انسحاب الولايات المتحدة من سوريا يجعل مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” أكثر صعوبة | مركز سمت للدراسات

انسحاب الولايات المتحدة من سوريا يجعل مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” أكثر صعوبة

التاريخ والوقت : الإثنين, 21 أكتوبر 2019

تشارلز ثيبوت

 

هناك حجّتان تثيران الحيرة لدى الحلفاء الأوروبيين خلال مناقشتهم تدخّل الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا – الأولى الفكرة بأن سوريا كانت إحدى “حروب أميركا التي لا نهاية لها في الشرق الأوسط”، والثانية المفهوم بأن واشنطن كانت وحدها تدفع فاتورة انخراطها في شمال شرق سوريا.

بيد، كانت سوريا عملية أميركية منخفضة التكلفة وعالية الكفاءة لمكافحة الإرهاب، وليست “حرباً لا معنى لها ولا نهاية لها”.

وبخلاف أفغانستان والعراق، لم يندلع الصراع في سوريا بسبب تدخل أميركي، بل ارتسمت معالمه بسبب تردد الولايات المتحدة في مواجهة المستوى غير المسبوق من التدخل الإيراني (دعم مالي بمليارات الدولارات إلى دمشق وأكثر من 60 ألف من المرتزقة الأجانب المدعومين من إيران)، فضلاً عن المساعدة الدبلوماسية الروسية (التي شملت استخدام حق الفيتو عشرات المرات في مجلس الأمن الدولي) و المساعدة العسكرية (الدعم الجوي وما يصل إلى 5000 جندي على الأرض).

لقد دعا العديد من الأوروبيين – الذين عارضوا الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في العراق – وباستمرار إلى مزيد من القيادة الأميركية في سوريا. ولم يكن الهدف من ذلك شن عملية برية واسعة النطاق بقيادة غربية، بل جمع القوات الدولية بطريقة مدروسة للضغط على النظام السوري لإنهاء جرائم الحرب الضخمة التي يرتكبها والدخول في مفاوضات جادة للتوصل إلى تسوية سياسية بين مختلف الأطراف. وفي أكثر من مناسبة، تركت القرارات الأمريكية الأوروبيين في موقف صعب؛ فقد قرر الرئيس أوباما بشكل أحادي في آب/أغسطس 2013 إلغاء الضربات الجوية المستهدفة التي تمّ الإعداد لها بالتعاون مع فرنسا ضد منشآت عسكرية سورية بعد أن استخدم النظام أسلحة كيميائية ضد شعبه.

وفي عام 2015، قررت الولايات المتحدة نشر أقل من ألفي جندي في سوريا انحصرت مهمتهم على مكافحة الإرهاب. وقادت واشنطن بنجاح تحالفاً دولياً لاستعادة كافة الأراضي التي استولى عليها تنظيم «الدولة الإسلامية». ورغم أن نجاح الحملة العسكرية الأوسع نطاقاً لم يكن ليتحقق من دون قيادة أميركية، إلا أن القتال على الأرض في سوريا – كما في العراق – اعتمد على القوات المحلية. ففي سوريا، تمثلت هذه القوات بالتحالف الكردي-العربي الذي حمل اسم «قوات سوريا الديمقراطية»، وتكبّد 11 ألف ضحية، في وقت خسرت فيه الولايات المتحدة 8 عناصر في الخدمة الفعلية في سوريا. وفي تناقض صارخ، أرسلت الولايات المتحدة مئات آلاف العناصر الذين هم في الخدمة الفعلية إلى الحرب في أفغانستان والعراق، حيث تخطى عدد الضحايا 7 آلاف شخص، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى.

وبالمقارنة مع التكاليف الباهظة المترتبة على الانسحاب الأميركي، فسيكون استمرار العمليات الأميركية في سوريا استثماراً محدوداً وفعالاً للغاية. فقد وفر أفضل وسيلة لردع إيران عن تعزيز مكانتها في سوريا.

كما أن الوجود الأميركي قد مكّن أوروبا من المشاركة في تحمّل عبء الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وقد ساهمت الدول الأوروبية بقواتها وشاركت في كافة جوانب التحالف الدولي لهزيمة «داعش»، وفقاً لقدراتها. ويعود الفضل لها أيضاً في تحقيق انتصارات لاستعادة الأراضي من التنظيم.

وقد لقي جندي فرنسي حتفه في المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». من جهتها، كانت الطائرات الألمانية تجمع المعلومات الاستخباراتية استعداداً للعمليات القتالية. أما المستشارون البريطانيون، فقد كانوا يقدّمون المساعدة للقوات المحلية. بدورهم، كان الخبراء الأوروبيون يزيلون الألغام من المباني ويدربون السكان المحليين على نزعها. وتقدّم المنظمات الأوروبية غير الحكومية المساعدة في المستشفى المركزي في الرقة وتدير عيادات في شمال شرق سوريا. كما قامت بتجديد محطات ضخ المياه، وإصلاح قنوات الري من أجل إحياء قطاع الزراعة، ووفرت الطعام والمأوى للسوريين المشردين داخلياً.

تجدر الملاحظة إلى أن الرئيس ترمب أوضح أنه لم يكن يرغب في أن تعتمد المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» على أموال دافعي الضرائب الأميركيين فقط. إلّا أن دافعي الضرائب الأوروبيين ساهموا بدورهم بذلك أيضاً. ووفقاً لحساباتي، واستناداً إلى مقابلات مع مسؤولين أوروبيين، تجاوز إجمالي المساهمات الوطنية لدول أوروبية شملت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وإيطاليا، إلى جانب الدعم المقدم من المفوضية الأوروبية 400 مليون دولار على شكل مساعدات إنسانية ودعم الاستقرار في شمال شرق سوريا منذ عام 2017.

وخلال الأسابيع الأخيرة، أشارت وسائل الإعلام الأميركية إلى أن أحد العوامل المهمة للوضع غير المستدام الذي يواجه المخيمات التي تضم مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» وأفراد أسرهم تَمَثل برفض دول أوروبية إعادة استقبال مواطنيها الذين انضموا إلى التنظيم. لكن هذا الأمر غير دقيق بدوره. فالقسم الأكبر من عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” المحتجزين  شمال شرق سوريا والبالغ عددهم 11 ألفاً كانوا من السوريين والعراقيين، وحوالي  2000 منهم كانوا من المقاتلين الأجانب، وعدد قليل منهم فقط أتى من أوروبا. وعلى أي حال، من المرجح أن يساهم عدم الاستقرار الناتج عن الانسحاب الأميركي في مساعدة مقاتلي “داعش” على الفرار وفي التسبب بتهديدات أمنية للولايات المتحدة والعالم.

وكانت جهود الدول الأوروبية في شمال شرق سوريا تتكثف قبل صدور قرار الرئيس ترمب بسحب القوات الأميركية بالكامل من شمال شرق سوريا. فقد كان دور الولايات المتحدة التمكيني منفرداً وضرورياً. ولا يمكن أن تتشارك الدول الأوروبية العبء من دون وجود عسكري أميركي على الأرض. فالمساهمات الأوروبية في عمليات مكافحة الإرهاب ضد خلايا تنظيم «الدولة الإسلامية» ستكون صعبة دون الوجود الأميركي. كما لا يمكن للمنظمات الأوروبية غير الحكومية العمل من دون ضمانات أمنية أميركية. ولا يمكن للمسؤولين الأوروبيين زيارة السجون والمخيمات التي تُحتجز فيها عناصر تنظيم «داعش» من دون الأمن الذي لا يمكن توفيره سوى من الجيش الأميركي.

وهناك أيضاً تكلفة تترتب على سمعة الولايات المتحدة – فسوف يدرك شركاؤها أن التحالف الفعال مع واشنطن يمكن أن يختفي بين ليلة وضحاها.

ولا يطالب الأوروبيون بحرية التصرف، بل يبحثون عن قيادة أميركية للتصدي للتهديدات الإرهابية المنبثقة من سوريا والتي لا تزال كبيرة. ويتطلب هذا الأمر الاحتفاظ بعدد صغير من القوات الأميركية في سوريا والالتزام بإيجاد حل سياسي. وكان الترتيب التركي – الأميركي حول المنطقة الآمنة، والذي بقي قائماً منذ آب/أغسطس وحتى يوم الأحد الماضي، خطوة إيجابية ولكن لم يكن من الممكن أن يستمر على المدى الطويل دون تسوية يتمّ التفاوض بشأنها بين تركيا والأكراد السوريين الذين يشكلون القسم الأكبر من «قوات سوريا الديمقراطية».

ولا شكّ في أن المخاوف الأمنية لأنقرة فيما يتعلق بـ «حزب العمال الكردستاني» اليساري المتطرف في تركيا وروابطه بـ «وحدات حماية الشعب» في سوريا مشروعة. لكنها مسألة لا تزال تحيّر المؤرخين الذين يواجهون صعوبة في فهم الكيفية التي تعاملت بموجبها الإدارة الأميركية مع قضية دعم «وحدات حماية الشعب» والحفاظ في الوقت نفسه على روابطها مع تركيا، والتحقق مما إذا كان يمكن القيام بذلك بشكل مختلف. فقبل عام 2015، نجحت «وحدات حماية الشعب» وأنقرة في التفاوض. وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم تتمكّن الولايات المتحدة من إعادتهما مجدداً إلى طاولة المفاوضات لتسوية النزاع الدائر بينهما.

أما بالنسبة لصناع السياسة، فتتمثل المسألة الأكثر إلحاحاً في الاستعداد لتهديدات إرهابية جديدة محتملة، حيث من المرجح أن يستفيد عدد أكبر من أفراد تنظيم «الدولة الإسلامية» من المعارك في شمال شرق سوريا ويعزز شبكات التنظيم في الشرق الأوسط وخارجه. يُذكر أن وزراء الخارجية الأوروبيين ناقشوا هذا الموضوع يوم الاثنين في بروكسل.

وهذا الموضوع قد يناقشه أيضاً الرئيس ترمب بشكل مفيد مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته إلى الولايات المتحدة في 13 تشرين الثاني/نوفمبر.

المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر