الأزمة الرقمية.. قبل فوات الأوان | مركز سمت للدراسات

الأزمة الرقمية.. قبل فوات الأوان

التاريخ والوقت : الأحد, 8 ديسمبر 2019

دانييل برايس

 

يَعد الابتكار القائم على البيانات في صناعة التكنولوجيا بتحسين الإنتاجية والتنافسية والنمو عبر الاقتصاد العالمي.. لكنه يطرح مخاطر كبيرة، مثل القرصنة واختراق البيانات واستغلال البيانات الشخصية وتحديات تتعلق بالذكاء الاصطناعي.

هذه المخاطر تفاقمها إطارات قانونية متضاربة أو متخلفة عبر العالم. ولهذا ينبغي على زعماء العالم التحرك الآن لتحسين وتعزيز التعاون العالمي من أجل معالجة التحديات التي تواجه الاقتصاد الرقمي قبل فوات الأوان.

وقد رأينا هذه القصة من قبل، إذ صدرت إشارات تحذير مماثلة عن النظام المالي قبل أزمة 2008 الاقتصادية: تأخر الجانب التنظيمي وعدم مواكبته للابتكار، وفشل الشركات والحكومات في فهم تراكم المخاطر، وعدم فعالية آليات التعاون الدولي في تقييم المخاطر ومعالجتها.

كانت الأزمة المالية مدمرة، لكن بالنظر إلى حجم الأنظمة القائمة على البيانات وسرعتها وتعقيدها، فإن أزمة رقمية كبيرة قد تكون لها تأثيرات ضارة لا تقل خطورة. تخيّلوا تجمداً أو قصوراً في الملاحة العالمية أو مراقبة الحركة الجوية أو أنظمة الاتصالات، أو تخيلوا عطلا أو اضطرابا في البرامج الحاسوبية التي تستخدم في أسواقنا المالية أو أنظمتنا الدفاعية.

لا شك أن الرد على الأزمة المالية مفيد ومليء بالدروس. فقد كشفت تلك الأزمة عن هندسة تنظيمية دولية غير مؤهلة لإعادة بناء الثقة وإصلاح النظام المالي. وللرد عليها، عمل الرئيس جورج دبليو. بوش مع حلفاء الولايات المتحدة على إطلاق أول اجتماع على مستوى القادة للاقتصادات العشرين الأكبر في العالم. وخلال أول قمة لمجموعة العشرين في واشنطن عام 2008، اتفق القادة على مخطط عمل لمعالجة عوامل الخطر الرئيسية المرتبطة بالاستقرار المالي، مثل رأسملة البنوك والرفع المالي والسيولة. وفي عام 2009، منحت مجموعة العشرين المنعقدة في لندن «مجلس الاستقرار المالي» سلطات واسعة من أجل معالجة نقاط الضعف في النظام المالي العالمي وتحديد مبادئ للإصلاح التنظيمي.

ثم أصبح «مجلس الاستقرار المالي» ومندوبوه التأسيسيون من البنوك المركزية ووزارات المالية ومراقبي البنوك ومنظمي السوق هيئةً قويةً للتعاون الدولي.

وعليه، فينبغي ألا ننتظر لحين وقوع أزمة عالمية حتى نسعى وراء هذا النوع من التعاون الدولي بخصوص البيانات والتكنولوجيا. كما ينبغي للدول النظر إلى هندسة ما بعد الأزمة المالية كنموذج وتأسيس «مجلس بيانات وتكنولوجيا» الآن من أجل تعزيز التعاون العالمي وترسيخه.

إن مثل ذلك المجلس يمكن أن يضم منظمين وطنيين مسؤولين عن الخصوصية، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، والاتصالات، إضافة إلى سلطات إنفاذ القانون والمنافسة وتنظيم القطاع المالي. وعلى غرار «مجلس الاستقرار المالي»، يمكن للمجلس المقترح السعي لبناء توافق بشأن مبادئ السياسات على أعلى مستوى ومعايير لتوجيه عمليات التنظيم الوطنية. ومثلما نسّق «مجلس الاستقرار المالي» عمل الجهات المنظمة الحالية في القطاع المصرفي والأوراق المالية، يستطيع هذا المجلس أن يلعب دوراً مماثلا بالنسبة لقطاع البيانات والتكنولوجيا.

وفضلاً عن ذلك، يمكن لإنشاء قناة رسمية للتعاون العالمي أن يساعد أيضاً على معالجة مشكلة «نقص الثقة» بين البلدان بخصوص الوصول إلى البيانات والبنية التحتية الحساسة. كما ستتطلب الثقة التحقق من المعايير المتفق عليها من خلال آليات تصديق أو تدقيق مستقلة.

ولا شك أن هذا المجلس الخاص بالتكنولوجيا والبيانات سيواجه مهمة صعبة ومختلفة عن الطريقة التي تم بها الرد على الأزمة المالية لعام 2008 في تطوير إطارات تنظيمية منسَّقة عالمياً، على الرغم من أن المجالس التشريعية الوطنية والجهات التنظيمية لم تطوِّر بعد قواعد تعالج الكثير من المواضيع قيد النقاش.

لكن، وخلافاً للبنوك التي أنشئت محلياً ثم نمت عالمياً، فإن التكنولوجيا ولدت عالمية. ونحن لا نملك ترف الانتظار لعقود حتى تتبنى الدول أنظمتها التنظيمية الخاصة قبل بدء مهمة التنسيق العالمي. وبالتالي، فالتحدي الكبير هو الدفع بالتعاون على الصعيد العالمي إلى الأمام الآن، على الرغم من أن عملية التنظيم والمعايير على المستوى الوطني ما زالت قيد التطوير. ولا شك أننا إذا تحركنا بسرعة كافية من أجل تخفيف المخاطر من دون خنق الابتكار، فإننا قد نتجنب أزمة جديدة.

المصدر: صحيفة الاتحاد

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر