سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ظاهرة القوة العظمى قديمة قدم التاريخ نفسه. والدولة الأقوى أو الأعظم هي، ببساطـة، تلك التي تملك ما لا يملكه منافسوها من وسائل وأدوات القوة. فالقوة السياسية علاقية ونسبية ولا تظهر إلا في ظل علاقات بين وحداتها. ولا يمكن وصف الدولة بأنها ضعيفة أو قوية، إلا مقارنة بدول أخرى وفي مواقف معينة. وهي ذات طبيعة تراكمية وتحويلية. بمعنى أن امتلاك مقدار منها يؤدي إلى امتلاك مقدار آخر، وأنه يمكن تحويلها من شكل إلى آخر واستبدالها بقيم أخرى.
وفي السنوات الأخيرة، بات الفضاء الخارجي المحيط بكوكب الأرض، هدفًا لكثير من الدول لعسكرتهواستثماره واستغلال ثرواته، إذ تحول هذا المجال الخارجي من هدف لارتياد الإنسان للفضاء إلى ساحة للتنافس واستعراض القوى بين الدول للسيطرة والاتصالات والتجسس وتوجيه الأسلحة نحو الأهداف.
وعلى مدى 50 عامًا في الفضاء، أصبح الإنسان تربطه علاقة وثيقة بالفضاء الخارجي على أسس علمية، وأصبح هناك اتحاد دولي للفلك يوحد المجتمعات الفلكية حول العالم ويتولى مسؤولية تسمية النجوم والكواكب والكويكبات والأجسام والظواهر الفضائية الأخرى.
ومع التقدم العلمي والتكنولوجي، واندثار الموارد والمعادن الطبيعية على سطح الأرض، اتجهت الأنظار إلى درب جديد من أجل البحث عن الثروات. عيون العالم الآن تتجه صوب الفضاء مع انكشاف ثرواته الهائلة التي يضمها بين كويكباته. الدراسات الحديثة أكدت أن استخراج الموارد المعدنية من الأجرام الفضائية، يمكن أن يضخ في اقتصاد العالم عشرات المليارات من الدولارات في المستقبل القريب.
ثروات الفضاء.. ماذا نعرف عنها؟
يبدو أن الثروة التي سيمتلكها البشر في المستقبل ستأتي من مكان أبعد مما يتصوره الجميع، فقد شرعت مؤسسات الفضاء الخاصة والحكومية، بما في ذلك إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا)، في عمليات التعدين في صخور الأجرام السماوية، بحثًا عن معادن ثمينة.
ويُعتقد أن الأجسام السماوية، مثل صخور الفضاء، محملة بأطنان من المعادن الثمينة، بما في ذلك البلاتين الثمين، الذي يبلغ قيمته “كدريليون” دولار، وهو رقم خيالي يتجاوز التريليون ويتكون من 17 صفرًا. وتتكون المعادن الثمينة بجانب البلاتين، من الذهب والحديد والنيكل. وتشير التوقعات إلى أنه يمكن جلب الهيدروجين أو وقود الأوكسجين أو الهيدروجين المشتق من الماء من الفضاء أيضًا. وتقدِّر (ناسا) أن القيمة الإجمالية للموارد الحبيسة في الكويكبات، لو وزعت على سكان الأرض لكان نصيب الفرد الواحد نحو 100 مليار دولار.
إحدى الشركات الخاصة التي تتطلع إلى الاستفادة من المعادن التي تدور حول الأرض، هي شركة “ديب سبيس إندستريز” الأميركية، التي تخطط لتشغيل مركبتها الفضائية بدفعات تعمل بطاقة البخار. وفي مقابلة قال “غرانت بونين”، خبير التكنولوجيا في شركة “ديب سبيس إندستريز”، إن بإمكانه تصور أسراب من طائرات التعدين الصغيرة تحلق لجلب المعادن من الكويكبات القريبة من الأرض. وأوضح “بونين” لصحيفة “غارديان” البريطانية: “أن الأمر أشبه بتحرك نحل العسل، يخرج إلى الأزهار المختلفة ويعود محملاً إلى الخلية”.
ووفقًا للتصور السابق، فإن مسابير التنجيم ستعمل من مستودع مركزي فضائي في مكان ما بين القمر والأرض، يسمح للمركبات الفضائية بالطيران إلى الكويكبات التي تمر بسرعة على كوكبنا. وسيكون المستودع المركزي بمنزلة موقع لتخزين المعادن، بحيث يمكن بعد ذلك بيعها إلى الحكومات أو الشركات الخاصة. ويمكن أن تكون حمولة المسابير الذهب أو البلاتين أو النيكل أو الحديد، أو حتى الهيدروجين، أو وقود الأوكسجين، أو الهيدروجين المشتق من الماء.
أيضًا، إحدى الدراسات تحدثت عن أن استثمار موارد الفضاء، يمكن أن يدر تحديدًا رقم أعمال ما بين 73 مليار يورو و170 مليارًا مع حلول عام 2045، لكن ذلك يتطلب استثمارات ضخمة. الدراسة قامت بها مجموعة “بي دبليو سي” بطلب من وكالة الفضاء في دولة لوكسمبورغ، اعتمادًا على الجداول التي أعلنتها وكالات الفضاء الحكومية والشركات الخاصة عن برامجها حتى عام 2045 والتي تتضمن رحلات مأهولة إلى القمر ورحلات إلى المريخ وإطلاق السياحة الفضائية.
وقدَّر التقرير عدد الوظائف التي يمكن أن تتوفّر من استغلال موارد الفضاء ما بين 845 ألفًا، ومليون و800 ألف مع حلول عام 2045. وقد سنّت لوكسمبورغ في منتصف عام 2017 قوانين تتيح للشركات العمل على استغلال موارد الفضاء. إثر ذلك، انتقلت إليها نحو عشرون شركة مهتمّة بهذا القطاع.
كذلك، فإن الأبحاث والدراسات تتحدث عن أنه في كوكبي “نبتون” و”أورانوس”، عندما تضرب العواصف الرعدية سحب الميثان، تنفلت ذرات الكربون من روابطها الكيميائية، وتطفو بمفردها في الهواء، ثم تبدأ ذرات الكربون في التجمع، في صورة سحب من السخام، وتغرق في مستوى منخفض في الغلاف الجوي، وعندما يرتفع الضغط الجوي، والحرارة تدريجيًا، بعدها تتعاظم القوة، فتنضغط ذرات الكربون في صورة كتل ألماس صلبة، ثم تمطر السماء ألماسًا، جزيئات صغيرة جدًا تسمى “nano-diamonds”، وهذه الجزيئات لها منافع أرضية، فقد استُخدمت في مجال الطب.
الأمطار الألماسية قد تكون أكثر شيء شائع في المجموعة الشمسية، لا يتعلق الأمر بـ”نبتون” و”أورانوس” فقط، إنما لاحقًا رجح العلماء تبعًا لبيانات جديدة أن المشتري وزحل قد تحدث فيهما أيضًا هذه الظاهرة؛ فقطع الألماس – كما يقول العلماء – تطفو على الهيدروجين، والهيليوم السائل في الغلاف الجوي للمشتري وزحل. علاوة على ذلك، فإنه على عمق أقل يستطيع الضغط والحرارة الشديدة تذويب الألماس وتصنيع أمطار من سائل الألماس، وهو يتكوّن بنفس الطريقة من الكربون، من معدن، مثل: الجرافيت أو السخام، المتكون بواسطة عاصفة رعدية عميقة في الغلاف الجوي، عندها تتحطم إلى أحجار جميلة.
بالتأكيد كل ذلك افتراضات نظرية، فهذه الأمطار لم يرها أحد، فنحن لم نتجول في الغلاف الجوي للمشتري ولا “أورانوس” لنرى أكانت السماء تمطر ألماسًا أم لا. لكن يُذكر أن الباحثين قد نجحوا في تخليق ظروف مشابهة لتلك التي في “نبتون” و”أورانوس”، في معامل جامعة ستانفورد بكاليفورنيا، ونتجت عن التجربة مُركبات تشبه كريستالات الألماس. لكن إذا كان ذلك صحيحًا، فتذكر أن الألماس يتكون بسبب الضغط والحرارة الهائلين على سطح تلك الكواكب البعيدة، وهو ما لن تتحمله أي مركبة فضاء بشرية.
لكن كتاب “البحار الغريبة Alien seas” يُفصّل الحكاية، في أن روبوتات التعدين قد تكون قادرة في المستقبل – في رأي الكاتبين في عام 2469 – على التجول داخل كوكب المشتري، لكي تحضر الألماس وترجع به للأرض. بالتأكيد سيكون مثيرًا جدًا أن نرتدي قطعة ألماسية جُلبت من الفضاء. لكن ستظل الألماسات الضخمة – بالطبع – على الكواكب حتى لا تُخرّب سوق الألماس الأرضي.
التعدين المقبل.. في الفضاء
فتحت تصريحات “نيل تايسون”، عالم الفيزياء الفلكية الشهير، التي قال فيها إن أول ترليونير (أول شخص سيمتلك تريليون دولار في العالم) سيصنع ثروته من التنقيب على المعادن في الفضاء، الباب أمام سباق محموم للمضي قدمًا في التعدين الفضائي.
فالأبحاث الفلكية تشير إلى أن نحو 13 ألف كوكب صغير تمر بالقرب من الأرض كل عام، ولا تعدُّ تلك الكويكبات أجسامًا فضائية مثيرة لتساؤلات الفلكيين، إنما يمكن اعتبارها مناجم طائرة توفر ثروات غير مسبوقة للحضارة الإنسانية.
وبينما يجعل التطور التكنولوجي المتسارع فكرة التعدين في الفضاء فكرة منطقية على الأمد الطويل، على الأقل بالنسبة إلى الشركات العاملة في مجال الفضاء، فإن هذا لا ينفي وجود عديد من المصاعب في ظل غياب وضوح قانوني حول ملكية الموارد الفضائية، ما يجعل من عملية التعدين صعبة، وتتضمن بيئة مغامرة محفوفة بالمخاطر ومرتفعة التكلفة وغير مضمونة العواقب.
ومع هذا، فإنه مع اقتراب السياحة الفضائية من أن تصبح حقيقة واقعة للبشر، فإن التعدين الفضائي يبدو أيضًا فكرة مشروعة وقابلة للتحقيق، خاصة في ظل الأرباح الضخمة الممكن تحقيقها من تلك المشروعات. إن إطلاق مكوك الفضاء في الفضاء الخارجي والعودة الناجحة إلى الأرض، يجعل من الممكن مستقبلاً نقل حمولات ثقيلة إلى الفضاء. والحديث هنا عن آلات للتنقيب والحفر، والعودة مرة أخرى، لكن بكميات ضخمة من المعادن، خاصة النادرة منها.
خلال المرحلة الأولى من التنقيب الفضائي، فإن عملية التعدين لن تتم من أجل العودة بالمعادن إلى الأرض، لأن قيمة نظيرتها على الأرض ستكون أرخص، إنما سيتعلق الأمر بالتنقيب لاستخدام المعادن التي سيتم استخراجها لصناعة أدوات في الفضاء تمكننا من استخراج كميات أكبر بكثير من المعادن، ما سيقلل تكلفة الإنتاج بنسبة كبيرة جدًا، بل سيكون بإمكاننا اكتشاف مزيد من أبعاد مجموعتنا الشمسية والكون بتكلفة أقل.
وفي الواقع، فإن عديدًا من الشركات الفضائية الممولة من القطاع الخاص، بدأت تدخل بصورة أولية في مجال التعدين الفضائي، كما أن هيئة المسح الجيولوجي الأميركية تقوم بعملية تقييم دائم للموارد الفضائية من أجل التعدين المستقبلي.
وتشير الدراسات الأولية إلى أن كثيرًا من الكويكبات التي تمر بالقرب من الأرض تحتوي على تركيزات عالية من المعادن الثمينة، مثل: البلاتين والذهب.
وقد أجرت (ناسا) أبحاثًا مكنتها من التعرف على 750 ألف كويكب، لكن جزءًا كبيرًا منها يستبعد أن يكون هدفًا محتملاً للتعدين في الوقت الحالي. ولهذا، تمَّ تضييق نطاق البحث لحصره في حدود 17 ألف كويكب، ويقدِّر علماء الفيزياء الفلكية أن الكويكب الذي يستحق التعدين يحتاج إلى أن تكون قيمته السوقية مليار دولار على الأقل.
عقبات التنقيب الفضائي
تلك الرغبات الباحثة عن الربحية، تصطدم بوجهات نظر لعلماء فضاء يعتقدون أن التنقيب في الفضاء يحمل في طياته “لعنة” قد تعود على البشرية بكثير من المتاعب. ولعل ذلك ما حدا بعلماء الفضاء إلى المطالبة بتحويل الفضاء إلى مجال للبحث العلمي بعيدًا عن القيم التجارية.
ويخشى هؤلاء العلماء من أنه إذا تمَّ اكتشاف كويكب – على سبيل المثال – يحتوي على معدن نادر مثل البلاتين يوازي جميع احتياطي الكرة الأرضية، فإن الشركات ستتنافس على الموارد، وستتحول المنافسة إلى معركة عبر الأقمار الصناعية المسلحة، وهذا قد تنجم عنه صراعات على كوكب الأرض، بل إن عملية التعدين نفسها ربَّما تتحول إلى خطر إذا أسفرت عن تفكيك وتفتيت أجزاء من الكويكب، بما يضر بالأقمار الصناعية والمركبات الفضائية، بل سيكون هناك صدام طبيعي بين النزعة الربحية والمصلحة العامة.
وقبيل قمة لتنسيق الجهود الرامية لإزالة المخلفات في الفضاء، من خطر الكميات المتزايدة من المخلفات التي تتحرك بسرعة كبيرة في مدار الأرض، تجدر الإشارة إلى أنها قد تؤدي إلى كوارث اصطدام بالأقمار الصناعية وتلحق أضرارًا كبيرة. وفي ظلّ الاعتماد المتزايد على الأقمار الصناعية في مجالات الاتصالات والملاحة وتشغيل صناعات رئيسية بينها النقل والمال والطاقة، من شأن الكميات المتزايدة من المخلفات الفضائية أن تشكل خطرًا على الاقتصادات العالمية.
إذ يوجد ما يقرب عن 170 مليون قطعة من “المخلفات الفضائية” التي تُركت عقب مهمات إلى الفضاء، بأحجام متفاوتة من أكبرها كطبقات الصواريخ إلى أصغرها كرقائق الطلاء، في مدار الأرض مع بنى تحتية فضائية تقرب قيمتها من 700 مليار دولار.
كما يتم رصد حركة 22 ألفًا من هذه المخلفات، مع البقايا الصغيرة القادرة على التنقل بسرعة تفوق 27 ألف كيلومتر في الساعة، ومن شأن القطع الصغيرة إلحاق ضرر كبير بالأقمار الصناعية أو تدميرها.
المركز الأسترالي للبحوث البيئية الفضائية، الذي يستضيف مؤتمرًا دوليًا عن البيئة الفضائية، حذَّر من أن مشكلة المخلفات الفضائية تتفاقم سنويًا. وأننا نفقد أقمارًا صناعية تتراوح ما بين 3 و4 سنويًا بسبب حالات الاصطدام بالمخلفات الفضائية. وبحسب تقديرات وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، نحن على وشك فقدان كل شيء بحلول السنوات الـ5 إلى الـ10 المقبلة.
كما أن القيود الحالية على قدرات استكشاف الفضاء والسفر، تعني أن التنقيب في الفضاء سيتطور مستقبلاً كعلاقة بين القطاع الخاص والحكومة، ومن الممكن جدًا أن يتم خصخصة الأنشطة الفضائية بمجرد نضج الصناعة. يمكننا القول إن الفضاء الذي كانت تعتبره المؤسسات الاستثمارية خطرًا استثماريًا لأنه مكلف جدًا، بات منطقة أكثر طبيعية للاستثمار، لكن التعدين الفضائي على الأقل في مراحله الأولى مكلف بما لا يمكن أن تتحمله الشركات الدولية بمفردها، ويتطلب أن تكون الحكومات شريكًا رئيسيًا. ويمكن أن تكون الحكومات بحكم ما تمتلكه من قدرات اقتصادية وتكنولوجية متقدمة، شريكًا يمهد الأرضية للشركات الخاصة للولوج في عالم التعدين الفضائي.
الأطر القانونية للتنقيب
بطبيعة الحال، تعدُّ وجهة النظر السابقة حول تحويل الفضاء لمجال للبحث العلمي فقط، ذات طبيعة مثالية، وربَّما غير واقعية بالنسبة إلى الشركات الدولية العاملة في مجال الفضاء، أو المؤسسات الحكومية العاملة في ذات المجال. لكن وجهة النظر هذه، تشير إلى مشكلة حقيقية في مجال التنقيب الفضائي، تتمثل في غياب أطر قانونية تنظم العمل في مجال التعدين الفضائي.
وأثارت خطوة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتكوين جيش فضائي، حفيظة عدد من البلدان التي تمتلك شركات فضاء راغبة في الاستثمار في مجال التعدين الفضائي. فالجيش الفضائي الأميركي يمكن أن يستخدم في الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة، والشركات الخاصة الأميركية العاملة الساعية إلى التعدين الفضائي، إذا ما اصطدمت بمنافسين آخرين، خاصة في ظل غياب اتفاقية دولية تنظم العمل الدولي في هذا المجال.
ما من شك في أن استخراج المعادن من الكويكبات ستنجم عنه مشكلات قانونية على صُعُد مختلفة، سواء الشركات بين بعضها البعض، أو الشركات والدولة التي تنتمي إليها، أو بين الشركات والدول المنافسة. ونلاحظ أن الولايات المتحدة ولوكسمبورغ حققتا سبقًا قانونيًا على باقي دول العالم في هذا المجال.
القانون يعترف بأن القمر والكويكبات لا يمكن أن تخضع للملكية الخاصة مثلها مثل المحيطات على سبيل المثال، إنما ما تحتويه يمكن أن يخضع للملكية الخاصة، أي ما فيها من معادن وثروات تمامًا كالأسماك والكنوز الغارقة في قاع المحيطات، وهذا يتيح للشركات الخاصة أن تستثمر في الفضاء، وأن تحصل على ما تريد من معادن دون أن تمتلك الحق في ملكية الكويكبات.
ويلاحظ في مجال التعدين الفضائي أن التكنولوجيا تسبق التشريعات القانونية، فلا توجد سلطة قانونية متخصصة تشرف على تنفيذ التشريعات الصادرة من الحكومات بشأن تنظيم عملية التعدين الفضائي. ويعتقد البعض أن قبول دول العالم بأن تسلك في مجال التعدين الفضائي ذات المسار الذي تبنته لتوقيع اتفاقية المناخ في باريس، قد يكون خطوة أولية جيدة على طريق توحيد التشريع الدولي بشأن التنقيب الفضائي.
بيْدَ أن غياب تلك التشريعات، سواء في جانبها التفصيلي الدقيق أو في مفاهيمها الكلية الشاملة، يعتبرها عدد من رجال الأعمال الراغبين في الاستثمار في الفضاء مستقبلاً، فرصة جيدة لوضع أرضية صحية لتحديد الأطر الاستثمارية في هذا المجال.
صراع القوى العظمى
يعدُّ الفضاء أحد المجالات القليلة التي لا تزال تشهد تعاونًا ظاهريًا بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا خلال العقود الأخيرة، خاصة أن العديد من المشروعات المتعلقة بغزو الفضاء لا تزال تجمع واشنطن وموسكو بشكل رئيسي.
التعاون الظاهري بينهما لم يمنع قطُّ اشتعال الصراع المعتاد بين القوتين العالميتين في الفضاء، بما في ذلك المشروعات المشتركة بين الدولتين، التي من شأنها أن تمثل القيادة الفعلية للعالم بمجالات الفضاء.
ذلك أنه لا يمكن إنكار رغبة العديد من الدول أيضًا في خوض غمار هذه التجربة، ولا سيما الصين والهند، اللتين تديران برنامجًا فضائيًا نوعيًا بما يمتلكانه من قدرات مالية وعلمية تستطيعان من خلالهما المنافسة، بل حتى إثبات جدارتهما في هذا القطاع.
في يوليو 2018، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قرارًا إلى وزارة الدفاع بتشكيل ما سماه “قوة فضائية”، كي تصبح الذراع السادسة في الجيش الأميركي، مؤكدًا أن تلك القوة ستضمن “الهيمنة الأميركية” على الفضاء، وأن بلاده لديها قوة جوية، وستكون لديها قوة فضائية، مضيفًا أن القوتين ستكونان منفصلتين ولكن متساويتين.
وفي أبريل 2018، كانت شركة “لوكهيد مارتن” قد أطلقت بالتعاون مع شركة “بوينج” للفضاء، صاروخًا من طراز “أطلس – 5” إلى الفضاء حاملاً معدات عسكرية من ضمنها أقمار صناعية متعددة الاستخدامات تدعم قطاع الاتصالات العسكرية، وهو ما اعتبره مراقبون دخولاً عمليًا للولايات المتحدة إلى ساحة حرب الفضاء التي كانت المنافسة فيها حتى وقت قريب بين كلٍّ من روسيا والصين.
ولعل اهتمام الولايات المتحدة بحرب الفضاء ظهر بقوة في عام 2014، مع إطلاق الجانب الروسي قمرًا صناعيًا تمَّ وصفه بـ”الغامض”، إذ كان يتحرك القمر الذي يحمل اسم “Object 2014-28E” بشكل غير طبيعي في مداره، مما أثار مخاوف المختصين في علوم الفضاء وقتها من سعي موسكو لتجربة سلاح مستقبلي في الفضاء بهدف السيطرة على الأقمار الصناعية الأخرى غير الروسية أو تدميرها، خاصة أنه جرى نقل الصاروخ للفضاء في عملية إطلاق سرية لم تعلن روسيا عن أهدافها الحقيقية بشكل رسمي، حتى يومنا هذا.
في إشارة إلى موضوع مهم، تعتبر روسيا أكثر الدول التي تطلق أقمارًا صناعية، سواء لحسابها أو لصالح دول أخرى، وأن صواريخ الفضاء الروسية تنقل وحدها أكثر من 60% من الأقمار الصناعية.
القمر والمريخ.. حلبة صراع جديدة
منذ مَهمة “أبولو 11” في يوليو 1969، لم يمس أحد سطح القمر إلى حد بعيد، ولم يذهب إنسان إلى هناك منذ عام 1972؛ لكن هذا الأمر قد يتغير قريبًا مع إعلان عدد من الشركات اهتمامها باستكشاف سطح القمر وإمكانية التعدين فيه عن الموارد الطبيعية، مثل: الذهب، والبلاتينيوم، والمعادن النادرة المستخدمة على نطاق واسع في الإلكترونيات.
تشير الدراسات إلى أنه من المتوقع أن يرتكز تهافت العالم في القرن المقبل على استغلال الثروات القمرية؛ لأن القمر غني بمواد غير موجودة على الأرض ومنها “الهيليوم – 3″، وهـذا يعني أن العودة إلى القمر متوقعة في القرن المقبل، وقد تكون عودة استقرار دائم يترافق معها بناء محطات على نمط المحطات النفطية؛ إذ إنه من أعماق تربة القمر يمكن استخراج الألومنيوم والتيتان والحديد، وهذه مواد ضرورية لإقامة أية منشآت، كما يمكن العثور على سطح القمر على “السيلسوم”، الذي يدخل في صناعة الخلايا الشمسية.
في عام 1979، أصدرت الأمم المتحدة اتفاقية تنظيم أنشطة الدول على القمر والأجرام السماوية الأخرى، والمعروفة باسم “اتفاقية القمر”. وتنص على أنَّ عمليات التنقيب على سطح القمر والأجرام السماوية الأخرى، يجب أن تكون لأغراض سلمية، وبأنه يجب إبلاغ الأمم المتحدة نفسها بمكان وسبب تخطيط أي طرف لبناء محطة. وتنص الاتفاقية أيضًا على أنَّه “يعتبر القمر وموارده الطبيعية تراثًا مشتركًا للبشرية”، وأنَّه يجب إنشاء نظام دولي “لتنظيم استكشاف مثل هذه الموارد عندما توشك هذه الاستكشافات على أن تكون مجديةً”.
لكن المشكلة التي تكمن في “اتفاقية القمر”، تتمثل في أنَّ 11 دولة فقط هي من وقَّعت عليها، من بينها فرنسا والهند، أمَّا أكبر اللاعبين في الفضاء، ومنهم الصين والولايات المتحدة وروسيا، فلم يوقِّعوا عليها. وكذلك لم تفعل المملكة المتحدة.
كذلك الأمر بالنسبة إلى المريخ، حيث يهتم العلماء بمسألة القدرة على الحياة على هذا الكوكب، وهذا لا يمنع أيضًا من استكشاف ثرواته والتسابق إليها، كما يتم على كوكب الأرض حاليًا. فمن يطلع على المشروع الذي كشفت عنه وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) للذهاب إلى المريخ، يهتدي إلى أن البحث عن الموارد الطبيعية لاستغلالها من قبل الإنسان هو الخيط الدقيق الرابط بين مراحل المشروع الثلاث.
فالمرحلة الأولى من المشروع تهدف إلى تطوير تكنولوجيات متطورة جدًا قادرة في مرحلة أولى على استخدام أشعة الشمس انطلاقًا من الفضاء، بدءًا بالمحطة الفضائية العالمية التي تدور حول الأرض، ثم من خلال الأقمار الصناعية التي ترسل إلى مدار ثابت حول الأرض لمساعدة الإنسان على البقاء لفترات طويلة في الفضاء والتمكن من استخدام أشعة الشمس ليس بهدف إنتاج الطاقة، بل لأغراض أخرى منها التطبب ومحاولة إنتاج جزء من الغذاء بالنسبة إلى أطقم الرحلات الجوية الطويلة قبل نزول الإنسان على سطح المريخ.
أمَّا المرحلة الثانية في مشروع وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) لاحتلال الكوكب الأحمر، فتتمثل في تسيير رحلات باتجاه القمر تسمح باستغلال ثرواته الطبيعية التي من شأنها مساعدة الإنسان لاحقًا على الذهاب إلى المريخ دون حاجة إلى التزود بهذه الثروات من الأرض.
وتستعد عدة شركات أميركية خاصة مهتمة منذ عشرات السنين بثروات قمر الأرض إلى المشاركة بخبرتها وإمكاناتها لإنجاز هذه المرحلة.
وأمَّا المرحلة الثالثة من المشروع، فهي ستمكن الإنسان من استخدام المريخ كمستعمرة للأرض، أو ربَّما ككوكب جديد يسمح للإنسان بعد عشرات السنين، وربَّما بعد قرون، بغزو كواكب أخرى. وستبدأ هذه المرحلة بإرسال روبوتات إلى سطح المريخ تتولى استغلال ثرواته لتسهيل إقامة الحياة فيه بالنسبة إلى الإنسان من خلال إنتاج الطاقة والغذاء الكافيين والإعداد لوصول طلائع المستوطنين البشر الأوائل إلى الكوكب الأحمر.
وإذا كان المتحمسون لهذا المشروع كثيري العدد، فإن عدد المعترضين عليه ما انفك يزداد؛ لأنهم يرون أن الإنسان سيعيث فسادًا في ثروات المريخ مثلما فعل ويفعل اليوم تجاه ثروات كوكب الأرض. إن الأعوام المقبلة ستشهد حتمًا كثافة مركبات فضائية نحو الكواكب من أجل الاستكشافات العلمية التي يمكن أن تكون عامل قوة، وصراع أيضًا، للدول الكبرى.
ثروات الفضاء.. طموحات وتحديات
– الأجسام السماوية مثل صخور الفضاء محملة بأطنان من المعادن الثمينة مثل البلاتين الثمين الذي يبلغ قيمته كدريليون دولار.
– تتكون المعادن الثمينة بجانب البلاتين، من الذهب والحديد والنيكل.
– نصيب الفرد الواحد من القيمة الإجمالية للموارد الحبيسة في الكويكبات نحو 100 مليار دولار.
– استثمار موارد الفضاء يمكن أن يدر ما بين 73 مليار يورو و170 مليارًا بحلول عام 2045.
– عدد الوظائف من استغلال موارد الفضاء تصل إلى مليون و800 ألف مع حلول عام 2045.
– تمطر السماء ألماسًا في كواكب “نبتون” و”أورانوس” والمشتري وزحل.
– 13 ألف كوكب صغير تمر بالقرب من الأرض كل عام، وهي مناجم طائرة توفر ثروات غير مسبوقة.
– الكويكب الذي يستحق التعدين يحتاج إلى أن تكون قيمته السوقية مليار دولار على الأقل.
– التنقيب في الفضاء يحمل في طياته “لعنة” قد تعود على البشرية بكثير من المتاعب.
– الشركات ستتنافس على الموارد، وستتحول المنافسة إلى معركة عبر الأقمار الصناعية المسلحة.
– عملية التعدين نفسها ربَّما تتحول إلى خطر إذا أسفرت عن تفكيك وتفتيت أجزاء من الكويكب.
– يوجد ما يقرب عن 170 مليون قطعة من “المخلفات الفضائية” التي تُركت عقب مهمات إلى الفضاء.
– تمَّ رصد حركة 22 ألفًا من هذه المخلفات، مع البقايا الصغيرة القادرة على التنقل بسرعة تفوق 27 ألف كيلومتر في الساعة.
– نفقد ما بين 3 أقمار صناعية إلى 4 سنويًا بسبب حالات الاصطدام بالمخلفات الفضائية.
– نحن على وشك فقدان كل شيء بحلول السنوات الـ5 إلى الـ10 المقبل.
– يواجه العالم مشكلة غياب أطر قانونية تنظم العمل في مجال التعدين الفضائي.
– أكبر اللاعبين في الفضاء لم يوقِّعوا على “اتفاقية القمر” الخاصة بالتنقيب على سطح الأجرام السماوية.
وحدة الدراسات الاقتصادية*
المراجع
Diamond Rain May Fill Skies of Jupiter and Saturn – SPACE – http://bit.ly/2Oj49iX
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر