سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عمر الرداد
فتحت الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس، ولقائه مع الرئيس التونسي المنتخب للتوّ، قيس سعيّد، الباب على مصراعيه أمام سيل من التساؤلات حول أسباب تلك الزيارة، خاصة وأنّه لم يشارك فيها من الجانب التونسي نظراء الوفد المرافق لأردوغان من وزير خارجية ووزير دفاع، إضافة لرئيس الاستخبارات العامة، وهو ما أثار ردود فعل سلبية داخل الأوساط والقوى السياسية في تونس، ألقت بظلال من الشكوك حول أهداف الزيارة وتعمّد إبقائها في إطار سري.
ورغم كل ما يمكن أن يقال عن الزيارة، فقد كان واضحاً في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيسان؛ التركي والتونسي، أنّ سياقات التدخل التركي في النزاع الليبي، لمصلحة حكومة فايز السراج، وتنفيذ الاتفاقات العسكرية والأمنية معها، بما في ذلك الدعم العسكري وإرسال قوات تركية إلى ليبيا للمشاركة في الحرب إلى جانب حكومة السراج والميليشيات التابعة لها في طرابلس ومصراته، والدور الذي يمكن أن تلعبه تونس بهذا الخصوص، هو الهدف الرئيسي لهذه الزيارة، خاصة وأنّ توقيت الزيارة جاء في ظل متغيّر نوعي وهو نجاحات الجيش الوطني الليبي في دخول جنوب طرابلس من جهة، ومخاوف تركية من مصاعب جديدة تحول دون وصول قطعها البحرية العسكرية إلى الشواطئ الليبية وخاصة في مصراته، بما في ذلك “الميليشيات السورية من فصائل جيش حر وجبهة النصرة وغيرها من الميليشيات الحليفة في سوريا”، وهو ما يرجّح معه أنّ هدف الزيارة إقناع القيادة التونسية بتأمين “ملاذات” آمنة للقوات التركية والميليشيات الحليفة لها في ليبيا، بما يشمل قواعد عسكرية آمنة، ومراكز دعم لوجستي تنطلق من الأراضي التونسية.
أن يقوم أردوغان بزيارة إلى تونس لإنجاز اتفاق مع قيادتها أمر مفهوم بالنسبة لاتجاهات سياسة القيادة التركية، خاصة بعد خسارات متلاحقة لتركيا في الشمال الأفريقي، منذ انطلاق “الربيع العربي”؛ حيث فشلت رهانات تركيا بعد إسقاط الإخوان المسلمين في مصر، وفشلها الأحدث في السودان والقرن الأفريقي، كما فشلت بإيجاد موطئ قدم في الجزائر، وهو ما يعني أنّه لم يبق أمامها للقتال في شمال أفريقيا إلا الساحة الليبية، وبالتعاون مع حكومة السراج مسلوبة الإرادة والقرار لصالح ميليشيات جهادية تدار من إسطنبول.
لكن غير المفهوم تعاطي القيادة التونسية الجديدة برئاسة قيس سعيّد وقبوله استقبال الرئيس أردوغان، كأول رئيس يزور تونس بعد انتخاب سعيّد، وهو ما أرسل رسالة من الرئيس التونسي لخصوم أردوغان، وهم كثر اليوم، ليس بالملف الليبي وحده؛ بل وفي ملفات أخرى عديدة، بأنّ الرئيس التونسي اختار التحالف مع أردوغان، ضد كل من “الغالبية” من الشعب الليبي، ومصر والسعودية والإمارات والجزائر والسودان ودول الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا وإيطاليا واليونان، بالإضافة للولايات المتحدة وروسيا اللتين تقفان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى جانب الجيش الوطني الليبي.
ورغم محاولات الرئاسة التونسية الإعلان لاحقاً، وبفعل الضغوطات الداخلية والخارجية، أنّها تقف إلى جانب الشعب الليبي وأنّها لا تتدخل بالشأن الليبي إلا في إطار احترام الجوار والعمل على إيجاد حل سياسي ليبي ليبي، إلا أنّ الرسالة كانت قد وصلت.
إنّ تبرير عدم توفر الخبرة السياسية لسعيّد، لا ينفي حقيقة ما تردد أنّ حزب النهضة الإخواني، ومن خلال علاقاته الوثيقة مع أردوغان هو المسؤول الأول عن إجراء الترتيبات السرية لزيارة أردوغان، وأنّ الرئيس التونسي قدم وبالدليل القاطع، أنّه ورغم تصريحاته المتوازنة في خطاب تنصيبه بالبرلمان، أنّه رهينة لحزب النهضة وينفذ برامج النهضة وسياساته وتحالفاته ومن بينها التحالف مع القيادة التركية والتنطيم الدولي للإخوان المسلمين.
تونس التي تعاني من أزمات اقتصادية حادة، وتعاني من الإرهاب المرتبط بصورة وأخرى مع الميليشيات الليبية في طرابلس والغرب الليبي، ليس من مصلحتها أن تبدأ في ظل الرئاسة الجديدة بإعلان تحالفها مع الرئيس أردوغان، ومشروعه “العثمانية الجديدة” المرفوض عربياً، وليس من مصلحتها أن تنكشف بهذه الصورة بما يمنع عنها المساعدات الخليجية والدعم المصري، وعواصم الثقل العربية، بالإضافة لمواقف أوروبية من قبل فرنسا وإيطاليا لن تكون متساهلة مع القيادة التونسية في تعاطيها مع مشاريع أردوغان، وكان بإمكان الرئيس التونسي أن يأخذ العبرة من السودان، وكيف تم إسقاط نظام البشير المتحالف مع أردوغان، دون أن يستطيع أن يقدم له ما يمكن إنقاذه.
ومع ذلك، أعتقد أنّه ما زالت أمام الرئيس التونسي فرصة لإصلاح موقفه، بما يعود بالنفع على تونس، والتراجع عن كل ما تم الاتفاق عليه خلال زيارة أردوغان، وأن يتذكر أنّه رئيس الجمهورية، وأنّ سيطرة النهضة على البرلمان والحكومة، بأصوات نصف مليون تونسي لا تمثل كل التونسيين، ولا الأربعة ملايين تونسي الذين انتخبوا سعيّد، من أجل إنقاذ تونس وفتح أفق لعلاقاتها الخارجية ومكافحة الفساد، وليس التحالف مع القيادة التركية، غير القادرة على إنقاذ نفسها قبل أن تنقذ الآخرين ممن يوصفون بحلفاء لأردوغان، وهم في الحقيقة مجرد أوراق.
المصدر: حفريات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر