سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ديفيد أ. فيمر
رغم سلسلة من الخلافات البارزة بين الحلفاء على مدار الأسابيع القليلة الماضية، فإن اجتماع قادة الناتو في لندن في الرابع من شهر ديسمبر الجاري “انتهى بنبرة إيجابية جدًا” مع “إعلان وجدول أعمال جوهريين بشأن المستقبل”، إذ يلاحظ نائب الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي ومجلس الأطلسي، وزميله “إلكسندر فيرشبو”، أن الجمع بين الجدل العلني المتوتر جدًا بين قادة الناتو والنتائج البناءة، قد أوحى بشعور بأن الاجتماع “ذهب وكأنه أسد، في حين عاد وكأنه حمل”، فقد قضى قادة حلف الناتو معظم الوقت في الأيام التي سبقت الاجتماع مركزين على قائمة طويلة من الخلافات السياسية، بما في ذلك استمرار انتقاد الولايات المتحدة لأوروبا وانخفاض مستوى الإنفاق الدفاعي في كندا، والتهديدات التركية بحظر خطط الدفاع الجديدة لبولندا ودول البلطيق، حتى أقر قادة الناتو بقوة أكبر عملهم العسكري في شمال شرق سوريا، فضلاً عن تعليقات بارزة من الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” التي وصفت الناتو بأنه مصاب بحالة “موت دماغي”، وشددت على تهديد روسيا.
بجانب ذلك، فعلى الرغم من هذه المشاحنات البارزة، فإن اجتماع 4 ديسمبر لم يظهر “قدرًا من الدراما التي حدثت في عام 2018″، عندما أوقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب القمة في بروكسل، منتقدًا حلفاء الناتو لانخفاض مستويات إنفاقهم الدفاعي. وبرر موقفه بأن السبب في ذلك هو أن مسؤولي الناتو خفضوا من سقف توقعاتهم عن عمد بشأن هذا الاجتماع، ووصفوه بأنه “اجتماع” بدلاً من “قمة”، واقتصرت المناقشة على ثلاث ساعات فقط. ووفقًا لـ”كريستوفر سكالوبا”، مدير مبادرة الأمن عبر الأطلسي التابعة لـ”المجلس الأطلسي”، فقد كان لدى الناتو ثلاثة أهداف رئيسة لهذا الاجتماع: الأول الاحتفال بالذكرى السبعين للتحالف على مستوى رؤساء الحكومات، وإعادة التأكيد على الاتجاه الحالي بشأن ما يقومون به إزاء روسيا، وأخيرًا محاولة رسم رؤية إظهار أن الناتو ليس من بقايا الحرب الباردة، ولكنه يبدو أكثر انخراطًا في مساعي التحرك للأمام.
لقد احتفل الأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتنبرغ” بالتقدم الذي أحرزه الحلف نحو مواءمة مواقفه مع روسيا، إذ أعلن أن الناتو قام “بمبادرة الاستعداد للناتو”، التي جلبت عبر الإنترنت ثلاثين كتيبة للقوات، وثلاثين سربًا جويًا، وثلاثين سفينة مقاتلة على وضع الجاهزية والاستعداد للاستخدام من قبل الناتو خلال ثلاثين يومًا، وذلك من أجل الرد على أي هجوم محتمل. وإضافة إلى ذلك، فقد بدا أن قادة الناتو قد سخروا من اعتراضات تركيا على خطط دفاع البلطيق والرؤية البولندية الجديدة، وأكد “شتولتنبرغ” ذلك حينما قال “لقد وافقنا على الخطة المحدثة لدول البلطيق وبولندا”. وفي إشارة إلى تعليقات “ماكرون” السابقة على أن الإرهاب يمثل تهديدًا أكبر مما تفرضه روسيا، فقد ذكر “شتولتنبرغ” أيضًا أن قادة الناتو “وافقوا على خطة عمل جديدة لتكثيف الجهود في إطار الحرب على الإرهاب”.
ويبدو أنه تمَّ إحراز تقدم في مسألة تقاسم الأعباء، إذ أظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تحولاً مهمًا في طريقة حديثه عن تقدم الحلف فيما يخص الإنفاق الدفاعي، وفقًا لـ”لورين سبيرانزا”، نائب مدير مبادرة الأمن عبر الأطلسي التابعة للمجلس الأطلسي. وفي تصريحات أدلى بها مع “شتولتنبرغ” في وقت لاحق في سلسلة من التغريدات بتاريخ 4 ديسمبر، سلط الرئيس الأميركي الضوء على “التقدم الكبير” الذي حققه الناتو خلال السنوات الثلاث الماضية، بما في ذلك ما يزيد على 400 مليار دولار تعهد بها حلفاء الناتو لزيادة إنفاقهم الدفاعي. وقد توجه ترمب بتغريداته لـ”شتولتنبرغ”، قائلاً: “إن الناتو سيكون أكثر ثراءً وقوة من أي وقت مضى”.
والواضح أن هذا التحول من جانب ترمب تعرض للتهديد بسبب التسريبات التي خرجت من حفل استقباله بقصر باكنغهام، والتي أظهرت رئيس الوزراء الكندي “جوستين ترودو” يسخر من التعليقات المطولة للرئيس الأميركي للصحافة أثناء عمليات التصوير، لكن “سبيرانزا” قللت من تأثير ذلك الأمر على المدى الطويل. فمثل الكثير من الخلافات حول تقاسم الأعباء “على المدى الطويل، أظهر الحلف أنه قادر على تجاوز بعض هذه القضايا، وهذه القمة تعدُّ هي الأخرى دليلاً على ذلك”. فيوافق “ألكسندر فيرشبو” على ذلك، معترفًا بأن “هذه الأمور تحدث أحيانًا”. لكن “الانطباعات الشخصية يمكن أن تتأثر غالبًا بين أي رئيس أميركي والزعماء الأوروبيين”. بالإضافة إلى العمل من خلال بعض الخلافات السياسية الأكثر إلحاحًا، كان قادة الناتو اتخذوا خطوات ملموسة من أجل ضمان بقاء الحلف فعالًا على مدار السبعين عامًا القادمة. وقد ذكرت “سكالوبا” أن الإعلان الصادر عن الاجتماع يشير إلى قضايا التكنولوجيا الناشئة، والبنية التحتية لتكنولوجيا الجيل الخامس، والفضاء الإلكتروني، ومساحة الأسماء باعتبارها تمثل المجال التشغيلي الخامس للتحالف. كما تشير الوثيقة إلى أول ذكر للصين في تاريخ الناتو. إذ تحذِّر “سبيرانزا” من أن ذلك لا يعني الإشارة إلى أن الناتو ينظر إلى الصين حاليًا كعدو، بل إنه “اعتراف متزايد بأن الصين تعدُّ قوة اقتصادية وعسكرية متنامية يحتاج حلف الناتو إلى إيلائها المزيد من الاهتمام”. كما أشار “سكالوبا” إلى خطة من قبل الأمين العام لقيام مجموعة من الخبراء بمحاولة تهدف إلى التوفيق بين وجهات نظر التحالف المختلفة ودوره في المستقبل. ويجادل “فيرشبو” بأن هذا التركيز المتعمد على التوفيق بين الرؤى السياسية للدول الأعضاء في الناتو، إنما يعدُّ أمرًا مهمًا؛ لأن الخلافات بين الحلفاء بشأن القرارات السياسية طغت على مدى السنوات القليلة الماضية على حقيقة أن الحلف “أصبح في الواقع أقوى وأكثر تماسكًا”. وعلى هذا تقترح “سبيرانزا” أن الحوار حول الصين والتكنولوجيا الناشئة، يدل على رغبة مسؤولي الناتو في توسيع الحلف ليصبح “منصة للحوار حول القضايا عبر الأطلسي”، وبشكل أكثر عمومية، فإن ذلك يعدُّ بديلاً من منطق الدفاع الجماعي.
لقد أتاح اجتماع لندن الفرصة لجميع قادة الناتو للاحتفال بمرور سبعين عامًا على حلف الناتو، ومساحةً أكبر لتهدئة الخلافات القائمة. وأكثر من ذلك، فإن قادة الناتو “يبتعدون عن لندن بخطة عمل ملموسة جدًا”، وهو ما سيساعد في منحهم خريطة طريق للتنقل خلال العقود السبعة القادمة كما يقول “سكالوبا”.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: المجلس الأطلنطي
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر