سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عبد الوهاب بدرخان
زال الغموض في بريطانيا، وأصبح لديها برلمان بغالبية مريحة لحزب «المحافظين»، حقق بوريس جونسون طموحه الشخصي بفوز انتخابي لم يكن يتخيله قبل شهور قليلة، بل توقّع كثيرون أن تسقط حكومته قبل عيد الميلاد. ولم تعد هناك سوى عقبات قليلة أمام تحقيق طموحه السياسي بإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن جبالاً هائلة من التحدّيات ستواجهه، ومن أهمها الاقتصاد والحفاظ على تماسك المملكة متحدةً بمختلف أقاليمها، تحديداً اسكتلندا وإيرلندا. كانت استطلاعات الرأي أكّدت منذ أسابيع أن الفوز على حزب «العمال» مضمون بفارق كبير، إلا أنها حذّرت في الأيام السابقة للاقتراع من مفاجآت محتملة أسوأها «البرلمان المعلّق» بحيث يصعب تشكيل حكومة على العمل. لكن المفاجأة في الغالبية الواسعة التي حصدها جونسون.
ما حصل لبريطانيا منذ غداة الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) في يونيو 2016 أنها استفاقت على انقسام عمودي للمجتمع، واكتشفت الأحزاب جميعاً أن هذا الانقسام ضرب في عمقها، وأن في صفوفها مؤيدين ومعارضين للبقاء مع أوروبا، بحسب المناطق ومقدار استفادتها اقتصادياً من الاتحاد. هذا الانقسام تفاعل في مجلس العموم فلم تستطيع رئيسة الوزراء تيريزا ماي انتزاع مصادقة على أي اتفاق مع الأوروبيين، بل إن التيارات المتعددة داخل كل حزب فرضت نفسها على البرلمان ففقد قدرته على اتخاذ أي قرار. كانت هذه الحال هي التي دفعت بجونسون إلى زعامة «المحافظين» بعدما طالب معارضو «تيريزا ماي» في الحزب بتنحّيها. ما لبثت شخصية جونسون أن غيّرت المناخ السياسي، اعتماداً على أن الفوضى السائدة أتعبت الرأي العام وألقت بظلّها على الوضع الاقتصادي، لذا أصبحت الأولوية لحسم الخيارات بالنسبة إلى «بريكست».
استطاع جونسون أن يبثّ دينامية سياسية، رغم الصفعات التي تلقاها بسبب سعيه إلى تعطيل البرلمان وإصراره على الطلاق مع أوروبا من دون اتفاق ينظّم المرحلة الانتقالية، لكنه عاد فتوصّل إلى اتفاق لا يختلف عن «اتفاق ماي» إلا بالتفصيل المتعلق بالحدود المفتوحة بين شطري إيرلندا، فهو وافق على إغلاقها جمركياً وأثار خلافاً لا يزال قائماً مع الإيرلنديين، ولن يستطيع فرض الحلّ الذي يريده رغم امتلاكه الغالبية البرلمانية، فالحدود مفتوحة بموجب اتفاق السلام (1998) الذي أنهى النزاع الإيرلندي. ما تغيّر في بريطانيا أن «بريكست» فرض نفسه كاستحقاق مستقبلي، وبعدما كان يُظنّ أن غالبية من الناخبين سترفضه فعلياً لو أجري استفتاء ثان، سادت الخشية لدى المؤيدين والمعارضين من أن يأتي بنتيجة مماثلة أو قريبة جداً. لذلك تناسى البريطانيون أخيراً كل التوقّعات عن مصاعب اقتصادية جدّية آتية جراء الـ«بريكست»، ومضوا إلى انتخاب جونسون رغم تخوّفهم من شخصيته «الترامبية».
ما الذي حسم هذا التغيير؟ أكثر التحليلات واقعية قال إن الخيار بين جونسون وجيرمي كوربن بدا غاية في الصعوبة، لكن زعيم «المحافظين» يدين لخصمه الزعيم «العمالي»، الذي أهداه فوزه الكبير.
فبين جونسون المندفع والمغدق بالوعود المستقبلية وبين «كوربن» المتمترس في يساريته المتزمتة غدا الخيار غاية في السهولة. كانت الفئات المتعاطفة مع حزب «العمال»، ولا سيما الشباب فيها، ساهمت في تمكين الحزب من زيادة عدد نوابه في انتخابات 2017، لكنها بعد ذلك راحت تدين «كوربن» على غموض موقفه من «بريكست» وعدم تحمسه لاستفتاء ثانٍ واعتماده سياسة سلبيةً غير مجدية. كان الرجل أساساً من المعارضين لانضمام بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي في استفتاء 1974، معتبراً أنه خطوة ضد مصالح الطبقة العاملة، لكن وجود نسبة عالية من رافضي «بريكست» في حزبه هو ما يفسّر غموضه. فلو فشل «بريكست» كان سيتفاوض على شروط جديدة للبقاء مع أوروبا، ولو نجح كان سيبدأ معركة داخلية لتطوير حقوق العمال. لكنه سيتنحّى الآن عن قيادة حزبه.
أمام جونسون تحدّيات كثيرة، فعليه أن يسارع في تنفيذ وعوده لتطوير خدمات القطاعين الصحّي والتعليمي وتعزيز الأمن، خصوصاً أنه كان من أوائل القائلين بأن «بريكست» يعني أموالاً تُنفق في الداخل بدل دفعها للاتحاد الأوروبي، ولا شك أنه يخشى التداعيات الاجتماعية للمصاعب الاقتصادية.
لكن موعد الخروج بنهاية (يناير) 2020 هو أيضاً بداية مرحلة مفاوضات معقّدة للتوصل إلى اتفاق تجاري مع أوروبا قبل انتهاء المرحلة الانتقالية أوائل 2021. قد يلعب مضمون هذا الاتفاق سلباً أو إيجاباً في اعتراضات اسكتلندا وإيرلندا على «بريكست» وتداعياته، لكن الملف فُتح لتوّه.
المصدر: صحيفة الاتحاد
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر