سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
راجيف بهاتيا
تحولت مدينة “بانكوك” خلال الأسبوع الأول من شهر نوفمبر إلى ميدان لانعقاد القمم، حيث استضافت بعض المؤتمرات المهمة، التي كان أبرزها قمة “الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية” (RCEP)، إلى جانب عدد من المؤتمرات الأخرى، مثل قمة شرق آسيا (EAS). وهنا يدور التساؤل حول: ما هي نتائج هذه القمم؟ وأين تقف رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) اليوم بالنسبة لشركائها الرئيسيين؟
قمة الآسيان
أوضح بيان رئيس الرابطة بشأن قمة الآسيان الخامسة والثلاثين، التي عقدت في 3 نوفمبر، مع تقريرٍ مفصلٍ عن أنشطة وخطط التجمع، أن دول الآسيان سوف تستمر في تأمين المنطقة “بسلام دائم وأمن واستقرار ونمو اقتصادي مستدام، وقدر من الازدهار المشترك والتقدم الاجتماعي”. ولتحقيق هذا الهدف الطموح على النحو الأمثل، ستستمر جهود بناء المجتمع في الرابطة.
وفي مشهد جغرافي استراتيجي متغير، في وقت تسعى الولايات المتحدة والصين وقوى أخرى إلى تحقيق مصالحها الخاصة (والمتضاربة في كثير من الأحيان)، تمَّ التأكيد على الحاجة إلى ترسيخ “مركز الآسيان” و “دوره كقوةٍ دافعةٍ رئيسيةٍ في الإطار الإقليمي”.
وفي هذا السياق، تصبح مساعي رابطة أمم جنوب شرق آسيا لتعزيز أركانها الثلاثة، والتي تتمثل في الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، مهمة بقدر أهمية آليات الحوار مع شركائها الخارجيين، بما في ذلك المنتدى الإقليمي لرابطة أمم جنوب شرق آسيا، واجتماع وزراء دفاع دول الرابطة، وقمة شرق آسيا. وبغض النظر عن دورها الدبلوماسي والسياسي المهم في المنطقة، تواصل الآسيان أن تبدو كلاعب اقتصادي هام. ونظرًا لمعدل النمو الاقتصادي الذي يبلغ 5.2٪ في عام 2018، حيث وصل الناتج المحلي الإجمالي إلى 3 تريليونات دولار، فقد احتفظت بمكانتها كأكبر اقتصاد في العالم.
ثلاثة شركاء
وانطلاقًا من تلك الخلفية، فإن مؤتمرات القمة الثلاثة للرابطة مع الصين والولايات المتحدة والهند، والتي عقدت في “بانكوك” في 4 نوفمبر، تستحق قدرًا من التدقيق. حيث تمَّ تعميق شراكة آسيان الاستراتيجية الواسعة مع الصين من خلال المبادرات الجوهرية التي اتخذت في العام الماضي.فقد أشار البيان الذي تلاه رئيس الآسيان إلى دعم الصين بشكلٍ خاصٍ لتعزيز “أوجه التضامن” بين الخطة الرئيسية للآسيان (MPAC) و”مبادرة الحزام والطريق” (BRI)؛ إذ بلغت تجارة السلع بين الصين والآسيان 479 مليار دولار في عام 2018، بما يمثل 17 ٪ من إجمالي تجارة السلع بين الآسيان.
وكمصدر خارجي للاستثمار الأجنبي المباشر لرابطة أمم جنوب شرق آسيا، قامت الصين بتحسين وضعها من المرتبة الرابعة إلى الثالثة في عام 2018.
أمَّا بشأن القضية الأكثر تعقيدًا التي تواجه العلاقة بين الصين ورابطة الآسيان، وهي بحر الصين الجنوبي، فقد اتخذ الجانبان توجهًا إيجابيًا، مشيدين معًا بتقدم المفاوضات الجارية حول التوصل لمدونة قواعد للسلوك (COC) في إطار متفق عليه لمدة ثلاث سنوات. وبأسلوب دبلوماسي، قامت الآسيان بإبلاغ الصين بأنه لا ينبغي لها أن تزيد الأمور تعقيدًا حتى يواصل الجانبان التعاون من أجل السلام والاستقرار في المنطقة.
لقد فقدت قمة الآسيان مع الولايات المتحدة الكثير من بريقها، إذ بقي الرئيس ترمب بعيدًا، فأرسل بدلاً منه مستشار الأمن القومي الأميركي كمبعوثٍ خاصٍ له. ونتيجة لذلك، شارك ثلاثة رؤساء دول في قمة آسيان فقط، وهي: (تايلاند وفيتنام ولاوس) فيما يسمى بالقمة. ومع ذلك، فقد أعرب قادة الآسيان عن “تقديرهم” لدعوة ترمب إليهم لحضور “قمة خاصة” معه في عام 2020. كان عدم اهتمام ترمب بقمة الآسيان محبطًا بدرجةٍ كبيرةٍ، لكنه لم يمنع الدبلوماسيين المعنيين من التأكد، عبر بيان الرئيس، أن الولايات المتحدة ظلت ملتزمة بتدعيم التعاون الاستراتيجي بين الآسيان والولايات المتحدة. وعلى الرغم من جهودهم الشجاعة، فإن بعض الشوائب بدت على رؤية الآسيان تجاه المحيط الهادئ (AOIP) ومفهوم الولايات المتحدة لمنطقة المحيط الهادئ الحرة والمفتوحة. فقد كانت القضية المركزية المثيرة للخلاف هي ما إذا كان ينبغي تبني موقف تعاوني أو مواجهة مع الصين.
إذ كانت القمة بين الآسيان والهند تسير وفق التصورات المتوقعة، فالاجتماع الأخير لم يُظهر شيئًا جديدًا من الناحية الموضوعية. لذا، يواصل الجانبان العمل سويًا من أجل التعاون على الصعيد البحري، والتنمية المستدامة، والتعاون الاقتصادي. ومن ثَمَّ، لم يجد عرض الهند إقامة خط ائتمان بقيمة مليار دولار للتوصيل المادي والرقمي، الذي قدمته على مدار السنوات القليلة الماضية، مكانًا في بيان الرئيس. ومع ذلك، يمكن ملاحظة قدر متواضع من النمو في التبادل التجاري بين الآسيان والهند، حيث زاد من 73.6 مليار دولار إلى 80.8 مليار دولار في عام 2018. وقد كانت مشاريع الاتصالات الجارية والمخطط لها، بمنزلة الطريق المفتوح إلى كمبوديا وجمهورية لاوس الشعبية وفيتنام. ولكن، لم تكن هناك أية إشارة إلى المواعيد النهائية لاستكمال تلك الاتصالات. لكن الجانبين أعربا عن رضاهما عن تنفيذ خطة العمل (2016-2020) من أجل تعزيز شراكتهما، واتفقا على ضرورة وضع خطةٍ جديدةٍ تغطي السنوات الخمس المقبلة.
قمتان إقليميتان
لقد كان مؤتمر قمة شرق آسيا الرابع عشر، الذي شاركت فيه رابطة الآسيان ودولها الثمانية، أشبه بمؤتمرٍ روتينيٍ إلى حد ما. فعادة ما يُنظر إلى هذه القمة على أنها منتدى رئيسي يحضره القادة لضمان التعاون في القضايا الاستراتيجية والسياسية والأمنية والاقتصادية ذات الاهتمام المشترك. وكما أشار بيان رئيس الآسيان، فقد تناول المشاركون جدول أعمال واسع النطاق، يشمل التعاون في البيئة والطاقة والتعليم والصحة والاتصالات والتجارة، وغيرها من القضايا الأخرى. أمَّا فيما يتعلق بمسألة بحر الصين الجنوبي، فقد بدت الصياغة أكثر وضوحًا، ففي إشارةٍ إلى إصرار بعض الدول على أن تكون مدونة قواعد السلوك، التي لا تزال قيد التفاوض، متسقة مع اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 (UNCLOS)، واتفاق جميع المشاركين على الحاجة إلى “عدم التسليح وضبط النفس في إدارة جميع الأنشطة الأخرى”.
وقد تم تفسير هذه المحاولات باعتبارها رغبة واضحة، لكنها ضعيفة، من قِبَل قمة شرق آسيا لكبح جماح الصين، التي كان رئيس وزرائها مشاركًا في المناقشات.
أخيرًا، فقد اختتمت قمة “الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية”، التي حصلت على النصيب الأعظم من اهتمام وسائل الإعلام بموافقة 15 دولة على نص الاتفاقية، والهند التي لا تزال لديها “قضايا كبيرة عالقة”. وقد ركز بيان القمة على فكرة مفادها أن جميع المشاركين في قمة “الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية” سيعملون معًا على حل هذه القضايا العالقة بطريقة مرضية، وهو ما تجاوزه إعلان رئيس وزراء الهند “ناريندرا مودي” عن موقف بلاده الثابت بالانسحاب من قمة “الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية”.
خلصت القيادة السياسية الهندية، صاحبة المصلحة الوحيدة المجهزة لاتخاذ القرار، إلى أن عرض حزمة RCEPالمعروض لم يكن عادلاً ولا متوازنًا. يتسبب القرار في انتكاسة مؤقتة لسياسة قانون الشرق، ولكن يمكن استرداد هذه الخسارة إذا كانت نيودلهي خلاقة واستباقية، وهو ما من المرجح أن يكون.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: أوراسيا ريفيو
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر