سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
د. أشرف محمد كشك
كثيرة هي القضايا التي آثارها مؤتمر التكنولوجيا العسكرية في الشرق الأوسط ومن بينها مسألة توطين التكنولوجيا العسكرية، تلك القضية التي حظيت باهتمام الدول الخليجية إبان السنوات الماضية حيث كانت مكونًا أساسيًا من مكونات خطط التنمية المستدامة ضمن ما عرف بتوطين الصناعات الدفاعية. وظهر ذلك بوضوح في خطة المملكة العربية السعودية للتنمية المستدامة والتي استهدفت توطين نحو 50% من الإنفاق العسكري ليكون رافدًا مهمًا للتنمية الاقتصادية. وتم تأسيس آلية لذلك وهي الشركة السعودية للصناعات العسكرية التي تشير العديد من التوقعات إلى أنها سوف تكون أحد أكبر 25 شركة دفاعية في العالم وذلك بحلول عام 2030.
ومع أهمية توطين التكنولوجيا ليس فقط لكونه أحد مكونات رؤى التنمية المستدامة التي أعلنتها بعض دول الخليج ولكنه يسهم في تحقيق الأمن الذاتي الخليجي ومن ثم توازن القوى الإقليمي كهدف استراتيجي نهائي فإن له متطلبات كما تناولها المشاركون في المؤتمر والتي يستهدف هذا المقال مناقشتها وأولها: ضرورة وجود بنية تحتية لديها القدرة على استيعاب متطلبات هذه التكنولوجيا. ومن ذلك على سبيل المثال ان المفاعلات النووية السلمية تحتاج الى مواقع جغرافية محددة وما يمكن أن يطلق عليه «متطلبات الأمان النووي»، وبوجه عام فإن الصناعات العسكرية تحتاج الى بنية تحتية لديها القدرة على استيعاب هذا المشروع الطموح من خلال تطوير قطاعات النقل والاتصالات وكافة المرافق ذات الصلة بتلك الصناعات، وثانيها: مسألة التمويل، حيث أن توطين الصناعات العسكرية يعد مشروعًا قوميًا الأمر الذي يتطلب شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص إلا أن مدى مساهمة القطاع الخاص في ذلك المجال يرتبط بشكل وثيق بالمدى المتاح له ضمن تلك الصناعات هل ستكون كافة الصناعات أم سوف يرتبط ذلك بالصناعات العسكرية الخفيفة؟ كما تبرز إشكالية مدى إتاحة شركات التصنيع العالمي المجال للقطاع الخاص للانخراط في عملها الذي يتسم بجوانب سرية حيث يظل عنصر مفاجأة السوق هو المحرك الأساسي لعمل تلك الشركات، والأهم قدرة القطاع الخاص على المنافسة في الأسواق العالمية، بالإضافة إلى تحقيق التوازن بين خصوصية وتركيبة القطاعات الدفاعية وفي الوقت ذاته إتاحة الفرصة للتواصل مع الشركات المصنعة من أجل تلبية احتياجات تلك القطاعات، وثالثها: المتطلبات والضوابط التشريعية لارتباط ذلك بشكل وثيق بمتطلبات الأمن القومي، حيث تكمن أهميتها ليس فقط لإيضاح وتحديد عقوبات حيازة مواد محظورة أو تدخل ضمن صناعات محظورة وغيرها من الضوابط التشريعية التي تحدد الجهات المنوطة بتلك الصناعات بل أن وجود تشريعات محددة من شأنه أن يمثل بيئة جاذبة وآمنة للشركات الكبرى للاستثمار في هذا المجال المهم، ورابعها: مدى جودة المنتجات التي لا يتعين أن تلبي الاحتياجات المحلية فحسب بل يجب الأخذ بعين الاعتبار أنها ستكون ضمن منافسة في الأسواق العالمية بما يعنيه ذلك من أنه يتعين أن تتضمن كافة المعايير المتعارف عليها في تلك الأسواق، وخامسها: الاهتمام بالعناصر البشرية القادرة على التعامل مع متطلبات تلك التكنولوجيا والتي لا تحتمل الخطأ إذ لن يكون ذلك مرتبطًا بالشخص فحسب بل بالنسبة للأمن القومي للدولة ككل، ومن ثم فإن العنصر البشري يعد حجر الزاوية في عملية توطين التكنولوجيا العسكرية ويتطلب ذلك إيلاء مسألة البحوث العلمية في هذا المجال أهمية خاصة، بالإضافة إلى الاهتمام بالبعثات العلمية التي ترتبط بمجال التكنولوجيا العسكرية وخاصة في الكليات الدفاعية الكبرى في العالم. إن مسألة توطين التكنولوجيا ليست صناعة عادية وإنما ترتبط بالأمن القومي لكل دولة، بل أنها كانت مشروعًا عربيًا من خلال الهيئة العربية للتصنيع التي قد يكون من المفيد قراءة تلك التجربة والاستفادة من جوانبها الإيجابية لتوطين تلك الصناعات.
ومع أهمية تلك المتطلبات كآليات لازمة لتوطين التكنولوجيا فإن الإطار الاستراتيجي العام للتوطين يجب أن يؤسس على خطط شاملة، صحيح أنه تم تضمينها في خطط التنمية المستدامة ولكنها ربما تحتاج الى دراسات على غرار دراسات الجدوى، هل من المفيد وكذلك من حيث الكلفة أن تتم عملية التوطين؟ من ناحية ثانية يجب أن تتلاءم عملية التوطين مع واقع متطلبات مواجهة التحديات الأمنية الراهنة فلا حاجة الى توطين الأسلحة التقليدية الثقيلة في ظل تعاظم مخاطر أمن الشبكات والإرهاب الإلكتروني وهو ما يعد متطلبًا مهمًا للغاية ضمن سياق هذا التوطين إذ أن بناء القوة العسكرية الآن في كل دول العالم يشهد مراجعات بحيث يمكنها التأقلم مع المهددات الأمنية الراهنة.
وضمن هذا السياق فإن دراسة تجارب دول أخرى تعد أمرًا مهمًا سواء الدول الغربية أو في آسيا، بالإضافة إلى تجارب بعض الدول العربية ومنها مصر والأردن، ففي مصر تم تأسيس مجمع خاص للصناعات الدفاعية والذي تتاح من خلاله الفرصة للتصنيع المشترك مع عدد من دول المنطقة من خلال التركيز على التقنيات التكنولوجية المتميزة في مجال التسليح، أما الأردن فلديه مركز الملك عبدالله للتصميم والتطوير والذي تم تأسيسه عام 1999 كهيئة حكومية ذات سمات تجمع بين الجوانب المدنية والعسكرية وتضطلع بتزويد القوات المسلحة الأردنية بكافة المتطلبات الدفاعية التي تم تصنيعها وتطويرها من خلال كوادر محلية وذات مواصفات تتناسب والمواصفات العالمية، وغيرها من التجارب المتميزة والمهمة التي يمكن دراستها وخاصة مع الدول التي تتشابه ظروفها مع دول الخليج.
ومع الأخذ في الاعتبار كافة ما سبق سواء المتطلبات أو السياق الاستراتيجي العام فإن مدى قدرة أي دولة على تحقيق تقدم في مجال توطين التكنولوجيا يظل مرتهنًا بثلاث دوائر مهمة, الأولى: هي الدائرة المحلية بمعنى قدرة الدولة على تحويل ذلك المشروع إلى مشروع وطني بما يعنيه ذلك من تحقيق شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، والثانية: الدائرة الإقليمية حيث إن احتدام الصراعات وتسارع وتيرتها يعد معوقًا أساسيًا للمضي قدمًا في توطين التكنولوجيا والتي تتسارع وتيرتها بشكل مواز للتهديدات الأمنية، أما الدائرة الثالثة: فهي الدائرة الدولية وبها العديد من الإشكاليات سواء التنافسية والتي ستكون تحديًا هائلاً أمام الشركات الوطنية أو مدى رغبة شركات السلاح العالمية والتي لديها نفوذ عالمي لا يستهان به في بناء شراكات حقيقية مع الشركات الوطنية، حيث أن تلك الشركات الكبرى لا يزال عامل الربح هو المحرك الأساسي لها.
ومجمل القول أن قضية توطين التكنولوجيا إحدى أهم القضايا التي تحظى بالأولوية لدى كل دول العالم ومن بينها مملكة البحرين التي تمتلك العديد من المقومات اللازمة لتوطين تلك التكنولوجيا كهدف يتعين العمل عليه من خلال تخطيط استراتيجي شامل.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر