بخطوط عريضة مستوحاة من الوقائع والحقائق، وخيوط تفصيلية يغلب عليها الخيال قدَّم المخرج “فرناندو ميريلز” فيلمه the two popes ليكشف بعض خبايا الكنيسة الكاثوليكية. فتناول الفيلم بعض ملفات الفساد المالي والأخلاقي للقساوسة، مثل فضيحة تسرب مراسلات الفاتيكان وفضائح الاستغلال الجنسي للأطفال.
وتناول الفيلم أيضًا الأبعاد الإنسانية في اتخاذ القرارات داخل الكنيسة، والصراع بين الاعتراف بالأخطاء والحفاظ على التقاليد والصورة الذهنية المحفورة من سنين طويلة، وأيضًا كيفية مواجهة المستقبل ومتغيراته على الحياة البابوية، والتطلعات والتطورات الاجتماعية والسياسية وتأثيرها على قيم التسامح والمحبة والغفران.
وتدور الأحداث الرئيسة للفيلم في قرار الاستقالة للكاردينال “بيرجوجيو جوناثان برايس” الذي أحبطته أزمات الكنيسة ومسارها، فيذهب للحصول على إذن للتقاعد من البابا بنديكت “أنتوني هوبكينز”. وفي مواجهة الشك والأزمات والفضيحة استدعاه البابا بنديكت، المعروف باستعصاء منتقديه، ليبدأ الصراع النفسي والفكري بين كل منهما ليفكرا في المستقبل والتقاليد وقيم التسامح، والشعور بالذنب ومواجهة الماضي، والمحاولة لتصحيح الأوضاع لتمهيد قواعد مطمئنة لأتباع الكنيسة.
يلتقي “بيرجوجيو” والبابا في مقر قصر “كاستل جاندولفو” الصيفي، ووسط محادثة في الحديقة يجمعهم جدال متوتر حول دور الله ودور الكنيسة. يحاول “بيرجوليو” إقناع البابا بقبول خطاب الاستقالة، لكن بنديكت يرفض بغضب الفكرة لأنها ستظهر للعالم كتصويت بحجب الثقة عن قيادة بنديكت وإضعاف الكنيسة الكاثوليكية.
ضم مؤلف الفيلم “أنطوني مكارتن” عدة مواقف للبابا كركوب الطائرة ومشاهدة برامج الموسيقا ورقصة التانجو، وبمزيج من الخيال توقع تفاصيل الحياة للقساوسة وماضيهم وتطلعاتهم.
مرَّ الفيلم مرور الكرام على ملفات الفساد، ولم يتوغل فيها، ولكنه فتح الباب أمام المخرجين لتناول هذه القضية ونقل ما يحدث داخل الفاتيكان، ولو بصورة خيالية. فصناعة السينما تلعب دورًا هامًا في سرد بعض الوقائع وتسجيل الأحداث وإعادتها مرة أخرى في أذهان المشاهدين.
عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان “تيلوريد” السينمائي أغسطس 2019. كما عرض في مهرجان “تورونتو” السينمائي الدولي 2019، وعرض للمشاهدة المسرحية المحدودة في الولايات المتحدة وفي المملكة المتحدة البريطانية قبل عرضه الرقمي أواخر ديسمبر 2019.
وكان “مركز سمت للدراسات” دق ناقوس الخطر بدراسة سابقة له عنونها بـ(الاستغلال الجنسي في الكنائس.. ظاهرة مقلقة في ازدياد)، صدرت في سبتمبر ٢٠١٨، وأوضح خلالها كافة البيانات والقضايا الخاصة بالاستغلال الجنسي بالكنائس وتبعاته، وموقف بابا الفاتيكان، والإجراءات الوقائية التي اتخذها. وأنهى “سمت” دراسته ببعض التوقعات والتحذيرات والمقترحات.
وخلال الدراسة تنبأت دراسة “سمت” باستمرار الضغط على الكنيسة، وهو ما حدث بالفعل بتنظيم تظاهرات في الفاتيكان احتجاجًا على الاستغلال الجنسي للأطفال في الكنائس، وأيضًا تنظيم تظاهرات لاستقبال زيارات بابا الفاتيكان الدولية. كما توقع “سمت” ارتفاع حدة الغضب من عدم تحرك الفاتيكان لمعاقبة الباباوات الذين ارتكبوا الجرائم، وهو ما حدث أيضًا وشهدته الشوارع، والصحف بما شنته من حملات.
كما نصح “مركز سمت” بتكوين هيئة مستقلة لجمع الأدلة والتحقيق العادل والمعلن في الأمر، بجانب توفير شبكة كاميرات لتصوير ما يحدث داخل الكنائس الكبرى أو أديرة الرهبنة لكي يكون الأمر أكثر شفافية، وأكد أنه من المحتمل أن يتم الكشف عن وقائع عدة خلال الأيام المقبلة.