التعاون والعلاقات العسكرية بين السعودية وأميركا | مركز سمت للدراسات

التعاون والعلاقات العسكرية بين السعودية وأميركا

التاريخ والوقت : الأربعاء, 12 يوليو 2017

سعيد الوهابي

 

مدخل

في صيف 1945 كان اتفاق تأسيس قاعدة الظهران الجوية – اقترحت وزارة الدفاع الأميركية بناء القاعدة ودفعت تكاليف البناء – انطلاقة للعلاقة العسكرية بين البلدين. القاعدة كانت مهمة لإمداد الطيران الأميركي ودول التحالف مع نهايات الحرب العالمية الثانية وبدايات الحرب الباردة، وكانت القاعدة رمزًا للعلاقات السياسية التي بدأت في نفس العام باللقاء الشهير بين الزعيمين الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت. وبالمقارنة مع جيوش المنطقة فقد اختارت السعودية، ومنذ اللحظة الأولى، الولايات المتحدة الأميركية لشراء السلاح والتقنية العسكرية والتدريب لبناء جيشها وقواتها المسلحة ومؤسساتها الأمنية. واليوم وبعد أكثر من 70 سنة من هذا التحالف الراسخ نبحث في مستجدات هذه العلاقة، خصوصًا مع وصول قيادتين جديدتين إلى مراكز السلطة في البلدين.

قاعدة الظهران الجوية سابقًا – قاعدة الملك عبدالعزيز الجوية في الظهران عام 1950 – المصدر

صفقات تسليح جديدة وجيل جديد

في يوم 20 مايو 2017 تناقلت وكالات الأنباء العالمية ما يُعتبر – بكل المقاييس – أكبر صفقة تسليح في التاريخ البشري، إذ تمَّ التوقيع في الرياض على صفقة تسليح بين السعودية وأميركا بقيمة إجمالية تصل إلى 350 بليون دولار، منها صفقة أولية بما يقارب 110 بلايين دولار قابلة للزيادة. الصفقة كانت نتاج أحاديث الأروقة الخلفية والتجاذب بين شابين في القيادتين: ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من جهة، وصهر الرئيس الأميركي ومستشاره جاريد كوشنر من الجهة الأخرى. فبحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، فإن اجتماعًا سريًا جمع كوشنر مع مسؤولين سعوديين ظهيرة يوم 1 مايو، وفي أثناء الاجتماع تمَّ وضع الرتوشات النهائية لصفقة القرن بين البلدين التي ساهم في وضع خطوطها الرئيسية كوشنر نفسه، وكرَّس علاقاته الشخصية والمباشرة ليكون حفل التوقيع في الرياض بعد أقل من ثلاثة أسابيع. ويبدو أن الاتفاق، هو نتيجة لتوافق الجيل الجديد، فهناك قواسم مشتركة بين الأمير محمد والمستشار كوشنر من حيث العمر، والاهتمام بالتكنولوجيا، والاستثمار المالي.

وقد يبدو أن الرقم الخيالي للصفقة يصعب تصديقه من الوهلة الأولى، ولكن شرح تفاصيلها مهمٌّ لصناع القرار والمهتمين بالشأن العام في البلدين. فالصفقة هي بالمجمل مذكرات تفاهم، وليست عقود نهائية. لقد عرضت السعودية على الشركات الأميركية احتياجاتها المستقبلية ـ لمدة تتجاوز عقدًا كاملاً ـ من الأسلحة، والقسم الأهم من هذه المبادرات هو 110 بلايين دولار، مع إمكانية رفع الواردات إلى 350 بليون دولار بحسب المستجدات الأمنية والمتغيرات الإقليمية، إذ يُفترض أن يتم التباحث بشكل منفرد مع كل مبادرة لتتحول إلى عقد، وحتى يتسنى لهذه الشركات البحث في إمكانية تصنيع والحصول على القرار السياسي للتصدير، ثم عقود التدريب.وعلى ذلك، فإن الأمر قد يستمر عدة أشهر وربما سنوات. هذه المبادرات التي تطلق عليها “وكالة التعاون الأمني الدفاعي”، وهي ذراع المبيعات العسكرية في وزارة الدفاع الأميركية، “نوايا بيع”، بمعنى أن مجموع هذه المبادرات ـ التي يقدر عددها بـ 42 – ستمتد خلال السنوات القادمة حتى عام 2030، وهي قابلة للتغيير أو التفاوض أو حتى الإلغاء.

ومجمل صفقات التسلح، هي لتطوير كفاءة القوات المسلحة السعودية الدفاعية، وعلى رأس القائمة تأتي أنظمة الدفاع الجوي، وذخائر ذكية، وأنظمة مراقبة واستطلاع على الحدود البرية والبحرية، وأكثر من 150 طائرات هليكوبتر متطورة من طراز بلاك هوك، وطائرات هليكوبتر من طراز بوينغ شينوك، بالإضافة إلى أنظمة متقدمة للدفاع الإلكتروني.

الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز والرئيس الأميركي يوقعان اتفاقيات التسليح يوم 20 مايو 2017 – المصدر

دور الشركات الأميركية في رؤية السعودية 2030

في لقاء تلفزيوني مطلع مايو 2017 عبَّر ولي العهد السعودي عن استيائه من واقع الصناعة العسكرية في بلاده، فهي – بتعبيره – تستنزف “ما بين 50 و 70 بليون دولار سنويًا، مما يضع السعودية في مرتبة ثالث بلد من حيث الإنفاق العسكري”. وفي أثناء اللقاء أفصح الأمير الشاب أيضًا – وهو يتقلد منصب وزير الدفاع – عن سياسة الحكومة الجديدة بشأن مشتريات السلاح، وهي “لا صفقة تسلح بلا محتوى محلي”، مع مراعاة تعقيد التقنية وحساسية نقلها بين الدول. بمعنى أن كل صفقة تسليح تكون السعودية طرفًا فيها، يجب أن تتضمن محتوى محليًا بنسبة معينة. فالطائرة العسكرية المشتراة من الخارج، يجب أن يدخل في صناعتها قطع مصنوعة محليًا، والذخيرة والسلاح الخفيف، ينبغي أن يصنع بالداخل، فكلما قل تعقيد الصناعة للقطعة العسكرية، ارتفع المحتوى المحلي فيها. وبحسب رؤية 2030، فإن الطموح أن يصل المحتوى المحلي – تدريجيًا – إلى النصف بحلول عام 2030، أي أن نصف إنفاق السعودية من 50-70 بليون دولار سنويًا ينبغي أن يتم صرفه داخليًا.

في طليعة الشركات المتوقع تعاونها مع رؤية 2030، هي: شركات ريثيون، ومارتن لوكهيد، وبوينغ. فشركة ريثيون لديها أعمال وعقود في السعودية منذ عام 1966 بعدد موظفين يتجاوز 400 موظف داخل السعودية، نصفهم من السعوديين. وفي مايو 2017 أعلنت الشركة تأسيس “ريثيون العربية” أول شركة محلية مملوكة لرأس مال أجنبي بعد تعديل قوانين الاستثمار الأجنبي التي تسمح بتأسيس شركات بملكية أجنبية. في حين تبلغ حصة مارتن لوكهيد، التي تعمل في السعودية منذ منتصف الستينيات الميلادية، 28 بليون دولار. أما شركة بوينغ، فقد وقعت صفقة الحقوق الفكرية وتوريد الطائرة العسكرية من طراز Boeing P-8 Poseidon بالتعاون مع شركة السلام لصناعة الطيران السعودية. وغالبية هذه الشركات، سترفع من محتوى المواد المصنعة والمجمعة داخليًا عبر شركات محلية بالتعاون مع المؤسسة السعودية للصناعات العسكرية (تأسست عام 1949)، والشركة السعودية للصناعات العسكرية “سامي” (تأسست عام 2017)، مما سيرفع نسب السعودة في قطاع الصناعات العسكرية، التي تعد إحدى أولويات رؤية 2030.

التعاون العسكري اللوجستي بين البلدين في اليمن

ازداد التعاون العسكري بين البلدين في اليمن، منذ الأسابيع الأولى لاعتلاء الرئيس الأميركي سدة الحكم في واشنطن، وهو ما يعد مؤشرًا على تحسن العلاقات بين البلدين. ففي العام الماضي، ومع انقطاع الود بين البلدين – وخصوصًا بُعيد قمة أوباما مع دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض في أبريل 2016 – قررت الإدارة الأميركية سحب أفرادها العسكريين من الرياض، وقلَّصت أيضًا عدد الخبراء – من 45 خبير إلى 5 خبراء – الذين كانوا يعاونون قوات التحالف العربي لوجستيًا، وفي إمداد الوقود للطائرات جوًا في اليمن. في المقابل، ومع وصول الرئيس ترمب للحكم، كانت اليمن أولى معاركه العسكرية خارج بلاده، فتوطدت العلاقات بين البلدين عبر بوابة اليمن عندما عبَّر وزير الخارجية الأميركي عن أن بلاده ملتزمة بالدعم اللوجستي للتحالف العربي في حربه في اليمن. وفي الوقت نفسه، عادت الولايات المتحدة الأميركية إلى استهداف مواقع تابعة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب في اليمن، بعد توقفها خلال عام 2016. مما يعدُّ التزامًا وتعاونًا أميركيًا لجهود التحالف في توطيد الأمن، وخصوصًا في المناطق المحررة في محافظات أبين والبيضاء وتعز وحضرموت والحديدة.

وفي نفس الملف اليمني، ومع ارتفاع عدد الضحايا الذي تجاوز 10000 قتيل، وبسبب القلق العالمي من الحالة الإنسانية هناك، بحث البلدان آليات جديدة من الناحية العسكرية لتقليل عدد الضحايا المدنيين. ففي يونيو عام 2017 كشفت مصادر صحفية عن برنامج عسكري بقيمة 750 مليون دولار يمتد لعدة سنوات، لزيادة كفاءة القوات الجوية السعودية في تصويب الأهداف التي يختبئ فيها الميليشيات المتمردة في اليمن. هذا التعاون الذي تقوم عليه وزارتا الدفاع والخارجية في السعودية، هو جزء من وعود تمَّ قطعها – تتضمن توسعة المواقع المدنية المحظور قصفها في اليمن التي تتجاوز 33.000 موقع، وأيضًا التزام السعودية بالقانون الدولي للنزاعات المسلحة – ويقوم فريق بتنفيذ هذه الوعود.

اجتماع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، والرئيس ترمب في البيت الأبيض يوم 14 مارس 2017 – المصدر

ملخص

تبدو العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية في أحسن أحوالها، إلى وقت كتابة هذا التقرير منتصف عام 2017. ويأتي هذا التحسن في العلاقات بعد فترة من الفتور في نهايات عهد الرئيس أوباما، الذي كان يُنتقد من قبل صناع القرار في السعودية – وخصوصًا من قبل ولي العهد السعودي الشاب، الذي أفصح عن رؤيته للإدارة الأميركية أثناء اجتماع خاص مع مسؤولين أميركيين في قمة العشرين في تركيا عام 2015 –  لعجزه عن التدخل في ملفات الشرق الأوسط الأمنية، وخصوصًا في الملف اليمني والتدخل الإيراني في شؤون منطقة الخليج العربي. ويرى صانع القرار السعودي، أن البعد الاقتصادي للصناعة العسكرية بنفس أهمية البعد الأمني، والازدهار الاقتصادي المحلي، وتحقيق رؤية 2030. ومن المتوقع أن يستمر التعاون بين البلدين في جميع الملفات الأمنية التي تتعلق بمكافحة الإرهاب، وخصوصًا دور الولايات المتحدة الأميركية في توفير الدعم اللوجستي للقضاء على إرهاب القاعدة.

كاتب وباحث سعودي*

@S_Alwahabi

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر