سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
دانييل أكينميد إميجولو
تتعمق علاقة النرويج بدول القارة الإفريقية بشكلٍ ملحوظٍ؛ فالتبادل التجاري النرويجي مع دول القارة تبدو آخذة في الارتفاع، إذ شهدت زيادة بقدر 50% عام 2018 فقط. فقد أنشأت النرويج، أخيرًا، بعثة دائمة إلى الاتحاد الأوروبي، وشاركت رئيسة الوزراء النرويجي “سولدبرج” في قمة الاتحاد الإفريقي الثانية والثلاثين التي عقدت في إثيوبيا شهر فبراير من العام الجاري، إذ كانت هي الزيارة الثالثة التي تقوم بها “سولدبرج” إلى دولة إفريقيا خلال أشهر وذلك بعد رحلتين سابقتين شملت كلاً من إفريقيا وأنغولا.
ففي إطار الاتحاد الإفريقي، تجري محاولات من جانب قادة الأعمال والسياسات في إفريقيا لتعميق علاقاتهم مع النرويج على وجه الخصوص. وكانت “سولدبرج” والرئيس الغاني “نانا أكوفو”، تشاركا في رئاسة مجموعة الدفاع عن الشخصيات البارزة من أجل أهداف التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، إذ قالت إنه “من خلال توحيد الجهود لتحقيق أهدافنا، يمكننا تحويل الأمل إلى حقيقة دون التخلي عن أي شخص”.
وفي هذا السياق، توقعت المناقشات التي دارت في قمة الأعمال الأوروبية – الإفريقية لعام 2019، فرصًا في عدد من القطاعات المشتركة بين الطرفين، إذ يمكن للطرفين توحيد رؤاهما المشتركة في ميادين الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الزراعية والتمويل البحري والتنمية. وخلال القمة، سلطت “إن ماري إركسين” Ine Marie Eriksen Söreide، وزيرة الشؤون الخارجية في النرويج، الضوء على المجالات التي يمكن أن يزدهر فيها التعاون بين الطرفين معًا، والعمل على تسريع عملية انتقال الاقتصاد الأخضر في إفريقيا. إذ دعت الوزيرة البلدان الإفريقية إلى تطوير اقتصادات زرقاء، وإلغاء الإعانات المُهدَرَة، وتقليل الحواجز التجارية، مع الترحيب باتفاقية “التجارة الحرة القارية الإفريقية”.
واستنادًا إلى المَيزات النسبية المتاحة وإمكانية تحقيق مكاسب متبادلة، يمكن الإشارة إلى أن هناك قطاعات واعدة يمكن أن تزدهر فيها استثمارات الشمال والأسواق الإفريقية معًا.
الاقتصاد الأزرق: محطة قوية للنهضة الجديدة في بلدان الشمال الأوروبي وإفريقيا
توظف صناعة صيد الأسماك في إفريقيا حوالي 12.3 مليون شخص، مما يوفر مثالاً رئيسيًا على الاقتصاد الأزرق، وهو النشاط الاقتصادي الأساسي في الأنهار والبحيرات وما حولها، حيث يوجد عدد لا يحصى من المسطحات المائية. إذ تقع القارة بين محيطين، كما أن القارة الإفريقية بها 38 دولة من أصل 54 تعدُّ دولاً ساحلية، وأن 90% بالمئة من التجارة الإفريقية تتم عن طريق البحر. وفي الواقع، فإن الاتحاد الإفريقي ينظر إلى الاقتصاد الأزرق باعتباره “آفاقًا جديدة للنهضة الإفريقية”. فالاقتصاد الأزرق مهم بحكم كونه أكثر من مجرد أعمال تجارية، إذ يمكن للصيد المستدام أن يواجه أيضًا تهديدات الأمن الغذائي التي يتعرض لها نحو220 مليون إفريقي يعانون سوء التغذية.
وبالنظر إلى مركزية المحيطات بالنسبة لاقتصادات بلدان الشمال الأوروبي، فقد جاء الاقتصاد الأزرق كمجال غير مستكشف، إذ يمكن للشركات النرويجية والشمالية المساهمة في الأسواق الإفريقية. فمن المقدر أن يزيد اقتصاد المحيطات على ضعف مساهمتها في الاقتصاد العالمي وذلك بحلول عام 2030. فبفضل خبرتها وكفاءتها، فإن الشركات النرويجية أصبحت في وضع جيد لتقديم مساهمات مهمة في تنمية الاقتصاد الأزرق في البلدان الإفريقية، كما تقول “إيني ماري. إريكسن سورايد”، وزيرة الخارجية النرويجي، إنه لتحقيق ذلك، فمن المتعين أن تتم إدارة المحيطات بحكمة، وضمان صحتها بشكل جيد. وللوصول إلى حالة أفضل بالنسبة للمحيطات، يجب أن يكون لدينا محيطات نظيفة.
وبالنسبة لعام 2023، يسرد الاتحاد الإفريقي أنشطته ذات الأولوية للاقتصاد الأزرق مثل صيد الأسماك والنقل البحري والشحن والتعدين في قاع البحر والسياحة البحرية وتوليد الطاقة من المد والجزر. وفي حين أن هذه الأنشطة تمثل تدفقات إضافية لتوليد الإيرادات للاقتصادات الإفريقية، يمكن لبلدان الشمال الأوروبي توفير الخبرة والتوجيهات التي تشتد الحاجة إليها بشأن مخاطر التلوث والاستغلال المفرط وتحديات إدارة الموارد المائية.
فخلال الفترة من 23 إلى 24 أكتوبر من العام الجاري، تمَّ بالفعل دعوة العديد من الدول الإفريقية لحضور مؤتمر دولي للمحيطات. وفي إطار هذا الحدث، ستحدد شركات شمال أوروبا وصناع السياسة الأفارقة حلولاً للمحيطات النظيفة والصحية والمنتجة. حيث يتعين على هذه الشركات التي تبحث في آفاق الحدود الزرقاء لإفريقيا أن تدرس بالتحديد قائمة أولويات الاقتصاد الأزرق للاتحاد الإفريقي.
مصادر الطاقة المتجددة والبيئة: مطابقة عوائد الطاقة النظيفة والتنمية
بعد عقود من الريادة والاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة، تدير النرويج حاليًا نحو 97% من الطاقة الكهرومائية، وبالتالي يمكنها تقديم أفضل أنماط المعرفة في مجال الطاقة النظيفة. وفي الوقت الراهن نجد أن نحو 600 مليون إفريقي يفتقرون إلى الكهرباء. إذ يقدر “بنك التنمية الإفريقي” أنه مطلوب ما بين 60 و90 مليار دولار سنويًا لسد الفجوة في البنية التحتية للطاقة في إفريقيا. فضلاً عن ذلك، هناك حاجة لأفكار للتعامل مع المشكلات مثل التمويل المختلط، والتمويل الدائم، والاستثمار المشترك.
وفي هذا يقول “بال بجورنيسفيد”Paal Bjornestad، المدير التنفيذي لمجموعة البنك الإفريقي للتنمية، إنه “بالنسبة لإفريقيا، فمن اللازم أن يتم تطوير الصناعات المرتبطة بالكهرباء الموفرة للتكلفة، ذلك أن الطاقة الكهربائية المنخفضة التكلفة أصبحت اليوم أكثر مصادر الطاقة المتجددة، حيث تمثل فرصة جديدة للشركات الإفريقية والأوروبية الشمالية”.
وعلى مدار السنوات العشر الماضية، يلاحظ أن منحنيات تكاليف الوحدات الضوئية الشمسية قد انخفضت بنسبة 60%. وحتى بالنسبة للاستخدام التجاري والصناعي، فإن الطاقة الشمسية أصبحت قادرة على المنافسة بشكل أكبر، وذلك وفقًا لدراسة قامت بها شركة “لازارد”، التي نظرت في التكاليف المستوية التي تأخذ في الاعتبار العمر الافتراضي لتوليد الطاقة بالنسبة إلى الأصول. أمَّا السكان المحرومون، فتوضح شركة “صن إرجي” SunErgyالنرويجية أنه ثمة إمكانية أن توفر الطاقة الشمسية حلولاً رئيسية في الكهرباء خارج الشبكة والإنترنت والكابلات لأكثر من 600 ألف شخص في 92 قرية.
رأس المال البشري والتكنولوجيا: الاستثمار في المواهب الإفريقية والشركات الناشئة
وفقًا لتصنيفات معامل جيني، أنشأت بلدان الشمال الأوروبي بعضًا من أكثر المجتمعات مساواة في العالم. إذ يمكن للبلدان الإفريقية أن تتبنى دروسًا قابلة للتحويل في مجال دعم المساواة، ويمكن أن تشارك استثمارات بلدان الشمال الأوروبي في إنجاح الشركات الناشئة التي تقوم بتسويق احتياجات إفريقيا من رأس المال البشري الملحة. وكانت الشركات الناشئة في إفريقيا قد حشدت في مجال التكنولوجيا أكثر من مليار دولار في عام 2018، إذ يواصل النظام البيئي التكنولوجي المزدهر في القارة جذب الاهتمام الدولي. وقد حدثت هذه الزيادة في تمويل الأسهم لعام 2018 على مدار 164 جولة، وهي تمثل نموًا بنسبة 108% على أساس سنوي للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الإفريقية.
تكتسب الشركات الناشئة الإفريقية التي تركز على التعليم والمهارات، التي يشار إليها في كثير من الأحيان باسم “إي دي تيك” edtech، قوة جذب دولية. ففي شهر مارس من العام الجاري، برزت 10 شركات ناشئة تعمل على تحسين التعليم والمهارات في القارة كمتسابقين نهائيين في جائزة “إيدي تيك للمليار التالي” Next Billion EdTech، وهي جائزة لأحدث التقنيات المبتكرة في البلدان النامية، التي من شأنها أن تحدث تغييرًا جذريًا في قطاع التعليم فيها. وقد فازت بهذه الجائزة، أخيرًا، شركة Ubongoمن تنزانيا، التي تسهم في تطوير وسائل تعليمية ممتعة ومتعددة المنصات. وفي هذا يقول “كريس فولايان”، الرئيس التنفيذي لـ”مول أفريكا”، إنه بهذه الطريقة “يمكن لبلدان الشمال الأوروبي أن تجلب مواهبها ومهاراتها ونظامها التعليمي المذهل، ذلك أن التكنولوجيا تعتبر وسيلة لتحسين التعليم ومَنح الناس الأدوات اللازمة للحصول على التعليم عبر الإنترنت من خلال مقاطع الفيديو والدورات التدريبية عبر الإنترنت”.
الرؤية النهائية
يتميز زخم الحضور الإفريقي في عام 2019 بحالة إيجابية: من تلقي جائزة نوبل للسلام على نطاق واسع إلى بناء أكبر منطقة تجارة حرة منذ تأسيس منظمة التجارة العالمية. كما أنه من المقرر أن يصدر البنك الدولي أيضًا تصنيفاته السنوية الخاصة بـ”ممارسة أنشطة الأعمال” لعام 2020 في نهاية الشهر الجاري. ذلك أننا نعلم بالفعل أن خمس دول إفريقية جاءت من بين أفضل 20 شركة شهدت تطورًا ملحوظًا في هذا التقرير، وهي : جيبوتي وكينيا ونيجيريا وتوغو وزيمبابوي.
أخيرًا، ومن الناحية التاريخية، فقد تعامل المستثمرون من بلدان الشمال الأوروبي مع إفريقيا من منطلق الخوف من المخاطرة، لكن ثمة دلائل تشير إلى أن هذه النظرة آخذة في التغيير. وهو ما يعبر عنه “يلفا ليندبرج”، نائب الرئيس التنفيذي للاتصالات والاستراتيجية في “نورفند”، إذ يقول، “لدينا ميل ربَّما إلى المبالغة في تقدير المخاطر في الأسواق الناشئة وتقليل أهمية المخاطر في أسواقنا الخاصة”. ففي حين تضاعف حجم التبادل التجاري بين النرويج والبلدان الإفريقية في عام 2018، نجد أن تركيز جزء كبير من الاستثمار في المستقبل في القطاعات المستدامة المذكورة من شأنه أن يحسن بنفس القدر من جودة العلاقة الواعدة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: بروكنجز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر