سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أمالينا أنور
تقوم رابطة أمم جنوب شرق آسيا “الآسيان” ASEAN بخطوات واسعة لتحقيق طموحاتها في مجال الاقتصاد الرقمي. ولكن هل الجهود الحالية كافية؟ بل كيف يمكن للآسيان المضي قدمًا في هذا؟
لقد شهدت رئاسة الآسيان في عام 2019 وضع العديد من المخططات لإطلاق العنان لإمكانيات الاقتصاد الرقمي الآسيوي والبالغة نحو 240 مليار دولار. ومن بين أمور أخرى شمل ذلك خطة عمل إطار التكامل الرقمي (DIFAP).
ويعتمد هذا الإطار الرقمي على المصادقة المزدوجة للعام الماضي على اتفاقية التجارة الإلكترونية لرابطة الآسيان وإطار عمل الرابطة بشأن حوكمة البيانات الرقمية (FDDG). ومع اقتراب عام 2019 من نهايته، يتبقى التساؤل حول: ما هو التقدم الذي أحرزته الآسيان؟ وكيف يمكن للمجموعة أن تتحرك إلى الأمام من هنا؟
البيت الذي نعيش فيه
بالنسبة للاقتصاد الرقمي، لا يمكن التقليل من أهمية البنية التحتية المادية والمؤسسية. وحتى الآن، فقد تعهدت الدول الأعضاء في رابطة الآسيان بالإجماع بتقديم وتحسين نوعية البنية التحتية للمعلومات الخاصة بها.
ومع ذلك، لا تزال الخطط الرامية إلى جعل البنية التحتية المؤسسية في وضع صحيح، وخاصة تلك المعنية بتحقيق التوازن بين تدفقات البيانات المجانية عبر الحدود من أجل النمو والتنمية، وأمن البيانات والخصوصية؛ وهو ما يعدُّ في طور التجديد في الوقت الراهن، وذلك على الرغم من قيام الآسيان أخيرًا بحماية بياناتها. إذ يتم نشر العديد من نماذج إدارة البيانات في إطار مبادرة “سوق الأفكار”، وكذلك اللائحة العامة لحماية البيانات بالاتحاد الأوروبي والقواعد المتعلقة بالخصوصية عبر الحدود لمنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ. ومع ذلك، فإن نماذج مختلفة لإدارة البيانات تعطي الأولوية لقيم مختلفة وتقدم حلولاً متنوعة حول كيفية تحقيق نفس الأهداف.
وفي حين أن سنغافورة عقدت شراكة مع البلدان التي تتجه نحو التفاوض بشأن قواعد التجارة الرقمية متعددة الأطراف في منظمة التجارة العالمية (WTO)، يبقى أن نرى إن كان هناك إمكانية للتوفيق بين المواقف المختلفة التي اتخذتها الاقتصادات الكبرى.
التحدي الذي تواجهه الآسيان يكمن في الحصول على البيانات الصحيحة لحوكمة البيانات في مجتمع الآسيان الاقتصادي، ليس فقط للنمو الرقمي داخل الآسيان، ولكن أيضًا للوفاء بمعايير شركائها الاقتصاديين الرئيسيين بسبب تعرضها وتكاملها مع بقية العالم.
وهي المعضلة التي تعتبر ليست فريدة من نوعها بالنسبة للآسيان، لكن هذه الرابطة تتمتع بموقع فريد كمحرك للنمو الرقمي في المستقبل، فضلاً عن وجود قاعدة جذابة للشركات التي تسعى للحصول على مكان في إطار التنافس الجغرافي الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين. وعلى هذا النحو، تحتاج الآسيان إلى تسريع حملتها للتوصل إلى اتفاقات مرنة وقابلة للتشغيل المتداخل.
بيت منقسم
هناك مخاطر خارجية تلوح في الأفق حول مصير الاقتصاد الرقمي لرابطة أمم جنوب شرق آسيا، إذ أصبحت البنية التحتية المادية والميسرة في المستقبل ذات طابع سياسي. وفيما يتعلق بالسؤال البارز حول تكنولوجيات الجيل الخامس، فعلى سبيل المثال، نجد أن رابطة الآسيان اتخذت في الممارسة العملية دور الحياد التكنولوجي، فيما يخص (حرية اختيار التكنولوجيا وفقًا لاحتياجات الفرد ومتطلباته) وذلك لعدة أسباب.
فاستخدام تقنيات الجيل الخامس من جانب شركة هواوي الصينية يعدُّ أكثر فعالية من حيث التكلفة، وخاصةً إذا كان الاعتماد على شبكات الجيل الرابع الحالية المصنوعة في الصين، وقد يساعد زيادة تنوع البائعين على “تجنب نقاط الفشل الواحدة”.
وابتداء من سبتمبر 2019، يتنوع المشهد الخاص بالجيل الخامس عبر الآسيان. ففي حين أن العديد من الدول بدأت في اختبار تقنية شركة هواوي، نجد دولاً أخرى امتنعت مثل شركة “فيلتي” Viettelالفيتنامية عن استبدال مكونات أجهزة شركة نوكيا، Nokia، وإريكسون Ericsson، وسامسونج Samsung، رغم أن فروعها تعمل مع هواوي في أماكن أخرى، مثل كمبوديا المجاورة.
ولكن في ما يتعلق باختيار الموقف المحايد، يجب على الآسيان أن تعد نفسها للتعامل مع عواقب اختياراتها؛ ذلك أن التدقيق المكثف من جانب واشنطن تجاه شبكات وحوكمة الآسيان التكنولوجية يعدُّ أمرًا محتملاً، رغم أن قسوة أي سياسة مباشرة تجاه الآسيان قد تتم بوساطة حاجة الولايات المتحدة للدعم في احتواء صعود الصين متعدد الأوجه في المنطقة.
مخاوف لا أساس لها
إن بعض المخاوف التي أثيرت لا أساس لها من الصحة؛ فتقنيات الجيل الخامس المستقبلية سوف تبشر بوجود اتصال غير مسبوق، وبالتالي فإن المخاطر المصاحبة لا ترتبط فقط بالتجسس الاقتصادي وغيرها، لكنها ترتبط بالسيطرة على الشبكة من قبل أي ممثل قادر.
ولتحقيق هذه الغاية، يجب على الآسيان تعزيز أمنها على الإنترنت وغير المتصل بالبنية التحتية الحيوية. وبجانب ضمان الحماية القانونية المعتادة والسلامة البدنية، يتعين على الرابطة تعزيز القدرات الحالية للأمن السيبراني. وفي الوقت نفسه، ترى الممارسات التقليدية عمومًا التزامات ميسرة بشأن الأمن السيبراني ضمن مشاريع التكامل الاقتصادي.
ومع ذلك، يمكن أن تتعارض الآسيان مع زيادة الأمن السيبراني للأمن الاقتصادي، وذلك من خلال إدراج مثل هذه البنود في خطة “إدارة الهجرة الدولية” والاعتماد على مبادرات الأمن السيبراني الموجودة في مجتمع الأمن السياسي لرابطة الآسيان من أجل تعاون أفضل. وبناء عليه، فإن مثل هذه الإجراءات من شأنها أن تحقق تقدمًا نحو تهدئة مخاوف الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين للرابطة، وذلك رغم أنه من غير المرجح أن يخفف تمامًا من القلق بشأن الأمن الرقمي، خاصة إذا كانت هذه المخاوف تشكل واجهة في منافسة استراتيجية أوسع.
إن الشعور بجاذبية إمكانات رابطة الآسيان لا ينبغي أن يؤدي إلى تفوق التحديات الأخرى. فتهديد الفجوات الرقمية المتفاقمة موجود دائمًا. إذ يتزايد الضغط لضمان الاستفادة من المكاسب الناتجة عن كل من الاقتصادات غير المتصلة بالإنترنت وعبر الإنترنت وذلك كجزء من الآسيان الشامل.
فبالنسبة إلى أحدها، وعلى الرغم من أن رابطة الآسيان قد صرحت بزيادة توافر التكنولوجيا، فقد استخدمت التكنولوجيا في الغالب للوسائل الاجتماعية بدلاً من تحقيق غايات اقتصادية منتجة على المستوى الإقليمي. وبالتالي، هناك حاجة لفهم هذا الاتجاه بشكلٍ أفضل وتزويد سكان الآسيان بمهارات التمكين الرقمي حتى يتمكنوا من تسخير “الرقمنة” بشكل أفضل لمصلحتهم الاجتماعية والاقتصادية. وبخلاف ذلك هناك إمكانية لتوسيع قاعدة المواهب الرقمية، وهو ما لن يبشر بالضرورة بمزيد من التطوير.
وبالنظر إلى أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم تشكل الجزء الأكبر من اقتصادات رابطة الآسيان، فينبغي أن تكون القواعد التي تحكم المساحات الاقتصادية في المنطقة ملائمة للشركات الصغيرة والمتوسطة؛ وهو ما يستلزم إلغاء اللوائح الشاقة التي لا تحقق أهداف السياسة العامة، مثل متطلبات توطين البيانات للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تتداول الشحنات الصغيرة.
ينبغي تقييم أي تدابير غير جمركية على نطاق أوسع من ذلك، على أن يتم ذلك التقييم بناءً على ضرورتها وأهميتها في إطار تأثيرات السياسة العامة المرغوب فيها من أجل تجنب إقامة الحواجز غير التعريفية بدلاً من ذلك.
وفي الوقت نفسه، فإن خفض تكاليف الابتكار من خلال توفير الخدمات المصغرة (وذلك فيما يعدُّ أساسًا للبنية الرقمية الأساسية، التي يمكن لجميع المطورين استخدامها في التطبيقات الرقمية، مثل مصادقة الهوية أو مكونات معالجة المدفوعات)، بالإضافة إلى فتح البيانات، يمكن أن يعزز وجود نظام بيئي أكثر حيوية. وكذلك، سيكون من المفيد بشكل خاص تعزيز ريادة الأعمال الرقمية بين الفاعلين الصغار.
أخيرًا، يعد العصر الرقمي بكل من الإمكانات والمآزق. إذ يمكن تعيين الآسيان لمرحلة السيطرة على الموقف، ذلك أن وضع الأسس الصحيحة لن يلغي المخاطر، وبخاصة تلك الناجمة عن التوترات الخارجية. ومع ذلك، يمكن أن يساعد الآسيان في التغلب على الاضطرابات في مسيرة أكثر سلاسة. وبالتالي، فإن ترتيب أوضاع البيت من الداخل استعدادًا للاقتصاد الرقمي يجب أن يحدث عاجلاً وليس آجلاً.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Rajaratnam School of International Studies
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر