كبيرة مثل هارفرد وجورج تاون والجامعة الأمريكية، ومعظم هؤلاء ينتهي بهم المطاف غالباً في العمل في مراكز مهمة في الحكومة.
ومن يتجول في شوارع العاصمة الأميركية واشنطن دي سي، ويتوقف في أماكنها العامة أو أحد مكتباتها ومقاهيها الصغيرة، سيجد المثقفين والمؤلفين والصحفيين والمهتمين بالفن والرياضة ودراسة العلوم الإنسانية والاجتماعية، كما سيرى المجموعات المنتشرة في أرجاء المدينة من تلك المهتمة بالرياضة، والفن والموسيقى، وسيجد بعض هذه الفئات متعطشة لمن يتواصل معها، ويبني معها حواراً حيوياً معها عن حقيقة الصور النمطية المشوههة عن السعوية.
تفعيل نشاط الدبلوماسية الشعبية ذات البرنامج الاتصالي الشامل على المدى الطويل، وليس حملات العلاقات العامة ذات المدى القصير والمحدد، هو ما تحتاجه السعودية لتتويج علاقتها مع الولايات المتحدة. وإذا كانت السعودية قد نجحت في تأمين العلاقة السياسية مع الحكومات الأميركية المتعاقبة على مدى عشرات السنيين، فإن الحاجة إلى التواصل ثقافياً مع الدوائر الأخرى خارج الدائرة السياسية في أميركا بات اليوم أكثر إلحاحاً، وتتعاظم عواقب إهماله مع الوقت، لاسيما في ظل النشاط المحموم من خصوم السعودية نحو تشويه صورتها ثقافياً هناك، وتقديمها كقلعة من قلاع الانغلاق والتطرف، وتقديم الإنسان السعودي والثقافة السعودية ككائنات متوحشة لا تقبل التعايش مع الآخرين أو الاندماج معهم.
كاتب وباحث في الصحافة ووسائل الاتصال
@alshakri
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر