سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جون م. روبرتس
قام رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون” بانقلاب ملحوظ في محاولاته التوصل إلى اتفاق، وذلك في السابع عشر من أكتوبر الجاري من أجل مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي في غضون أسبوعين فقط.
غير أن “جونسون” يواجه حاليًا بعض التحديات الشاقة. إذ يجب عليه إمَّا الحصول على موافقة برلمانية فورية على “الاتفاق الجديد” وذلك بتصويتٍ متوقعٍ في التاسع عشر من أكتوبر، أو مواجهة محاولة محتملة لإقصائه من خلال اقتراع بحجب الثقة، أو حتى إجباره على إجراء استفتاء مؤكد على الاتفاق المرتقب، أو أن تغرق البلاد في أتون عملية انتخابية عامة وصعبة، في حين لا يزال الاتفاق معلقًا.
لذا، فإن أمام رئيس الوزراء البريطاني وقتًا محدودًا جدًا لتشكيل ائتلاف يُمَكِّنه من الحصول على الموافقة المبدئية اللازمة للاتفاق، فالمشهد السياسي البريطاني المنقسم يعني أن نتيجة التصويت باتت غير مؤكدة.
وقد حصل “جونسون” على اتفاق خلال الساعات الأولى من يوم 17 أكتوبر خلال الموافقة الفعلية على الحدود الجمركية والتنظيمية بين أيرلندا الشمالية وبقية أجزاء المملكة المتحدة. وقد قام بذلك فعلاً من أجل ضمان عدم ظهور مثل هذه الحدود بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا، التي من شأنها أن تعيد إلى الأذهان اتفاق “الجمعة الحزينة” لعام 1998 الذي أنهى رسميًا ثلاثين عامًا من الصراع الطائفي والسياسي في الشمال.
ومع ذلك، فقد خسر “جونسون” دعمه للحزب الاتحادي الديمقراطي (DUP) في أيرلندا الشمالية، فبات بإمكان نواب الحزب الديمقراطي الاتحادي العشرة في “ويستمنستر” تحديد مستقبل اتفاق “بوريس” حينما يتم عرضه على مجلس العموم في 19 أكتوبر الجاري.
ويحتاج “جونسون” إلى تأمين 320 صوتًا للفوز بالموافقة المبدئية على الاتفاق. لكن حزب المحافظين الحاكم الذي يتزعمه لديه في الوقت الحالي 288 عضوًا فقط. بجانب ذلك، فهناك مجموعة متشددة ما بين 20 و25 نائبًا، يطلق عليها اسم “الإسبارطيين” Spartans، حيث تتقاسم مخاوف الحزب الديمقراطي الاتحادي من أن الأنظمة الجمركية والتنظيمية المختلفة في أيرلندا الشمالية وبريطانيا العظمى تهدد وحدة وتماسك المملكة المتحدة.
فعلى مدار اليومين المقبلين، ستبذل الحكومة أقصى جهدها من أجل الفوز على كل من الحزب الديمقراطي الاشتراكي والإسبارطيين، بما في ذلك الوعود التي قدمتها بتقديم مساعدات مالية جديدة لأيرلندا الشمالية، ومجموعة من التهديدات والوعود للمتقاعدين المحافظين.
لكن الحكومة تأمل في الحصول على الدعم من مجموعتين رئيستين أخريين: تنتمي إحداهما إلى مجموعة مؤلفة من 21 نائبًا محافظًا سابقًا تمَّ طردهم من الحزب في سبتمبر عندما أيدوا تشريعات تهدف إلى ضمان عدم تمكن المملكة المتحدة من مغادرة الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر ما لم يتم التوصل إلى الاتفاق أولاً. أمَّا المجموعة الأخرى، فيتراوح عددها بين 10 و20 من نواب حزب العمال المعارضين الذين يميلون إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي والذين يمثلون المناطق التي صوتت بـ “المغادرة” في الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016.
وفي الوقت الراهن لا أحد يدري ما الذي قد يحدث قبيل إجراء التصويت، إذ يبدو أن “جونسون” سوف يهزم إذا حاول الحصول على الموافقة على اتفاق في شكل آخر غير معدَّل.
لكن تغيير السياسة من جانب زعيم حزب العمال المعارض “جيريمي كوربين” في 17 أكتوبر قد غيَّر الحساب المتعلق بتعديل رئيسي محتمل لمشروع القانون المطلوب لإبرام الاتفاق من خلال البرلمان. فقد أعلن “كوربين” في ذلك التاريخ “أن أفضل طريقة للحصول على تعيين طريق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هي إعطاء الشعب القول الفصل في التصويت العلني”. وهو ما يعزز احتمالية أن لا يسعى مجلس العموم فقط لإجراء استفتاء ثانٍ إلزامي على تشريع الحكومة، ولكن هذا التعديل سوف يمر بالفعل لأنه سيُدَعَّم ليس من قبل حزب العمال والقوميين الإسكتلنديين وسكان مقاطعة ويلز فقط، وإنما أيضًا من قبل العديد من المستقلين السابقين في حزب المحافظين.
فإذا مُنِيَ اتفاق “جونسون” بهزيمة مباشرة، فسوف يعتمد الكثيرون على استجابة رئيس الوزراء الفورية. فإذا قبل الهزيمة وتوافق مع التشريع المعارض للاتفاق الذي تمَّ إقراره في سبتمبر الماضي، فسيبعث برسالة على الفور إلى المفوضية الأوروبية يطلب فيها تمديد جدول المغادرة حتى نهاية يناير 2020.
وفي مثل هذه الحالة، قد يواجه رئيس الوزراء اعتراضًا فوريًا من مؤيديه لفشله في الوفاء بوعده المتكرر بأن تترك المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر. لكنه يستطيع، وفي كل الاحتمالات، الدعوة إلى انتخابات عامة في أواخر نوفمبر أو أوائل ديسمبر. وبما أن “جونسون”، مثله مثل الرئيس في الولايات المتحدة، يدرك جيدا العدَّ السياسي، فقد لا يكون هذا مجرد موقف افتراضي، بل هدف استراتيجي بالفعل، ذلك أن إجبار المعارضة على التصويت على اتفاق وعرضه على الشعب يعني أن المعارضة هي التي فشلت في قضية بريكسيت Brexit، وليس رئيس الوزراء فقط.
ومع ذلك، فإن “جونسون” يواجه أيضًا احتمال التصويت على سحب الثقة. فقد أعلن الحزب الوطني الإسكتلندي أنه سيطلب ذلك فعلاً إذا فقدت الحكومة تصويتًا على الاتفاق، وهو ما قد تؤيده أحزاب المعارضة الأخرى إذا كان “جونسون” مترددًا في إرسال الرسالة المطلوبة إلى بروكسل، أو يبدو أنه يناور لإيجاد طريقة للتحايل على أحكامها من أجل ضمان أن تغادر المملكة المتحدة بالفعل الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر، ولكن دون اتفاق.
والحقيقة أنه لا يزال هناك كل أنواع النهايات الفضفاضة المحتملة. ففي حين أن رؤساء الحكومات المجتمعين في بروكسل لحضور اجتماع المجلس الأوروبي يومي 17 و18 أكتوبر أعطوا مباركة رسمية للاتفاق، نجد أنه من المتعين على برلمان المملكة المتحدة وبرلمان الاتحاد الأوروبي، التوقيع على تفاصيل مجموعة معقدة جدًا من الترتيبات التي من شأنها أن تكشف عن خمسة وأربعين عامًا من عضوية بريطانيا في مجموعة من المؤسسات الأوروبية.
أمَّا بالنسبة للاتفاق نفسه، فبينما يمكن لـ”جونسون” بالتأكيد المطالبة بضمان حصوله على اتفاق في اللحظة الأخيرة، فإن تفاصيله قد تساهم في مزيد من التمزق في السياسة البريطانية. وعلى وجه الخصوص، يعتبر حزب العمال والأحزاب القومية الأخرى أن حقوق العمال وظروفهم باتت مهددة؛ لأن البيان السياسي المصاحب يوضح أن حكومة “جونسون” لن تعمل بعد الآن لتأمين اتفاق جمركي مع الاتحاد الأوروبي، الذي كان هدف “تيريزا ماي”، تمامًا كما هو الحال بالنسبة لاتفاقية التجارة الحرة التي من شأنها أن تسمح للمملكة المتحدة بوضع معاييرها واللوائح الخاصة بها. لذلك، فإن المملكة المتحدة على موعد مع بدء نقاش عظيم في 19 أكتوبر، وتثار التساؤلات حول ما قد يحدث في هذه الأثناء.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: المجلس الأطلنطي
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر