سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
آلان مكاي وجانيت كينيت
ربما يكون القانون الأسترالي على مشارف “ثورة دماغية” جديدة ستعيد تمامًا تشكيل الطريقة التي نتعامل بها مع المجرمين. وقد رأى بعض الباحثين أمثال عالم الأعصاب ديڤيد إيغليمان، أن علم الأعصاب يجب أن يغيّر راديكاليًا الطريقة التي نمارس فيها العقاب. ووفقًا لإيغليمان، ينبغي للمحاكم التخلي عن فكرة العقاب تمامًا، وبدلًا من ذلك ينبغي التركيز على توجيه المجرمين واحتواء سلوكياتهم من أجل أمن بقية المجتمع.
هل هذه فكرة جيدة؟ وهل هكذا يستجيب القضاة الأستراليون تجاه معارفنا المتزايدة تجاه الأسس العصبية الحيوية للسلوك؟
نهجان
هناك نهجان واسعان لتبرير معاقبة أي شخص يرتكب جريمة: الأول من حيث كونه “ذنبًا أخلاقيًا” أو “جزاء يستحقونه” إذا تسبب شخص ما بالضرر، فإنه بالمقابل يستحق العقاب.
وهذا الرأي هو المعروف بالقصاص أو الانتقام، الذي يهدف إلى إقامة العدالة عن طريق العقاب المُستحق فقط. أما النهج الآخر، فهو التفكير في العواقب الناتجة عن العقاب، ربما يكون العقاب مجرد رادع أو إعادة تأهيل للجاني، أو لمنعه من ارتكاب جريمة أخرى، وأخيرًا قد يُستخدم بمثابة رادع للآخرين؛ ولهذه الأسباب فقط يكون العقاب مُسوغًا. ولا يكون للعقوبة ما يبررها إذا كانت لن تضر إلا الشخص الذي ارتكب الجريمة، ولن تمنع أية جرائم مستقبلية أو ينتفع منها الآخرون.
في أستراليا، يأخذ القضاة – عادة – النهج الجزائي والعواقبي في الاعتبار عند تحديد العقوبة. وإيڤان ميلت القاتل المتسلسل أنموذج على النهج الجزائي: حيث قال القاضي: “هذه جرائم فظيعة بحق، وتتطلب حكمًا عادلًا، إما بواسطة القصاص، أو عن طريق أخذ الثأر، ويجب أن يكون المجتمع راضيًا عن طريق إعطاء هذا المجرم العقاب الذي يستحقه”.
وحاليًا، يتم إعطاء الجناة الأستراليين الفرصة في تقديم التماس للتخفيف من شدة العقاب بعد إدانتهم بالجريمة. وفي بعض الحالات، قد يشارك طبيب نفسي أو أخصائي في توفير أدلة حول الاعتلالات العقلية أو العصبية التي تشير إلى أن الجاني غير واع وغير مدرك من الناحية الأخلاقية للجريمة، وبالتالي يستحق التخفيف حين إصدار الحكم.
الاتجاه العلمي العصبي
لكن بعض الأكاديميين مثل عالمي النفس الأمريكيين جوشوا غرين وجوناثان كوهين، يقولان إن النهج العواقبي هو ما سيبقى بعد ثورات العلوم العصبية في القانون الجنائي، ولذلك ستندثر فكرة استخدام العقوبة كوسيلة انتقامية للأبد.
ووفقًا لغرين وكوهين، تعتمد الانتقامية على فكرة أن الناس ممتلكة للإرادة الحرة، ويؤكدان أن التقدم في العلوم العصبية سوف يعالج لنا هذه الفكرة عن طريق فتح الصندوق الأسود للعقل وكشف العمليات الآلية التي تقود السلوكيات البشرية. وحين يتم الكشف عن هذه الأسباب، فإننا سوف نتخلى عن فكرة أن الناس مسؤولون عن أعمالهم السيئة.
وسوف نبدأ بالتفكير في أن اعتلال الفص الجبهي للمجرم هو ما يسبب هجماته، وبدلاً من التفكير في أنه اختار قتل ضحيته وبالتالي هو مستحق للعقاب، سوف نركز على كيفية منع حدوث ذلك مرة أخرى.
ووفقًا لغرين وكوهين، سوف يكون الهدف الوحيد هو الحد من الجريمة. وإذا كانا على حق، فإن ممارسة العقاب سوف تتحرك إلى الاتجاه الذي نادى به إيغليمان.
قضية تلو قضية
وضح غوين وكوهين وجهة نظرهما حول زوال الانتقامية قبل عشر سنوات. وفي ضوء ادعاءاتهما التنبؤية، فمن المثير للاهتمام دراسة كيفية استجابة النظام القانوني للأدلة العلمية الحديثة. ويمكننا الحصول على فكرة عما يحدث في أستراليا من خلال الحالات في قاعدة البيانات الأسترالية Neurolaw ، التي أُطلقت في ديسمبر 2015 م. وقاعدة البيانات هذه هي مشروع مشترك بين جامعة ماكوراي وجامعة سيدني، وتشمل القضايا المدنية والجنائية الأسترالية التي استخدمت الأدلة المستمدة من العلوم العصبية.
ومن المثير للاهتمام، أن الحالات الموجودة في قاعدة البيانات تتخلى عن العدالة الجزائية، عندما يتم مواجهة المحكمة بأدلة تثبت اعتلال الجاني. إذ تُستخدم أدلة علم الأعصاب في إصدار الأحكام، وغالبًا ما يتم طرحها فيما يتعلق بتقييم الذنب الأخلاقي للجاني، وبالتالي استخدامها للمساعدة في تحديد مقدار العقوبة التي يستحقها الجاني. وهذا يشير إلى أن الإدانة الأخلاقية تتوقف عن كونها عاملاً هامًا في تحديد العقوبة، أو أنه ينبغي للمحاكم ألا تولي أي اعتبار للمسائل الجزائية، وتفترض أن الأسئلة حول العقوبة المناسبة مهمة للإجابة بشكل صحيح.
وتعتبر قضية فورلان في عام 2014م مثالًا على طريقة المحاكم الأسترالية في استخدام الأدلة – المستمدة من العلوم العصبية – في الحكم على فورلان البالغ من العمر 49 عامًا في واقعة عنيفة تنطوي على ضحية بالغة من العمر 76 عامًا، ونظرت العدالة في الدليل الذي يثبت وجود إصابات في الدماغ قبل عدة سنوات للجريمة، مما أدى إلى تخفيف عقوبته لثلاث سنوات وستة أشهر وقال القاضي: “تم التخفيف عن الجاني لدرجة معتدلة بسبب خلل في تحكيم العقل نتيجة إصابة دماغية مكتسبة”، وذهب إلى القول بأن العقاب كان عاملًا هامًا – للآخرين – في صياغة الحكم.
وهناك قضية لافتة أكثر تتعلق بإطلاق الحكم على عضو المجلس التشريعي السابق لتاسمانيا تيري مارتن بسبب جريمة ممارسة الجنس مع الأطفال. وتشير أدلة الخبراء إلى أنه كان يعاني من الوساوس الجنسية نتيجة تأثير دواء مرض باركنسون على مستقبلات الدوبامين في دماغه، ولذلك فرض القاضي حكمًا أكثر تساهلًا بكثير بسبب الصلة الواضحة بين الدواء والجناية. وتمت المكاشفة عن هذا الارتباط للحد من ذنب مارتن الأخلاقي.
الثورة البطيئة
لا يمكننا أن نكون متأكدين من كيفية تأثير علم الأعصاب على القانون في المستقبل. في الواقع، قد تكون هناك ردود فعل عنيفة تجاه هذا النوع من الأدلة. وما يمكن قوله هو أن فورلان، ومارتن وغيرهما من القضايا تُظهر أن القضاة الأستراليين ما زالوا يؤمنون “بالملومية الأخلاقية” حتى في مواجهة الأدلة العلمية العصبية، وهم لا يتحركون لاعتبارات عواقبية مطلقًا. وهذا يعني أن الانتقامية لا تزال على قيد الحياة وبصحة جيدة، والعقاب العادل لا يزال مهمًا للمحاكم الأسترالية. لذلك، في الوقت الحالي، فإن تأثير العلوم العصبية ليست ثورية مطلقًا.
إعداد وحدة الترجمات*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر