سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أخيرًا.. بعد إعلان مقتله مرات عدة من قبل، تأكد مقتل أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم “داعش” الإرهابي، في غارة أميركية أنهت مسار زعيم دموي نصب نفسه في 2015 من العراق “خليفة للدولة الإسلامية”، وذلك بعد عملية استخباراتية يُفترض أن دولاً أخرى شاركت فيها.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما مصير مقتل البغدادي على التنظيمات الإرهابية، وعلى الأخص تنظيمي “داعش” والقاعدة؟ وهل سيفتك الحادث بعضد تنظيم “داعش” الذي كان البغدادي خليفة له، أم سيكون شرارة لموجات انتقامية؟
مصير “داعش”
لا شك في أن مقتل البغدادي ضربة كبيرة لمعنويات فلول تنظيم “داعش” الإرهابي، وربَّما تؤدي إلى تفكيك هيكله التنظيمي، ويضعف جبهته الداخلية إلى حدٍ بعيدٍ، وقد يثير اقتتالاً داخليًا حول من سيتولى قيادة التنظيم، وهو ما ينذر بخطورة توجهات مقاتلي التنظيم لاحقًا، واحتمال نزوع متشدديه إلى مزيد من الاستقلالية، وشن هجمات انتقامية جديدة في المستقبل.
المؤكد أن سيطرة تنظيم “داعش” على فروعه في جميع أنحاء العالم، ستضعف في المستقبل بعد رحيل البغدادي، فالفروع ستكون أكثر استقلالية ومحلية في اتخاذ قراراتها. هذا التفكك يلازمه خطر عودة المتشددين إلى بلدانهم الأصلية واحتمال تنفيذ عمليات انتقامية، أو تكوين جماعات إرهابية أصغر.
إن انهيار تنظيم “داعش” الإرهابي بشكل كامل أمر مستبعد، لكن هناك سيناريوهات تنتظر التنظيم خلال المرحلة الراهنة، التي ستتوقف عليها قوة القيادة التي ستتولى زمام الأمور بعد مقتل “البغدادي”. من هذه السيناريوهات وجود قيادة قوية مؤثرة في حال تولي أبو عمر عبدالله قرداش نائب “البغدادي” مسؤولية التنظيم، وهو قائد عسكري وكان مرجعًا شرعيًا لتنظيم القاعدة، ثم تولى زمام الأمور نائبًا للبغدادي في المرحلة الأخيرة قبل مقتله.
سيناريو آخر ينتظر “داعش” بعد البغدادي، وهو تحول التنظيم داخل سوريا والتنظيم الأم إلى مجموعة من الخلايا، وفقًا لاستراتيجية الذئاب المنفردة أو خلايا التماسيح، التي تقوم بتنفيذ بعض العمليات ضد المصالح العربية والغربية من حين لآخر.
السيناريو الثالث – كما ذكرنا – هو انفصال الولايات والفروع ويكوِّن كلٌّ منها تنظيمًا جديدًا وفقًا لأدبيات وآليات أخرى ربَّما تكون أكثر تجددًا في المرحلة المقبلة، في حين يتهاوى التنظيم الأم داخل سوريا والعراق. ويبقى السيناريو الأخير هو الأضعف، بتفكك التنظيم بالكامل وتحوله لمجموعة من الخلايا المتناهية.
لكن التحدي الأكثر إلحاحًا لـ”داعش” الآن هو مواجهة الفشل الاستخباراتي الذي قاد إلى تصفية زعيمهم. وقد يؤدي هذا إلى حملات تخوين واتهامات مضادة تؤدي بالتنظيم إلى مزيد من الانشقاق والتآكل. إذ لم يكن هناك معلومة أكثر إحاطة بالسرية من مكان إقامة قائدهم الأعلى.
ويُعتقد أن كبار قادة “داعش”، بعد أن بدأت “خلافة التنظيم” في الانهيار، قد تفرقوا في مختلف أنحاء المناطق السورية والعراقية لتجنب استهدافهم، غير أنهم الآن لن يمكنهم المكوث في موقع واحد.
هناك مشكلة خطيرة أخرى سيعانيها التنظيم، وهي حقيقة أن الولايات المتحدة، وفقًا لما قاله “ترمب”، استولت على مواد ومعلومات حساسة جدًا خلال عملية الهجوم التي قتل فيها البغدادي، والتي ستوفر الكثير عن تنظيم “داعش”، وأصوله، وخططه المستقبلية، وهي أشياء كان يُسعى للوصول إليها بشدة. علاوة على أن الأفراد الذين أُسروا خلال الهجوم أيضًا قد يساعد استجوابهم في كشف مزيد من المعلومات حول التنظيم، وحل خيوطه.
من يخلف البغدادي؟
إذًا، من المرجح أن يؤدي مقتل البغدادي إلى تفكك التنظيم، ما يعني أن مهمة من سيتولى الزعامة من بعده، توحيد صفوفه مرة أخرى كقوة مقاتلة. إن مدى تأثير فقدان الزعيم في حد ذاته على قدرات التنظيم سؤال مفتوح. وحتى إذا واجه التنظيم صعوبات في المرحلة الانتقالية فلا تزال الأفكار الأساسية والكراهية الطائفية التي روج لها تجد صدى لدى كثيرين.
وبعد أن كان مقاتلو التنظيم يتنقلون بعربات مدرعة ويلوحون ببنادقهم ويرفعون رايات التنظيم السوداء ويرتكبون أفعالاً وحشية تقشعر لها الأبدان، أصبحوا الآن سجناء أو مجموعة متفرقة من المتطرفين طاردت القوات الأميركية الخاصة زعيمهم في نفق خلال الغارة التي انتهت بمقتله.
إن فاعلية التنظيم تنبع من ولاء أعضائه للفكر المتطرف، وهذا قد لا يتأثر كثيرًا بمقتل زعيمه. ومن المتوقع أن يجتمع مجلس شورى التنظيم المكون من تسعة أعضاء لتعيين زعيم جديد من بين خمسة مرشحين.
ومن أبرز المرشحين أبو عبدالله الجزراوي السعودي الجنسية، وعبدالله قرداش العراقي الجنسية، وهو من أقرب مساعدي البغدادي وكان أيضًا ضابطًا في جيش صدام حسين. ويتردد أيضًا اسم أبو عثمان التونسي.
الزعيم الجديد سيبدأ بالعمل على إعادة الصفوف لقوى التنظيم بالاعتماد على متطوعين جدد، وكذلك على المقاتلين الذين هربوا من سجون سوريا. ومن المتوقع أن يقوم بإعطاء الأوامر لشن سلسلة هجمات ثأرية لمقتل البغدادي.
ومن الممكن أن يتسبب من يتولى زعامة التنظيم المنكوب بنزاعات داخلية، في تفككه خلال أشهر لمجرد أنه غير مقبول على أساس الجنسية لبعض الفصائل. بالتأكيد سيقاتل بعضهم حول الموارد. العراقيون كفتهم أرجح لامتلاكهم موارد مالية أكبر.
يجب أن لا نغفل احتمال أن يسفر قتل البغدادي عن تفكك هيكل التنظيم القيادي بسبب خلافات بين كبار القيادات وغياب الثقة بين أعضائه الذين اضطروا إلى اللجوء إلى العمل السري عند انهيار دولة الخلافة. صحيح أن مقتل البغدادي لن يؤدي إلى تلاشي “داعش”، لأنه في نهاية الأمر سيقوم باختيار بديل له لقيادة التنظيم، لكن في نفس الوقت أيًا كان من سيخلف البغدادي، فلن يكون في وضع يسمح له بإبقاء التنظيم موحدًا.
انتعاشة لتنظيم القاعدة
عانى تنظيم “داعش” خلال السنوات الأخيرة من الضربات المتلاحقة التي أدت إلى انهيار دولته المزعومة وتشتيت عناصرها، وتدمير عاصمتها الأولى “الرقّة” في سوريا، والثانية “الموصل” في العراق، وفرار معظم مقاتليها وأسر حوالي 13 ألفًا منهم.
ويمكن القول إن “البهرج الخداع” الذي صاحب صعود “داعش” في 2014، وأغرى شباب التنظيمات الأخرى بالانضواء تحت راية الخليفة المعزوم، يمكن القول إنه قد انقشع وفي طريقه إلى الأفول، وربَّما يكون مسار المقاتلين الذين انضموا لـ”داعش” تأثرًا بالحالة التي صاحبته في 2014، هو التوجه إلى تنظيمات أخرى.. وبالطبع يظل القاعدة على رأس هذه التنظيمات.
ومن المتوقع خلال الفترة المقبلة أن نشهد عودة تنظيم “القاعدة” لتصدر المشهد الإرهابي، كوريث لبقايا “داعش”، بعد مقتل البغدادي، وستتراجع كثير من التنظيمات الإرهابية المحلية عن مبايعتها لـ”داعش”، وتعود لراية “القاعدة” مرة أخرى، مع توقعات بأن قيادات التنظيم التي جاءت من تنظيم “القاعدة”، ستعود مجددًا له، وهو الأمر الذي يعني استعادة “القاعدة” نفوذها وقوتها، واستعادتها قيادة التنظيمات الإرهابية، مع خفوت تنظيم “داعش”.
قد يطمح تنظيم القاعدة إلى فرصة لإعادة توحيد الحركة الجهادية العالمية. إذ تمثّل جزء كبير من حدة التوترات بين القاعدة و”داعش” في حرب كلامية شرسة اندلعت بين البغدادي وزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. أما الآن، ومع إزاحة البغدادي، فقد تتحرك القاعدة لمعالجة الانقسامات بين المجموعتين.
السؤال الآن هو: كيف ستستغل القاعدة الأمر في سبيل مصلحتها؟ وما الطرق التي ستتبعها لمحاولة جذب مقاتلي “داعش” للانضمام إليها؟
ظهور تنظيم جديد
إن التاريخ القريب للحركات والتنظيمات الإرهابية، يثبت لنا أنها بعد كل انتكاسة مماثلة لمقتل البغدادي، وما يصاحبها من إحباط وهزيمة نفسية، تحاول التعامل معها عبر إعلان تنظيم جديد مع تصويره على أنه خلاصة تجارب التنظيمات الأخرى، ولا يعني هذا بالضرورة اندثار التنظيمات القديمة.
بعد سنوات من اغتيال أبو مصعب الزرقاوي وأسامة بن لادن، ومع توقعات بقرب نجاح الحرب على الإرهاب، فُوجئ العالم بواقع مغاير تمامًا. ما حدث هو العكس: بعد سنوات من ذلك، وغير بعيد عن الرقعة التي كان ينشط فيها الزرقاوي، وُلد أكثر تنظيمات الشرق الأوسط دموية في العصر الحديث. تنظيم “داعش” الذي تزايد نفوذه بشكل سريع واستولى على أراضٍ كثيرة ونشر فيها القتل والاغتصاب والتشريد ليتحول إلى تنظيم أكبر اختار له اسم “الدولة الإسلامية”.
وهكذا بدا الإرهاب الذي يُعلن في كل مرة عن إلحاق ضربة قوية به، أقوى من ذي قبل. انبثق من جماعة الزرقاوي نفسها وتجسد في تنظيم منظم ومسلح جيدًا، متمكن من أساليب التكنولوجيا والتواصل والحملات الدعائية لينجح في بث الرعب كما لم تفعل جماعة أخرى قبله. فهل تكرر التنظيمات الإرهابية تاريخها، وتخرج علينا بعد سنوات بتنظيم يفوق في عنفه وإرهابه تنظيم “داعش”؟ ربَّما.
موجة إرهاب متوقعة
رغم ما يمثله مقتل البغدادي من أهمية، فإن هذا لا يعني أن التنظيم سيواجه “فشلاً استراتيجيًا” كما حدث مع تنظيم القاعدة، “فالقاعدة لم تختفِ بعد مقتل زعيمها أسامة بن لادن”.
إن إرث البغدادي في العراق بعيد عن الاستئصال. ما زال إرهابيو “داعش” ينتظرون لشن هجمات. وفي سوريا، يتم احتجاز الآلاف من الإرهابيين في معسكرات مختلفة وكيفية التعامل معهم لا تزال مهمة معلقة. وفي اليمن وأفغانستان ومصر، ما زالت فروع تنظيم “داعش” نشطة. وفي أوروبا، تشعر العديد من الحكومات بالقلق إزاء عودة الإرهابيين لتهديد أمنها.
إن الزعيم الجديد سيحاول إعادة هيكلة التنظيم بتشجيع أتباعه على شن عمليات ليس في العراق فحسب، بل في دول أخرى لرفع الروح المعنوية بين أتباعه الحاليين والجدد.
وقد جذب التنظيم أنصارًا في إفريقيا وآسيا وأوروبا. وتبيَّن حوادث استخدم فيها مهاجمون مثلما حدث في لندن أسلحة يسهل الحصول عليها كالسيارات أو السكاكين، أن غياب الدعم التنظيمي لا يمثل عقبة.
ببساطة، فإن مقتل البغدادي يصاحبه احتمال قوي بظهور موجة من العنف والإرهاب، رغم ما قد ينتج عن هلاك الزعيم وتأثر التنظيم؛ لأن المشكلة الرئيسية لا تزال انتشار أيديولوجية “داعش”. مثلاً، هجمات “الذئاب المنفردة” الذين اعتنقوا الأفكار المتطرفة بأنفسهم من خلال الإنترنت. وما زلنا نشهد انتشار تعاليم “داعش” على الإنترنت. ويعاد نشر منشورات “داعش” ومجلاتها منذ سنوات ويعاد تداولها.
يقدّر الجيش الأميركي أن ما يصل إلى 18 ألفًا من عناصر “داعش” ما زالوا مطلقي السراح في سوريا. ووفقًا للأمم المتحدة، فمن المحتمل أن يكون هناك قرابة 30 ألفًا من المقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين انضموا إلى التنظيم ما زالوا على قيد الحياة. الخوف الآن هو أن يجتمع عدد كبير منهم ليصبحوا طبقة الضباط المسؤولة عن تشكيل شبكات وخلايا إرهابية جديدة في المستقبل.
نتائج متوقعة لقتل البغدادي
– سيواجه تنظيم “داعش” أزمة مصيرية تتمثل في استمرار السيطرة على فروع التنظيم في أنحاء العالم.
– الجبهة الداخلية للتنظيم ستضعف، وقد نشهد اقتتالاً على خلافة البغدادي.
– الزعيم الجديد لن يستطيع الإبقاء على وحدة التنظيم.
– سيلجأ التنظيم إلى موجة من الهجمات الانتقامية في محاولة للحفاظ على روح مقاتليه المعنوية.
– بعد انطفاء “بهرج” داعش، تنظيم القاعدة سيحاول استقطاب المقاتلين المحبطين من مقتل البغدادي.
– تنظيم القاعدة سيجدد من خطابه بزعم توحيد الحركة الجهادية العالمية.
– فروع “داعش” سيكون لها استقلالية أكثر، ما ينذر بظهور تنظيم جديد من أطلال “داعش” أكثر خطورة.
– تظل هجمات الذئاب المنفردة خطرًا يهدد العالم بموجات إرهابية متوقعة.
وحدة الرصد والمتابعة*
المراجع
– تسلسل زمني – تفاصيل الهجوم: كيف قتلت الولايات المتحدة البغدادي؟ – رويترز –
– مقتل أبو بكر البغدادي: هل ينتهى تنظيم داعش بمقتل زعيمه، أم أنه فكرة “لا تموت”؟ – BBCعربي – https://bbc.in/36e35nq
– Analysis: Death of Baghdadi leaves ISIS with no obvious successor – CNN- https://cnn.it/2qQsWS5
– مصير “داعش” بعد مقتل البغدادي والانسحاب الأميركي من سوريا؟ – دويتش فيله –
– مقتل الزعيم قد لا يكفي للقضاء على الدولة الإسلامية – رويترز –
– مقتل البغدادي يؤثر على العمليات الإرهابية لكن لن يقضي على تنظيم “داعش” المتطرف – وكالة شينخوا –
– Eyal Tsir Cohen, “Pushing the Jihadist Genie Back into The Bottle: How to Counter the Ongoing Terrorist Threat”, Brookings Institution, May 2019.
– تأثير مقتل البغدادي على مستقبل مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط – شبكة الصين – https://on.china.cn/2PuyAUc
– دلالات توقيت مقتل أبو بكر البغدادي – مركز المستقبل –
– ما مصير داعش بعد البغدادي؟.. خبراء يجيبون على سؤال الساعة – سكاي نيوز عربية –
– داعش بعد البغدادي.. 4 سيناريوهات محتملة – العربية. نت – https://ara.tv/jqyc2
– حقائق – تنظيم الدولة الإسلامية ما زال يمثل خطرًا رغم مقتل البغدادي – رويترز –
– Letter dated 15 July 2019 from the Chair of the Security Council Committee pursuant to resolutions 1267 (1999), 1989 (2011) and 2253 (2015) concerning Islamic State in Iraq and the Levant (Da’esh), Al Qaida and associated individuals, groups, undertakings and entities addressed to the President of the Security Council.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر