سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أحمد الديباوي
منذ نجاح الخميني في الوثوب إلى سدّة الحكم في إيران، العام 1979، ونظامه يعمل على تصدير ثورته إلى دول المنطقة العربية، خصوصاً التي تجاوره؛ ابتغاء فرض هيمنته عليها، وتحقيق حلم ملالي إيران باستعادة الإمبراطورية الفارسية القديمة، وتجديد الآمال العريضة بالسيطرة على الدول العربية بكل الطرق الممكنة، مستغلاً تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية ببعض الدول المجاورة، فضلاً عن استغلاله التنوع الطائفي في تلك الدول، وكذا استغلال جماعة الإخوان المسلمين على الرغم من اختلاف عقيدتها مع العقيدة الشيعية، لكن كلا الطرفين، يدركان أنَّ التنسيق الذي بينهما تحكمه لغة المصالح فقط، بصرف النظر عن التباين المذهبي أو حتى الديني.
ويبدو أنّه بعد اندلاع الحراك الثوري الشعبي في عاصمتين عربيتين، هما بيروت وبغداد، استبدَّ الذعر بسلطة ولاية الفقيه الحاكمة بإيران؛ إذ إنّ اثنتين من مجموع العواصم الأربع، في مشروعها لتحقيق حلمها الإمبراطوري، بدأتا في الثورة والانتفاض رفضاً للمشروع الإيراني التوسعي في أراضيهما، وهو الأمر الذي بات يهدّد نفوذ طهران في المنطقة، ويشي بأنّ الجمهورية الإسلامية الملالية بدأت في مرحلة انهيار تدريجي؛ فالاحتجاجات والتظاهرات الغاضبة في كل من بغداد وبيروت تمثّل تهديداً مباشراً للنظام الإيراني ووكلائه وأذرعه السياسية والعسكرية في كلّ من العراق ولبنان، وإذا نحن أضفنا إلى ذلك اندلاع عدّة تظاهرات في طهران وبعض المدن الإيرانية؛ احتجاجاً على تردِّي الأوضاع الاقتصادية، فإنّ السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: ما مدى إمكانية استمرار إيران في مواجهة الأزمات الداخلية والخارجية، وهل حان الوقت ليتراجع النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط؟!
العراق ستقرّر نفوذ إيران في المستقبل
بوجه عام، فإنّ الوجود الإيراني، الآن، في كل من العراق ولبنان لم يعُد مكلَّلاً بالتأييد الشعبي في كل من البلدين، لكن هذا لا ينفي أنّ العراق، تحديداً، تبدو كما لو كانت ولاية تابعة لإيران من خلال سيطرة ونفوذ ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة والمسلّحة من قبل الحرس الثوري ، ومع هذا فإنّ مصير النفوذ الإيراني في المنطقة كلها ستقرّره العراق وليس لبنان، فعلى الرغم من أهمية لبنان الذي يسيطر عليه حزب الله بالوكالة، فإنّ أهميته بالنسبة إلى إيران لا يمكن مقارنتها بأهمية العراق؛ الجار الأكبر والغني بالنفط والموارد الطبيعية والبشرية الكبيرة، لذلك فإنّ الاهتمام الإيراني بالشأن العراقي يتزايد، ويدخل في مسارات متتالية هدفها كبح جماح القوى الوطنية في العراق، وتهميش وإضعاف جيشها الوطني وتعزيز إمكانيات وأدوار قوات الحشد الشعبي التابعة لإيران.
تدرك إيران أنّ الحراك الثوري العراقي الذي يتركّز في مناطق الأغلبية الشيعية، وفي العاصمة بغداد، موجَّه بشكل مباشر ضد نفوذها عبر وكلائها في جنوب العراق، الذي تسيطر عليه سيطرة تامة، وهو ما يعني أنّ ذلك الحراك تحول وطني عراقي مفاجئ لملالي السلطة الإيرانية، وقلب للطاولة السياسية والجيوسياسية برمّتها، وإذا أضيف إلى ذلك تزامن الحراكين؛ العراقي واللبناني، وتلاقي أهدافهما في مواجهة النفوذ الإيراني؛ أصبح التخوف الذي عبّر عنه المسؤولون الإيرانيون أخيراً، في محلّه؛ إذ إنّه يُنذر بأنّ ذلك النفوذ بدأ يدخل مرحلة جديدة من الأفول والتراجُع بشكل لم يسبق له مثيل منذ دخول العراق العهد الإيراني في أعقاب الغزو الأمريكي العام 2003.
على خلفية استقالة عبدالمهدي
وثمة عامل آخر يؤكد أنّ تراجُع النفوذ الإيراني بدأ بالفعل، وهو تصديق البرلمان العراقي في اجتماعه أول من أمس، على استقالة رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، بعد أحداث دامية في بغداد والناصرية قتل فيها العشرات، ومعلوم أنّ وجود عبد المهدي بعد الانتخابات الأخيرة في العراق (2018) قد كرّس النفوذ الإيراني في العراق، على الرغم من أنّ تبعيته لإيران لا تقارن بتبعية نوري المالكي، لكن يبدو أن عبد المهدي لم يعُد من “الأوراق” السياسية الإيرانية الفارقة في مستقبل العراق السياسي، ذلك أنّه فشل في حماية الممتلكات الإيرانية خاصة بعد حرق القنصلية الإيرانية في النجف، كما أنّ المتظاهرين هدّدوا باقتحام مقر المرجعية في النجف، وهو ما دفع الحشد الشعبي لإصدار بيان يحذّر من الهجوم على هذا المقر وأنّه سيستخدم كل قوة متاحة من أجل تأمينه، وهو الأمر الذي دفع عدداً من المحللين السياسيين والمراقبين للشأن العراقي للتأكيد أنّ استقالة عادل عبد المهدي، جاءت بأمر من نظام الملالي، حتى يتم اختيار شخصية سياسية جديدة موالية للنظام الإيراني!
قد يرى البعض في استقالة عبد المهدي خدعة إيرانية من أجل المماطلة لإبقاء النظام الموالي بطهران، أو هي استقالة لامتصاص غضب العراقيين الغاضبين من توغّل إيران في الشأن العراقي العام، ولكن مجرد استقالته على أية حال تنبئ أنّ العراقيين قد فهموا اللعبة واستطاعوا الضغط المتزايد من خلال التظاهرات والحراك الثوري لرفض نفوذ إيران وملاليها في بلدهم، ولا نستبعد أن تكون استقالة عبد المهدي جاءت تحت ضغوط أمريكية هدفها الأول امتصاص غضب المتظاهرين الذين وقع منهم حتى الآن نحو 400 قتيل منذ اندلاع الحراك في بغداد والمدن العراقية الأخرى، وإذا كانت إيران تضع في اعتبارها أنّها ستدفع بشخصية أخرى بديلاً لعبد المهدي لرئاسة الوزراء فإنها باتت -حتماً- تضع في اعتبارها أن العراق الآن غير العراق في 2003؛ فقد أصبح هناك حراك شبابي غير انتخابي؛ أي لم يكن له ثقل يذكر في نتائج الانتخابات الماضية، وسيحدد هذا الحراك مستقبل الوجود والنفوذ الإيراني في العراق، من خلال تغييرات ستطال البناء السياسي الذي لا مكان فيه لهيمنة إيرانية، بل لشراكة سياسية وإقليمية دون تدخلات من ملاليها وحرسها الثوري.
فهل تدرك إيران، الآن، أنّ مياهاً كثيرة مرّت تحت الجسر، وأنّ العراق تغيّر أو في طريقه إلى التغيير؟!
المصدر: حفريات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر