سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
حبيب الشمري
في السياسة لايمكن تجاهل قانون “الشد والجذب”، لأنه مرتبط بشكل مباشر مع مصالح الدول التي تلتقي أحيانا وتتقاطع في أحيان أخرى. وهذا مايدعو السياسيين أحيانا لتبرير مواقفهم بمقولة “لا يوجد صديق دائم ولاعدو دائم”. ولولا أن كثيرا من الدول تطبق مقولة “شعرة معاوية” لثارت النزاعات واستعرت الحروب، وسادت الفوضى. لكن المشكلة أحيانا أن تطبيق المقولة السابقة من أحد الأطراف بحكمة، يوحي بشكل غير مباشر للطرف الآخر أنه على حق، ويستمر في الإيذاء كما في حالة قطر الحالية.
في العلاقات الخليجية تحديدا، يظهر من وقت لآخر تباين في المواقف بين الدول الشقيقة، ترتفع أحيانا وتخبو أحيانا، لكنها دائما تحت السيطرة الجماعية ولو على مضض. بين السعودية والإمارات يحدث أحيانا تباين في قضايا الحدود، وأحيانا في قضايا اقتصادية، مثل الوحدة النقدية، لكنها لاترتفع إلى السقف الذي يضر الطرفين، بل يجري تطويقه وحصره في نطاقه فقط. الأمر نفسه في قضايا أخرى مع الكويت استمرت سنوات مثل عدم توقيعها سابقا على الاتفاقية الأمنية، لكن علاقتها بقيت وثيقة بأشقاءها. وقبل سنوات ظهر خلاف بين البحرين وبقية دول المجلس والسعودية تحديدا بسبب توقيعها اتفاقية للتجارة الحرة مع أمريكا بدون التنسيق مع بقية دول المجلس، لكن تم تجاوز ذلك في حينه. لكن كل هذه التباينات يتم العلاج تحت سقف الخيمة الخليجية. يستمر الاختلاف والتباين بين بعض الدول في قضايا، بينما يتوثق التعاون في قضايا أخرى. السبب في كل ذلك يعود إلى الإيمان بالمصير المشترك، مهما بلغت درجة الاختلافات.
وحدها قطر الحديثة (قطر الحمدين 1995) تغرد خارج السرب. الدوحة فقط التي استمرأت شعرة معاوية، وجذبت بكلتا يديها شعرة العلاقات مع أشقائها. كانت تهم بجر الشعرة ، بينما تخفي خلف ظهرها حزمة من المؤامرات ضد أشقائها. على مدى 23 عاما كانت السعودية الطرف الذي يحرص على عدم قطع شعرة معاوية مع (قطر الحمدين). مرة بالاحتجاج المؤدب على ممارسات قناة الجزيرة لاستهدافها للمملكة. ومرة باستدعاء السفير السعودي كما حدث في 2002. وثالثة من خلال فتور العلاقات، ورابعة بمعارضة السياسات القطرية بالتحركات الدبلوماسية المضادة كما في 2009 عند محاولة قطر شق الصف العربي بعقد قمة خاصة بها، ثم بقرار سحب السفراء في 2013، ثم باتفاق الرياض 2014. كان العامل المشترك في كل هذه السنوات، هو عدم تقدير الشقيق (الصغير) لصبر الشقيق الأكبر، وتجاهل (شعرة معاوية).
لماذا يحدث ذلك؟ لأن قطر قررت اتخاذ سياسات خاصة بها، تتقاطع مع المصالح العليا لأشقائها. مشكلة الدوحة أنها قررت أن تكون مع الكبار بكل ما تحمله الكلمة من معنى دون أي مراعاة لسنن الكون، أو أي اعتبار للعوامل الجيوسياسية.
يصادق على هذا الأمر البرفسور كيشور مهبوباني عميد كلية السياسات العامة في جامعة سنغافورة الوطنية، الذي قال إن قطر تجاهلت أهم عوامل الجغرافيا السياسية التي تشير إلى أن البلدان الصغيرة يجب أن تتصرف وفقاً لحجمها الصغير. وأن هذا خطأ كبير ارتكبته الدوحة. لماذا؟ يجيب الكاتب: لأن” لديها أموالاً طائلة، اعتقدت أنه يمكنها أن تلعب دور قوة وسيطة، وتتدخل في شؤون خارج حدودها” – على حد قوله.
استمرأت قطر شد شعرة معاوية، ومن سوء حظها أن على الطرف الآخر من الشعرة دول بحجم وثقل المملكة العربية السعودية، بل ومن وراءها مصر بثقلها العربي والسكاني، والإمارات بثقلها الاقتصادي والاستراتيجي، والبحرين ببعدها الجغرافي والتاريخي.
يمكن لنا تصور المشهد السينمائي لشد الشعرة، والسقوط والألم: قطر تشد بكل قوتها الشعرة إلى الخلف لمدة 23 عاما. تركز أرجلها في رمل الخليج، ومن خلفها جوقة من المرتزقة من عرب الشمال. فجأة قرر الطرف الآخر (السعودية) استخدام حقه في القبض على الشعرة أو تركها، فرفع يده عنها لثوان فقط، فحدث السقوط المدوي للطرف الآخر. لما هو مدوي؟ لأنه لم يكن متوقعا، كما قال وزير الخارجية القطري في تصريحات مع وزير الخارجية الألماني في الدوحة ” لايمكننا التنبؤ بمواقفهم (دول المقاطعة)، فكل تحركهم كان أصلا مفاجئا”. قطر الآن مثل الصغير الذي يتمرغ في الأرض جراء السقوط. يحاول الأشقاء الآن الاقتراب منه، ومساعدته على النهوض، لكنه يصر على الابتعاد، واستدعاء الأشقياء من الحارة الأخرى. بالطبع سيبدون كمن يساعد الصغير على القيام، ونفض غبار السقطة عنه للوهلة الأولى، لكن عندما ينصرف أشقاؤه إلى منازلهم، سيبقى مع أبناء الحارة الأخرى وحيدا. ولأنه لايمثل لهم أي ثقل استراتيجي، سيكون معرضا للتخلص منه، وفقا لظروفهم ومصالحهم الخاصة. سيبحث يوما عن أشقائه، وسيطرق أبوابهم .. لكنه لن يجد أحدا يقف معه. وسيعود يتفقد مكان سقوطه لعله يجد الشعرة المفقودة لمدها إلى الأشقاء مرة أخرى،.. لكن الأكيد أنه لن يكون لديه أشقاء.
كاتب وصحافي سعودي*
@habeebalshammry
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر