سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أوز كاترجي
لا أحد رآه في مجيئه، لا أحد. اغتيل الجنرال قاسم سليماني، الرجل الأكثر وحشية في الشرق الأوسط، في بغداد في غارة جوية بطائرة أميركية بدون طيار في الساعات الأولى من صباح أمس الجمعة، وهو ما لم يشاهده محلل أو صحفي أو خبير في الشرق الأوسط. لكن ما إن تلاشى الغموض، وتجلى الأمر بوضوح، فإن تأكيد نبأ مقتل قائد القوة الإيرانية بناءً على أوامر من واشنطن، جعل الصدمة تسود في جميع أنحاء العالم. كنا وما زلنا نشهد واقعًا محددًا في الشرق الأوسط.
لقد انتهى عهد سليماني، وهو ما لم يتنبأ به أحد، ولا يعرف أي شخص ما سيحدث نتيجة لذلك بالمنطقة، أو للعالم بأسره. لقد كتبت الصحافية العراقية مدير تحرير “ارفع صوتك” في تغريدة لها قائلة: “تعددت المشاعر المختلطة، لكن (الخوف) هو المهيمن، فهناك شخصيات يفترض أن لا تموت، لكن عندما يحدث ذلك يصبح الأمر مربكًا جدًا”.
لكن ذلك بالضبط هو ما حدث. ولفهم خطورة الأحداث، فقد تمَّ التعامل مع قاسم سليماني باعتباره لا يمكن المساس به من قِبَل الإدارتين الرئاسيتين اللتين سبقتا ترمب، حتى مع تحميلهما مسؤولية شخصية عن مقتل مئات من أفراد الخدمة الأميركية في العراق، خوفًا من خطورة الانتقام المحتمل من إيران.
ومن المفترض أن يكون أبلغ ترمب بذلك، لكن صدى تجاهل ترمب لتلك الحقيقة سيتردد في كافة أنحاء الشرق الأوسط لعقود. لقد عبر “مارك بوليميروبولوس”، الضابط البارز في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) المتقاعد حديثًا، عن دهشته من الموقف قائلاً: “في عمليات الأمن القومي المعتادة، يكون هناك الحاجة لكثير من التفكير قبل الإقدام على عمليات قطع الرؤوس هذه، وفي هذه الحالة، فأنا أحذر من كافة عمليات التقييم والتحليل قبل حدوث أي انفجار إقليمي، وكذلك معرفة إن كانت هناك أية تأثيرات لتلك التقييمات على ترمب، أم لم يكن هناك أية تقييمات للأمر على الإطلاق؟”.
إن الطريقة الوحيدة لفهم تراث قاسم سليماني هي تتبع تاريخ سفك الدماء في الشرق الأوسط. فبصفته رئيسًا لفيلق القدس، أشرف سليماني شخصيًا على شبكة وكلاء إرهابيين دولية بمليارات الدولارات، وقد فعل ذلك دون عقاب. وفي حادث شهير في عام 2008، تلقى الجنرال “ديفيد بترايوس”، قائد القيادة المركزية للولايات المتحدة، اتصالاً هاتفيًا من الرئيس العراقي – آنذاك – جلال طالباني، وأتبعه برسالة نصية من سليماني، تقول “عزيزي الجنرال بترايوس، عليك أن تعرف أنني، قاسم سليماني، أتحكم في سياسة إيران فيما يتعلق بالعراق ولبنان وغزة وأفغانستان. وبالفعل، فإن سفيرنا ببغداد عضو في فيلق القدس، ذلك أن الشخص الذي سيحل محله سيكون أيضًا عضوًا في فيلق القدس”.
لكن الإرث الأكثر تحديدًا في الشرق الأوسط للرجل الذي أدار تمرد طهران ضد القوات الأميركية في العراق لم يكن مقتل المئات من أعضاء الخدمة الأمريكية، ولا موجة الاغتيالات السياسية التي دبرها طوال العقدين الأخيرين، فقد وضع سليماني بصماته من خلال الوحشية غير المقيدة تجاه المدنيين في سوريا والعراق، بل كان مسؤولاً شخصيًا عن مقتل الآلاف من البشر. ومن بين هؤلاء مئات المدنيين العراقيين الذين قُتلوا برصاص قوات الأمن العراقية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، حيث كانت تلك العمليات تخضع مباشرة لأوامره.
لقد كان سليماني وحشيًا، بلا رحمة، ونافذًا بلا رحمة في أعماله، حيث كان يمضي بلا رحمة للهيمنة الإقليمية بالشرق الأوسط.ففي حين كان يخفق في تلمس طريقه عبر الطرق المدنية، فقد كانت لديه إمدادات لا نهاية لها من المجندين الشيعة الفقراء الذين تمَّ تجنيدهم بالقوة من أفغانستان وباكستان حتى يتمكن من إرسالهم إلى الخنادق في الهجمات التي تشبه الحرب العالمية الأولى حتى تمَّ كسر كل أشكال المقاومة، حيث كانت حياتهم رخيصة بالنسبة له تمامًا كما هو الحال بالنسبة لحركات الاحتجاج المدني التي سحقها سليماني. لذلك لم يكن من المفاجئ أن نرى مقاطع فيديو منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي لمحتجين عراقيين يرقصون في شوارع بغداد الليلة الماضية فرحين بنبأ مقتل الرجل الذي أزهق حياة المئات من إخوانهم. كما لم يكن مفاجئًا أن نرى الاحتفالات في إدلب، بسوريا، التي يقطنها 3 ملايين شخص، غالبيتهم العظمى من اللاجئين من حلب ودوما وداريا ومضايا وحمص وحماة ودرعا وكل المدن والبلديات التي تعرضت للوحشية والحصار وتجويع قبل النزوح القسري من قبل سليماني.
يشير المدافعون عن سليماني إلى معارك التي دارت بين وكلائه وتحت قيادته وتنظيم “داعش” في جميع أنحاء العراق وسوريا. لكن المراجعة التاريخية تظهر أن الرجل الذي كان يؤوي تنظيم القاعدة في إيران كان يعمل في الوقت ذلك على مكافحة الإرهاب.
لقد كانت سياسات سليماني الوحشية في العراق مسؤولة عن تهيئة الظروف لغزو بوش الكارثي للعراق (والتي ليعد أوباما مسئولا عنها أيضا)، حيث قامت قوات سليماني بأعمال وحشية لا يمكن تصورها ضد المدنيين في الأراضي التي كان يحتلها تنظيم “داعش” في هذه العملية.
هنا لا ينبغي لأحد أن يخدع نفسه في الاعتقاد بأن قرار ترمب باغتيال سليماني كان له أي علاقة بالعدالة لضحايا سليماني. لقد أثبت الرئيس الأميركي وحشيته تجاه المدنيين في الشرق الأوسط. لقد قُتل سليماني لأنه كان رجلاً عابثًا وأنانيًا وصدق نفسه. لم يكن قراره بإصدار أوامر إلى العناصر التابعة له باقتحام السفارة الأميركية في العراق يوم الثلاثاء إلا خطوة جريئة كصورته الشخصية المبتسمة تلك التي كان يطل بها ويحاول إظهارها في جولاته بكل بلدة ومدينة يزورها لتتحول فيما بعد إلى أنقاض بسوريا.ولكن عندما كتبت الميليشيات التابعة له اسمه على جانب جدار السفارة الأميركية وقامت بتوجيه السباب العلني لترمب، كُتِبَ السطر الأخير في حياته على الرمال التي كان يعبر عليها للأبد.
لقد كان قاسم سليماني طاغية وإرهابيًا وقاتلاً. لقد جعل موته العالم مكانًا أفضل. لكنه جعل العالم مكانًا أقل أمانًا أيضًا. فلا يمكن لإيران أن تترك مقتل ثاني أقوى شخصية دون رد. ولم يعد الأمر مسألة ما إذا كانت إيران سترد، ولكن كيف ومتى. فعلى الرغم من الطبيعة غير المسبوقة لتلك الإجراءات، لا يزال يبدو من غير المرجح أن يكون هناك أي نوع من الغزو الأميركي لإيران مطروحًا على الطاولة. ليبقى السؤال الذي تواجهه إيران هو: ما مدى استعدادها للرد؟
لا يوجد أي سيناريو يمكن أن يُتَخيل للنظام الإيراني، رغم نفوذه الإقليمي، أن يفوز فيه بحرب تقليدية ضد جيش الولايات المتحدة. فعلى الرغم من كلامها العدائي وحربها، فإنها تفضل تركيز عدوانها على المتظاهرين المدنيين أو المزارعين الذين لا يملكون قوات مسلحة على ظهور الشاحنات أكثر مما تفعله ضد القوى العسكرية، كما يتضح بوضوح من قلة الرد شبه الكامل على الهجوم الجوي الإسرائيلي.
لقد كانت هناك ضربات عديدة ضد الأهداف الإيرانية في سوريا خلال السنوات القليلة الماضية، لكن عدم القدرة على التنبؤ بسلوك بترمب وما يمكن القيام به كما حدث في ضربة سليماني، قد مزق دفتر القواعد التقليدي.
إننا نسبح في مياه مجهولةٍ بلا بوصلة، وهو ما يثبت سجل ترمب في السياسة الخارجية، حيث لم يتوقعه أحد على الإطلاق، لكن الحقيقة أنه إذا كانت هناك حرب جديدة تلوح في الأفق، فمن غير المرجح أن يكون الأميركيون هم الأكثر معاناة.سيكونون مرعوبين ومحاصرين في جميع أنحاء الشرق الأوسط. يجب علينا أن نهيئ أنفسنا لفكرة أنه لا تزال هناك حرب مستمرة في العراق وسوريا وخارجها. فحروب سليماني غمرت ضحاياه على مدى عقود، والمدنيون في الشرق الأوسط هم الذين يدفعون الثمن، وكل عمل أو تقاعس من القوى العظمى العالمية سيكون له ثمن باهظ.إننا نعيش في لحظات خطيرة وغير مسبوقة. لكن الليلة على الأقل، ينبغي أن تكون أفكارنا مع أسر ضحايا قاسم سليماني. وأيًا يكن الأمر سيتجه نحو الأفضل أو الأسوأ، لكن طاغية وحشيًا قد مات.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: موقع بيان أميركا الجديد
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر